يحتاج إعداد بيئة العمل البعيدة إلى تخطيط سليم لدراسة الأدوات وأساليب العمل التي يجب استخدامها واتباعها، ثم طرق مراقبة ذلك العمل لتقييمه وتصحيحه وقياس أداء العاملين، وتدريب العاملين الجدد على العمل أيضًا، ثم تأتي النشاطات المكملة للعمل نفسه، والتي تمثل حاشية العمل التي تكمل الجوانب الناقصة في علاقات الموظفين ببعضهم جراء العمل عن بعد، من لقاءات دورية وحوافز معنوية ومسابقات وغيرها.

وقد عرفنا فوائد هذا النمط من العمل للشركات في المقال السابق، وعرفنا صوره المختلفة وعوامله التي تؤثر فيه ويجب النظر فيها عند تأسيس الشركة لتعمل عن بعد أو نقلها لهذا النمط إن كانت قائمة بالفعل، ولعلك عرفت الآن إن كان مناسبًا لك أم لا، وننطلق الآن لنتعرف كيف نؤسس بيئة العمل الجديدة لتكون مناسبة للعمل البعيد.

ولتعلم أنك كمدير فريق أو مؤسسة ستراجع أدوار الموظفين ومهامهم عند النظر في تبني هذا النمط، وكذلك قد تعيد النظر في مخططات سير العمل لهؤلاء الموظفين لترى إن كنت تحتاج إلى برامج أو أدوات جديدة لمتابعة العمل ودمجه مع بقية الشركة التي تعمل من المكتب مثلًا في حالة تبني العمل عن بعد جزئيًا، وهل سيعمل الموظفون من حواسيبهم الخاصة فتحتاج إلى أدوات سحابية أو شبكية لضمان أمان البيانات وتوحيد منصات العمل، أم من حواسيب خاصة بالشركة، وكم سيحتاج ذلك من ميزانيات مادية، وتجهيزات لوجستية لتجهيز تلك الحواسيب وإرسالها إلى الموظفين ومتابعتها بعد توصيلها للدعم الفني والتحديثات وغيرها، وهل سيؤثر هذا على مستوى إنتاج العاملين أم لا.

تأسيس بيئة عمل عن بعد مقابل الانتقال من بيئة عمل تقليدية

سيكون الأمر أسهل في بعض الجوانب إن كانت الشركة قيد التأسيس وأصعب في جوانب أخرى، فمن ناحية لن تحتاج إلى إقناع العاملين بالانتقال إلى هذا النمط إذا وُجد منهم من يفضل العمل من المكتب بما أنك ستضع شرط العمل عن بعد في إعلانات التوظيف، وسيأتيك من هو مستعد نفسيًا وتقنيًا لهذا النمط من العمل، وقد يكون أصعب في جوانب التجهيز والإعداد من طرفك بما أنك ستخوض عملية إنشاء الشركة من ناحية مع مخاطرة التجارة الملازمة للشركات إلى أن تصل إلى نقطة التعادل على الأقل، ومن ناحية أخرى سيكون عليك تأسيس بيئة العمل الجديدة ومتابعة أداء الموظفين والشركة عن بعد، وهو الجانب الذي نريد تيسيره وشرحه في الكتاب.

أما إذا كانت الشركة قائمة بالفعل فستحتاج إلى تنفيذ مرحلة تجريبية قليلة المخاطر لدراسة جدوى الانتقال إلى العمل عن بعد مع مراجعة العاملين ومتابعتهم في تلك الفترة التجريبية لتعرف ما الذي نجح من سياستك فتعتمده، كما ستحتاج إلى تحديث السياسات المتعلقة بالعمل عن بعد وإجراءات السلامة والصحة البدنية والنفسية في مكان العمل البعيد، وقد نشرت شركة حسوب دليلًا للعمل عن بعد لتوفر على الشركات كثيرًا من الخطوات اللازمة لإدارة العمل البعيد بكفاءة.

