تخيّل لو استمرت أجواء اﻷعياد -بأكلاتها وأغانيها وهداياها- استمرت على مدار أيام السنة! لا شك في أن ذلك سيكون مرهقًا؛ لأنه مهما كان الأمر محببًا، فإنه يغدو مملولًا إذا استمر طويلًا؛ فالمميز في العيد أنه لا يصادف سوى مرة أو مرتين في السنة، وهكذا كان العمل من المنزل سابقًا بالنسبة لي، لأنه لم يكن يتكرر كثيرًا؛ أي أنه كان أشبه بحدث استثنائي، وفرصة لأحظى بقليل من الراحة مضطجعًا في سريري، وأتجنب الإزعاج المصاحب للتنقل بين منزلي ومكان عملي، ولأسترخي في المنزل وأُنجز عملي دون القلق من وجود منغصات.

ولكن ذلك الوضع تغير جذريًا بفعل اﻷوبئة التي عصفت بالعالم، وما أعقبها من إغلاق وإقفالات طالت مكاتب الشركات؛ إذ بات العمل من المنزل القاعدة بعدما كان استثناء، مع فرق وحيد عن أجواء العيد يتمثل في غياب الاحتفالات. فما كان يومًا ما حدثًا استثنائيًا لا يتكرر إلا في مناسبات قليلة، غدا عملًا روتينيًا مربكًا يكاد لا ينتهي.

إذًا، كيف -والحال كذلك- بوسعك استعادة بعض إيجابيات العمل من المنزل؟ أي كيف يمكنك ليس فقط أن تتكيف مع ذلك العمل، بل وأن تجعل منه تجربة ممتعة؟ إليك بعض النصائح التي وجدتُها مفيدة في هذا الشأن.

استثمر في معدات العمل عن بعد

عليك بالاتصال عريض النطاق، المعروف باصطلاح برودباند Broadband؛ لأنني مهما أكدتُ لك على أهميته للعمل من المنزل، فلن أوفّيه حقه. ومنذ حوالي عام مضى، طورتُ خط الإنترنت لدي إلى كابل ضوئي عالي السرعة (100 ميغابت/ ثانية)، وكانت النتائج مذهلة؛ فلم أعد أعاني من رداءة مكالمات الفيديو، ولا من انقطاعات في الاتصال؛ كما بات تنزيل الملفات ورفعها أسهل بكثير من قبل.

من الضروري كذلك أن تكون لديك تجهيزات مكتبية مناسبة؛ فليست فكرةً حسنةً أن تستخدم طاولة المطبخ للعمل على حاسوبك المحمول وقتًا طويلًا. استثمر المال في شراء كرسي مريح للعمل، وشاشة حاسوب ذات قياس مناسب، وكاميرا إنترنت ذات جودة عالية، وطاولة مكتب جيدة. كما يمكن اقتناء طاولة منتصبة لتثبيت كاميرا الفيديو عليها.

معدات العمل على المكتب؛ مكتب للجلوس، وآخر منتصب لمكالمات الفيديو.

استثمر في الأدوات المناسبة للعمل عن بعد

لا يكفي للعمل من المنزل أن تكون لديك معدات جيدة فقط، بل تحتاج إلى أدوات تدعم هذا النوع من العمل. ومن أبرز أدوات العمل عن بعد، نجد كلًا من برنامج ميرو Miro، أو برنامج مورال Mural، المخصصَين لإنشاء سبورات رقمية بيضاء؛ وبرنامج فيجما Figma لإنشاء تصميمات واجهة المستخدم، ومنصة أنا لتخطيط اﻷعمال على مستوى اﻷفراد والفرق، ومايكروسوفت تيمز Microsoft Teams و زووم Zoom للتواصل؛ وجميعها برامج من شأنها إحداث تغيير إيجابي كبير في عملك من المنزل.