وستعطيك تلك البيانات التي تجمعها من الفترة التجريبية فكرة عن الميزانية المطلوبة للاستثمار في بنية تحتية تقنية للفرق العاملة عن بعد من حواسيب وأدوات وبرامج كما تقدم بيانه، وهذا يعني بالضرورة توظيف مختصين بهذه البنية التحتية إن كانت الشركة متوسطة الحجم إلى كبيرة، خاصة إذا كنت تنوي إرسال حواسيب إلى الموظفين، لتلافي إرسال عتاد تالف أو غير مناسب، أو إرسال قطع مختلفة أو ناقصة، وهكذا، فإنك تريد الانتقال إلى النمط البعيد لتتخلص من بعض أوجه القصور في العمل المكتبي، لا أن تضيف إلى نفسك مشاكل جديدة!

الأهلية التقنية للعاملين عن بعد

تفترض الشركات في الغالب أثناء التوظيف معرفة الموظف التقنية في شأن التعامل مع الحواسيب وبرامج العمل، أو على الأقل تشترط ذلك، وقد يبدو الحديث عن هذا اﻷمر سخيفًا إذا كان مجال الشركة تقنيًا بالأساس، غير أني رأيت من العاملين من لا يعرف في تعامله مع الحاسوب أكثر من فتح بعض البرامج الأساسية، وقد كان ذلك في شركة تقنية، لذا يفضل أن تتأكد الشركة من أهلية الموظف ابتداءً وقدرته على التعامل الصحيح مع برامج العمل وأدواته، أو حتى توفير بعض التوجيه والإرشاد إذ قد يعلم الموظف كيف يستخدم أدوات العمل لكن ربما ليس الاستخدام الأمثل.

وبما أننا ذكرنا هذه النقطة، فنعرّج على أمر آخر قد يغفل عنه المدراء، وهو تعلم المدراء أنفسهم للأدوات والتقنيات التي يستخدمونها، فإذا لم تكن للشركة سياسة محددة للبرامج والأدوات الخاصة بالعمل وأغراضها، أو كان المدير وصاحب الشركة من يسن قوانين العمل فيها، فقد ينزع إلى استخدام الأدوات والتطبيقات التي ألفها وتعود عليها، مثل البريد والهاتف والفاكس رغم بياننا لأهمية تخصيص قنوات التواصل وأدوات العمل بأغراض محددة تناسب العمل أولًا وآخرًا.

تدريب العاملين عن بعد

كذلك ينبغي أن يحتوي منهج تدريب العاملين عن بعد على سياسات الشركة وثقافتها، وطرق تنفيذ المهام والتدريب عليها، وتنفيذ محاكاة لتنفيذ بعض المهام إن لزم، مع محاضرات أو مواد تعليمية عن أمن المعلومات وإجراءات الاتصالات الآمنة والعلاقات بين أعضاء الفريق مما يجب قوله وما يجب تجنبه، والأدوات المستخدمة لمتابعة تنفيذ المهام والجداول الزمنية للعمل اليومي والأسبوعي.

كذلك، توضع قواعد واضحة للتواصل النصي والمرئي، فلا يُنصح بالتواصل في غير أوقات العمل، لما يسببه ذلك من إحراج أو إرهاق للعاملين أمام أهليهم -خاصة في حالة الموظفات من النساء-، وذلك أن ثقافات التواصل بيننا تختلف عن ثقافات التواصل في الشعوب غير العربية أو المسلمة، وكنت أرى أكثر المواد التي تفصل في أساليب العمل عن بعد تكون إما باللغة الإنجليزية أو مترجمة منها، ولا تُعرَّب تلك الأساليب لتناسبنا نحن العرب.

وعلى ذلك تضع الشركة قواعد للتواصل المرئي بألا تكون الاجتماعات في أوقات غير مناسبة ما أمكن، ويُتجنب قطعها لأوقات العبادة بأن تُجعل الاجتماعات قبلها أو بعدها بوقت كافي، لئلا تُقطع الاجتماعات في منتصفها، وإذا كان الاجتماع مرئيًا فيكون اللباس ومحل الاجتماع على قدر من المهنية والالتزام، فقد عملت مع فرق من قبل كانت تعقد كثيرًا من الاجتماعات المرئية، وكانت الشركة أجنبية تترك حرية السلوك مفتوحة إلى حد كبير، فصدرت مع الوقت تجاوزات مؤذية من بعض الأعضاء إلى زملائهم بقصد أو بغير قصد، ثم نسمع بعدها عن جلسات تأديبية وتحقيقات وغيرها، مما كان يمكن تجنبه إذا التزم العاملون ببعض الجدية والمهنية أثناء التعامل فيما بينهم.

فإذا كان لا بد من الاجتماعات المرئية فليعاملها الموظفون كأنهم ذاهبون إلى مقر الشركة، من هندامهم الذي يظهرون به أمام الشاشة وأسلوب حديثهم، مع الحرص على مراعاة خصوصية منازلهم بألا تكون الكاميرا مواجهة لممر يظهر فيه أفراد المنزل إن كانوا يعملون من المنزل، وذلك أولى من التفكير في جودة صوت الاجتماع والإضاءة وغيرها، فتلك تأتي في المرتبة الثانية، وإن كانت مثل هذه النصائح تقال للعاملين عن بعد مطلقًا إما في شركات أو عملًا حرًا، لما ثبت من أثر نفسي على معاملة العمل من المنزل بنفس الجدية التي يُعامَل بها العمل التقليدي.

كذلك تُحدد الألفاظ التي يجب استخدامها بين الموظفين في قنوات التواصل، وحدود المعاملات بين الجنسين خاصة لئلا تقع مشاكل من غير أن يشعر الواقع فيها أنه يؤذي زميله.

وإذا كانت الشركة تدرب الموظفين الجدد في مقر الشركة ليعملوا عن بعد، فينبغي أن تعودهم على العمل عن بعد وهم في مقرها، بأن تُدرب الشركة العاملين فيها على استخدام برنامج اجتماعات مرئية من أجل الاجتماعات، وبرنامج محادثات نصية للنقاشات السريعة، وكذلك البريد الإلكتروني للرسائل المهمة ونشرات الشركة ووثائقها، مع استخدام خدمة تخزين سحابية لمستندات الشركة وأدلة استخدام البرامج وتنفيذ المهام وغيرها، وكل ذلك تمهيدًا لنقل بيئة العمل التقليدية لتكون عن بعد.

وعندئذ قد يأتي أحد المتدربين بحاسوبه إلى جوار المدرب أو أحد زملائه على مكتبه ليسأله عن أمر ما، فينبغي للمدرب أن يوجهه إلى قناة التواصل الصحيحة في هذا، وهذا مثال لواقعة حقيقية من عاملين في شركة تقنية كانت تدرب العاملين فيها على العمل عن بعد، فرغم أنه أتى يمشي إلى مكتبه، ومكتبه لا يبعد عنه بضع خطوات، إلا أنه يدرَّب ليعمل عن بعد في غضون أيام، وعلى هذا ينبغي أن يوطن نفسه على استخدام قنوات الاتصال المناسبة.

وهو تمام على ما سنذكره أدناه من توفير أدوات المساعدة والدعم في صورة يسهل الوصول إليها والاستفادة منها وإلا فسيلجأ الموظفون إلى سؤال بعضهم بعضًا أو سؤال من هم أكثر خبرة منهم، ومن ثم تضييع مزيد من أوقاتهم وأوقات زملائهم.

دور مجال الشركة في صلاحية العمل عن بعد

قد تحكم طبيعة العمل لديك مقاييس زمنية ترتبط بعوامل خارجة عن الشركة نفسها، مثل العمل في الدعم الفني أو الاستقبال أو غيرها، فتلك الوظائف ترتبط بعملاء الشركة وليس بالشركة نفسها، وتتعلق مواقيت العمل فيها بالأوقات المناسبة للعملاء وليس للشركة، فقد تعمل الشركة من دولة تختلف مواقيتها الزمنية عن مواقيت العملاء، وحينئذ تضطر الفرق العاملة في الدعم الفني إلى التواجد أو العمل في مواقيت تختلف عن مواقيت عمل الشركة، لكن هل هذا يعني أن العمل عن بعد لا يصلح هنا؟