عدل جدول عملك

لا ترتكب الخطأ المتمثل في تطبيق جدول عملك القديم أيام العمل من الشركة على مواعيد بدء العمل من المنزل والانتهاء منه، والتي كانت محددةً باستقلال السيارة للذهاب إلى العمل والعودة منه. قد يكون ذلك التنقل بين المنزل ومكان العمل مزعجًا أحيانًا، ولكنه يرسم الحد الفاصل بين الحياة اليومية والعمل، وهو حد من المستحسن أن تحافظ عليه أثناء العمل من المنزل؛ فعلى سبيل المثال، يمكنك الخروج للمشي في الوقت الذي كنت تذهب فيه إلى عملك القديم من الشركة وتعود منه.

عليك أيضًا أن تأخذ بالحسبان الوقتَ الذي تكون طاقتك خلاله في أوجها، وكيف يمكنك تعديل جدول عملك للاستفادة من ذلك؛ فقد يكون بوسعك بدء عملك من المنزل أو إنهاءه، بوقت أبكر مما اعتدتَ عليه أثناء عملك القديم من الشركة؛ أو أن تحظى بوقت أطول لاستراحة الغداء.

افصل وقت العمل عن الوقت المكرس لحياتك اليومية

من السهل تمامًا أثناء العمل من المنزل أن تخلط بين وقت العمل والوقت المخصص لحياتك اليومية. وقد وجدتُ بحكم خبرتي أن من المهم جدًا الحفاظ على فاصل واضح بين الاثنين. ولذلك السبب -وبوعي كامل مني- أتوقف عن العمل في المساء (وأثناء العطل)، وأتجنب الانجرار وراء الأفكار التي ترغّبني في العمل لحين الانتهاء من إنجاز المهمات المطلوبة مني في ذلك اليوم (وهو ما لا يتحقق أبدًا بصراحة). ومن حسن حظي أن لدي مكتبًا منزليًا ضمن حديقة منزلي، أين بوسعي أن أفصل وقت عملي عن باقي يومي، ليس فقط ذهنيًا، بل وواقعيًا أيضًا.

خذ استراحات ومارس تمارين رياضية بانتظام

يحدث كثيرًا أن تشعر بالكسل أثناء العمل من المنزل؛ ففي حين أنك تأخذ استراحات على نحو طبيعي أثناء العمل من الشركة -سواءً للذهاب إلى اجتماع أو النهوض من مكانك لتحضير قهوة أو للتحدث مع زميل لك-، فذلك لا يحدث أثناء عملك من المنزل. ولذلك، من المهم أن تأخذ استراحات منتظمة كل 20 أو 30 دقيقة أثناء العمل من المنزل، بوصفه المعدل الأمثل. ويمكنك لهذه الغاية تنصيب برامج تذكّرك بأخذ استراحات أثناء العمل، مثل برنامج ريسيس Recess لنظام التشغيل ماك Mac. تتمثل الاستراحة بأمور عديدة، مثل تمارين التمدد السريع لجسدك، أو المشي في الغرفة لبعض الوقت.

 

ولأنك لم تَعُد تتنقل بين مكان عملك والمنزل، فقد يقل نشاطك الجسدي كثيرًا؛ إذ لم تعد تمشي إلى الشركة، ولا تستقل القطار، ولا تستخدم الدراجة الهوائية للوصول إلى هناك. ولذا، من المهم أن تكرس وقتًا للتمارين الرياضية أثناء العمل من منزلك، كما لا يُشترط أن تكون تلك التمارين قاسية، بل يكفي أن تمشي لعشرين دقيقة في أي فترة خلال اليوم.

أعد تقييم ممارسات العمل التي تتبعها

يختلف العمل من المنزل عنه من مكتبك في الشركة؛ فمكالمة الفيديو ليست كالمحادثة وجهًا لوجه، وورشة العمل عبر الإنترنت ليست مثل اجتماع أفراد الفريق معًا تحت سقف واحد. أي باختصار، العمل من المنزل والعمل من الشركة مختلفان.