في الواقع، كلا، وليس لهذا علاقة البتة بصلاحية العمل عن بعد في الشركة، فكل ما تحتاج المؤسسة إليه في هذه الحالة هو توظيف مدراء يعملون في نفس مواقيت عمل الدعم الفني وحسب، وهذا هو واقع مراكز الدعم الفني وخدمة العملاء في الشركات الكبرى التي تعمل في أسواق عدة مثل أمريكا الشمالية وأوروبا وغيرها، فتلك الشركات تنقل خدمة العملاء إلى مراكز تابعة لها في دول أخرى مثل ألبانيا والهند ومصر وباكستان والمجر لتخفيف الالتزامات المالية والقانونية عليها، أو ربما تعهد إلى شركات خارجية في تلك الدول تنوب عنها في هذه العملية، ولا تحتاج عندئذ إلا لتوظيف من يدير تلك العملية كأنها عملية مستقلة بذاتها، وتسجيل مجرياتها في نظام رقمي سحابي أو على خوادم الشركة بما يكون من تحديث لبيانات العملاء، أو نقل ذلك لأقسام أخرى من الشركة إن كانت طلبات العملاء تتطلب نقلًا إلى أقسام مثل البيع أو الشحن أو الإدارة العليا أو غيرها.

ولن تكون عملية التواصل المباشر بين العاملين مشكلة في بيئات خدمة العملاء، وهي البيئة التي تشبه في عملها خطوط الإنتاج في المصانع من حيث وتيرتها السريعة وحاجتها الشديدة للتواصل الفوري، ذلك أن الموظفين يستطيعون التواصل في قنوات اتصال في الوقت الحقيقي مثل التي توفرها برامج الاجتماعات أو المحادثات الفورية، ومراجعة المشاكل التي سبق التعرض لها في قاعدة بيانات يسجلها الموظفون أنفسهم مع كل حالة أو تسجلها الشركة وتوفرها للموظفين كدليل يُرجع إليه لتوفير وقت الرجوع إلى المدراء.

فإذا كان العمل عن بعد يصلح في مثل تلك الحالات فإنه ولا شك يصلح لما هو أقل منها في الحاجة إلى التواصل، والتي يكفيها وجود عدة موظفين تتقاطع ساعات أو أيام عملهم مع بعضهم بحيث لا تسقط بيانات مهمة أثناء العمل.

الانتقال إلى بيئة عمل عن بعد

لا شك أن الشركات تستفيد عند الانتقال إلى العمل عن بُعد استفادة كبيرة، خاصة في شأن توظيف أفضل المواهب وإسعاد موظفيها كما ذكرنا، غير أن الاستغناء عن المكتب ثم إدارة العاملين عن بعد ليست مهمة سهلة لمن لم يعتادها، وتحتاج إلى تخطيط وتحضير إذا تم تنفذها الشركة من قبل أو تكن لها خبرة بها، وهناك عدة طرق تحول بها شركتك من مكتب تقليدي إلى شركة عاملة عن بُعد.

تطوير معايير ومبادئ توجيهية جديدة

ينبغي أن تراجع الشركة البيانات التي تحصل عليها من العاملين لديها قبل الانتقال إلى العمل عن بعد، وكذلك لوائح العمل التنظيمية، من أجل معرفة إن كانت تحتاج إلى تعديلات للوضع الجديد، ثم يبلَّغ العاملون المتأثرون بتلك اللوائح بالإرشادات والتعديلات الجديدة من خلال الوسائل التي توثق تلك الإرشادات، ومن خلال جلسات مرئية تطول أو تقصر وفقًا لحجم التعديلات على تلك الإرشادات من قِبل مدربين من الشركة للتأكد أن جميع الموظفين قد فهموا الوضع الجديد.

تحديد لوائح العمل عن بعد

تحمل سياسات العمل عن بُعد أهمية لكل من الموظفين وأصحاب العمل، ويجب أن تغطي جميع الجوانب الهامة للعمل عن بُعد ليصبح من السهل على أعضاء الفريق فهم كيفية التصرف بأنفسهم. على سبيل المثال، يجب أن تذكر سياسة العمل عن بُعد بوضوح إذا كان مسموحًا للموظفين تثبيت برامج غير برامج العمل على أنظمة الحواسيب التي توفرها لهم الشركة أم لا، وذلك للأسباب التي ذكرناها من قبل في شأن حماية أمن البيانات مثلًا.

وصحيح أن هذه السياسات تتوقف على عدد الموظفين وحجم الشركة واحتياجاتها، لكنها في العموم تدور حول ما يلي:

  1. هل يجب أن يكون الفريق متصلًا بالإنترنت خلال ساعات عمل محددة أم أن جداول العمل مرنة؟ وما هي ساعات العمل في تلك الحالة؟ وهل يحتاج العاملون إلى مراعاة المناطق الزمنية المختلفة في عمليات التواصل؟
  2. ما هي الأدوات التي يستخدمها الفريق للتواصل والتعاون بفعالية؟
  3. كيف يتتبع الفريق التقدم المحرز في المشاريع ويقيس النتائج؟

على سبيل المثال، تحدد سياسة العمل عن بُعد في Google التدريب الافتراضي والفصول الدراسية التي عُقدت من التي ستساعد الموظفين في عملية الانتقال، ويرجع الموظفون إلى هذا المستند متى احتاجوا إليه، مما سيوفر لهم الوقت في التواصل مع مديريهم.

وبالمثل، توضح سياسة العمل عن بُعد Shopify أفضل أدوات الاتصال، ولماذا يطلبون من الموظفين استخدامها، وكيف سيؤثر اختيارهم في برنامج العمل عن بُعد بشكل إيجابي على الفرق البعيدة. وفي العموم، توضع المراحل التالية في الحسبان عند كتابة سياسة العمل عن بُعد ومشاركتها من أجل تحقيق الاستفادة المثلى منها نسردها بالتفصيل.

1. وضع جداول العمل الرسمية

ينبغي ذكر الساعات التي يتعين على الموظفين التواجد فيها عبر الهاتف أو البريد الإلكتروني أو برامج المراسلة، وتحديد الوقت الذي يجب أن يبدأ فيه الموظفون العمل وينتهون العمل كل يوم، وتستخدم الشركات وسائل شتى لذلك، من المتابعة اليدوية إلى رسائل البريد إلى تطبيقات المكاتب الافتراضية التي يسجل العاملون الدخول إليها عند بدء العمل ويسجلون الخروج عند الانتهاء منه، وصولًا إلى أدوات تستخدمها الشركات الكبرى مثل Avaya و Cisco.

2. تقييم كفاءة العمل عن بعد

حدد كيفية تقييم جودة عمل الموظف عن بُعد وما هي عمليات المراجعة التي سيتم تنفيذها للتأكد من أن الجميع لا يزال يبذل قصارى جهده، واطلب من رؤساء الأقسام تزويدك بتعليقات حول مسودة سياسة العمل عن بعد لأنك قد تفوتك الفروق الدقيقة في بعض المناصب التي تحتاج إلى تغطيتها.

3. إجراء مراجعات منتظمة للسياسة

راجع سياسة العمل عن بعد كل ثلاثة أشهر أو عند وقوع أحداث كبيرة داخل مؤسستك أو خارجها للتأكد من أنها لا تزال ذات صلة. ويمكنك الاستفادة في هذا الصدد من دليل العمل عن بعد لشركة حسوب، وكذلك دليل حسوب للموظفين.

إنشاء قاعدة معرفية داخلية

يعد برنامج إدارة المعرفة الداخلية عاملًا آخر يجب عليك مراعاته عند نقل مكتبك التقليدي إلى نظام العمل عن بعد، وسيكون هذا بمثابة مركز التعليمات بين العاملين في الفريق، ويجب أن تكون قاعدة المعرفة تلك جيدة التوثيق وقابلة للبحث فيها بالكلمات المفتاحية، وإلا فسيلجأ الموظفون إلى الدوران حولها وسؤال زملائهم الأقدم منهم أو مدراؤهم، إما مباشرة أو من خلال وسائل الاتصال والمحادثة الأخرى، وذلك في أحسن الحالات، أو يتوقفون لا يدرون كيف ينفذون المهمة التي بين أيديهم، مما يزيد وقت التشغيل لتلك المهمة.