لا ترتكب الخطأ المتمثل بتطبيق العمل من الشركة على العمل من المنزل، بل فكّر في التغييرات التي عليك إجراؤها بشأن الممارسات التي تتبعها في عملك الحالي. هل تحتاج إلى تقليل الاجتماعات؟ أم إلى توثيق القرارات أكثر؟ أم إلى إجراء محادثات منتظمة مع الزملاء لمواكبة أخبارهم؟ جرب أمورًا من ذلك القبيل واستلهم الأفكار من الشركات الرائدة في العمل عن بعد، مثل شركة جيت لاب Gitlab، وشركة ثوت ووركس Thoughtworks، وحسوب.

وازن بين التعاون المتزامن وغير المتزامن

ينبغي أن يكون إيجاد التوازن المناسب بين التعاون المتزامن وغير المتزامن عبر الإنترنت جزءًا من عملية إعادة تقييم ممارسات العمل. أي بينما يبدو مستحبًا إجراء مكالمة فيديو بخصوص كل شيء يتعلق بالعمل، فقد يكون من الأفضل عمليًا التعاون على نحو غير متزامن عبر الإنترنت. ومن الأمثلة على ذلك التعاون غير المتزامن: نشر تحديثات أو إضافة تعليقات إلى أحد المستندات.

أكثر من التواصل لكن بحدود

يحدث التواصل ضمن مكاتب الشركة على نحو عفوي تمامًا؛ كأن يطلب موظف مساعدة زميله في أمر ما، أو يدردش معه حول عمله، أو يرى بعض التصميمات معلقة على حائط مكتبه فيتوقف ليسأله عنها؛ أما في حالة العمل من المنزل، فالتواصل بين زملاء العمل لا يحدث عفويًا؛ لأنك لن تصادف زميلك يحضّر القهوة في المطبخ، ولن ترى أحد تصاميمه معلقًا على حائط غرفة المعيشة في منزلك.

ولذلك، من المهم جدًا أن تكثف التواصل أثناء عملك من المنزل. لا تُمطر زملاءك برسالة تلو أخرى، لكن من المستحسن أن تتفقدهم من حين لآخر على نحو منتظم، وتنشر تحديثات أكثر مما تفعل عادة، وأن توضح رسائلك؛ إذ قد يُساء فهم معاني تلك الرسائل عندما لا تكون وجهًا لوجه مع متلقّيها.

كما يمكن لمنشورات المدونات أن تسهم جيدًا في مشاركة المعلومات والتحديثات عبر مجموعة أوسع نطاقًا. فأدواتٌ مثل برنامج لووم Loom مثلًا، تُعَد ممتازةً لإنشاء فيديوهات قصيرة تتيح لزملاء العمل مواكبة كل جديد حسب وقت كل منهم، وذلك بدلًا من محاولة التوفيق بين جداول عملهم واجتماعات فيديو تكاد لا تنتهي عليهم حضورها.

خطط مسبقا للأنشطة الاجتماعية

قد يؤدي العمل من المنزل إلى الشعور بالعزلة، لا سيما بالنسبة لمن يعيشون وحيدين. ولذا من المهم تكريس وقت للاجتماع بالزملاء عبر الإنترنت. فخلافًا للعمل من مكاتب الشركة حيث تتواصل مع زملائك على نحو عفوي، عليك أثناء العمل من المنزل أن تخطط مسبقًا لذلك التواصل.

ومن المستحسن أن ترتب لمحادثات أو اجتماعات مع زملائك تتعرف فيها إلى آخر أخبارهم، وأن تسعى إلى الحصول منهم على وقت لأنشطة بناء الفريق عبر الإنترنت. فقضاء وقت ممتع مع الزملاء عبر الإنترنت ليس فكرةً جيدةً فحسب، بل ومهم لكل منهم من الناحية النفسية التي تنعكس إيجابًا على الجسدية. يحافظ أفراد فريقي على ترابطهم الاجتماعي أثناء العمل من المنزل بلعب لعبة Smash Karts، وهي لعبة قيادة سيارات جماعية عبر الإنترنت؛ أو لعبة الرسم المسماة Drawasaurus، أو لعبة Gartic Phone.

اترك تعليقاً