وأما إن كان لدى الشركة قاعدة معرفية مسبقًا، فتضاف اللوائح والإرشادات الجديدة الخاصة بالعمل عن بعد فقط.

إنشاء مقاييس للأداء

كما أن الشركة في الوضع العادي لها لديها مؤشرات للأداء مثل الالتزام بالمواعيد وجودة الأعمال المسلمة ورضا العملاء وحجم المبيعات وغيرها، فيجب اعتماد تلك المقاييس في العمل عن بعد، مع الحرص على استخراج بيانات العمل قدر الإمكان لتحديد إنتاج الموظف وكفاءته في أداء مهامه من جهة لإدارة شؤونه الوظيفية من حوافز وجزاءات وإجازات وغيرها، وكفاءته في التواصل مع زملائه وفهمه لتفاصيل العمل وإدارته للمشاكل التي تواجهه أو تواجه فريقه، من أجل تقييم فرص ترقيته من جهة أخرى.

وتزيد أهمية مقاييس الأداء هنا في العمل البعيد بما أن كثيرًا من جوانب التواصل المرئي وتحليل أداء الموظفين بمجرد المراقبة قد تعذر بسبب عمل الموظف عن بعد، فقد كانت تتحكم عوامل الحكم البدهي من قِبل المديرين والمسؤولين عن التوظيف في جزء كبير من ترقية الموظف أو مكافأة أو توقيع الجزاء عليه، بمجرد مراقبة سلوكه في المواقف العارضة والاجتماعات ومعاملته لأفراد الشركة وعملائها وغيرهم.

أما في العمل البعيد فلا يرى المدير إلا أداء الموظف في مهامه فقط، وقد يقال أن هذا يكفي للحكم على عمله، وهذا صحيح إن كانت الترقية لوظيفة فنية أخرى فيمكن إهمال الجوانب الشخصية حينها إلى حد ما، أما إن كانت الترقية لإدارة مشروع أو فريق فمن السذاجة إغفال سلوك الموظف هنا وأسلوب تفكيره وقناعاته الشخصية وتغير مزاجه في المشاكل الطارئة.

تحديد الغرض من الفريق البعيد

يقترب التأسيس الناجح للعمل عن بعد من الهندسة والفن على حد سواء، شأنه في ذلك كأي نمط أو نهج للعمل، لذا ستحتاج إلى تهيئة الظروف المناسبة وتنفيذ أفضل الممارسات لضمان أن يكون فريقك البعيد منتجًا وفعالًا وناجحًا.

يجيب ذلك الغرض على “سبب” إنشاء الفريق من الأساس، فيرسم المسار الذي يجب أن يكون عليه الفريق في هيكلته وأدوات عمله وغير هذا، ونعده ضروريًا قبل بناء فريقك البعيد لأنه سيرشدك في المرحلة التي تسبق التشغيل، فتعرف من تريد توظيفه وما الذي تبحث عنه في المرشحين.

اختيار مدير الفريق

أما توظيف مدير الفريق فيختلف ميقاته وفقًا لحالة الفريق نفسه والمشروع الذي يعمل عليه، فالمشاريع ذات المتطلبات الدقيقة والمتغيرة تحتاج إلى توظيف مدير الفريق أولًا، ويكون أدرى الناس بالغاية من ذلك المشروع وإن لم يكن أتقنهم لأدوات تنفيذه، ثم يُختار أعضاء الفريق بعد ذلك، وتُعطى صلاحية ذلك للمدير نفسه إن أمكن.

أما في حالة الفرق ذات المهام الروتينية أو المتكررة أو التي عُرفت أبعادها فلا بأس من اختيار أعضاء الفريق قبل مدير المشروع، بل قد يعمل الفريق دون مدير فترة من الزمن لتوفر دليل العمل للمهام التي يعملون عليها في الغالب.

وضع أطر العمل

ثم نأتي بعدها لإعداد أطر العمل المناسبة، وتبرز أهميتها عند العمل مع فرق افتراضية يكون فيها موظفين ذوي ثقافات مختلفة ومن مناطق زمنية متباينة، حيث تعمل هذه الأطر على تناغم سير العمل وتحديد المسؤوليات، فيجب إنشاء مخطط تنظيمي لذلك الإطار وفق الإرشادات التي نوردها في هذا المقال والتي سنوضحها في الفصول التالية.

مخططات سير العمل Workflow Charts

يكون لكل مشروع أو مهمة مخطط لسير العمل يختص به، ويكون الغرض منه ضمان كفاءة تنفيذ العمل، فعلى سبيل المثال، يمكن أن يبدو سير العمل لمشروع محاسبة كما يلي:

وهكذا تختلف مخططات سير العمل باختلاف المشاريع والمهام، ومن المهم كتابة تلك المخططات في بداية كل عمل سواء كان عن بعد أم من الشركة، ووضعه في دليل عمل للموظفين، غير أنه في حالة العمل عن بعد يكون آكَد وأوجَب لأن الموظف -خاصة الجديد- يحتاج إلى دعم أسرع في البداية، فيمثل مخطط سير العمل طريقًا مختصرًا لتنفيذ المهام دون تخبط أو مشاكل في التواصل.

توظيف المواهب المناسبة

تولي الشركات عناية كبيرة باختيار الموظفين لديها، فلا حاجة هنا إلى إسهاب في الشرح حول هذا الأمر، فأقسام الموارد البشرية تتولاه بكفاءة، لكن ربما يجب أن نشير إلى أن المهارات المطلوبة في العاملين عن بعد هي التي تنشئ برامج تأهيلية ليتعلمها الموظفون الحاليون لديك.

فيفضَّل توجيه أسئلة المقابلات لدراسة نفسية الموظف من تلك الجوانب، فيُسأل مثلًا عن سلوكه عند مواجهة مهمة صعبة أو عند تعذر الدعم المناسب، أو عند رغبته في اقتراح فكرة جديدة على باقي فريقه عن بعد، وهواياته التي يقضي فيها وقته لترى مدى جديته في العمل وانضباطه، ومدى حاجته إلى التوجيه أو المتابعة في فترة عمله الأولى على الأقل، ومدى صبره على العمل بمفرده ونمط شخصيته فهنالك شخصيات إجتماعية بنسبة كبيرة قد لا تحتمل العمل خلف الحاسوب دون وجود زملاء حولها.

ويمكن سبر نفسية المرشح للعمل عن بعد بأسئلة على النحو التالي:

  • كيف تتصرف في حال انقطاع وسائل التواصل أو الطاقة عن حاسوب العمل؟ لقياس حسن تصرف الموظف بالإبلاغ عن المشاكل التي قد لا تراها الشركة من طرفها إلا في وقت متأخر.
  • كيف تقضي وقت فراغك خارج نطاق العمل؟ لقياس تأثير العمل عليه ومدى تحمله لإجهاده، وطبيعة شخصيته من حيث الانطوائية أو الانبساطية في سلوكه خارج نطاق العمل.
  • ما المكان الذي تفضل العمل فيه في المنزل أو مساحة العمل؟ لقياس قدرته على العمل في بيئة هادئة أو تحتوي على مشتتات من حوله، وتحديد مواضع الخلل إن طرأت لاحقًا أثناء العمل.

وغيرها من الأسئلة التي تخبر الشركة بسلوك الموظف أثناء مواجهة المشاكل أو المهام المملة أو العمل مع فريق من عدمه وفقًا لحاجة المهمة أو المشروع الذي سيعمل عليه، فقد تتطلب بعض المشاريع أن يستطيع الموظف العمل ضمن فريق مفرط النشاط، وربما لا يهم ذلك لأن المشروع الذي سيعمل عليه يتطلب الكثير من البحث والتركيز أو ليس فيه أفراد إلا قليلًا.

تعزيز التواصل بين الموظفين العاملين عن بعد

لا شك أن طباع الناس تختلف في تفضيلات بيئة العمل، فبعضهم لا يريد أن يسمع همسًا أثناء تركيزه على ما بيده، وغيرهم لا يستطيعون العمل إلا وسط جماعات أو في بيئة تفاعلية.

ولعل تلك المشكلة لم تكن تظهر كثيرًا بين العاملين عن بعد قبل انتشار العمل عن بعد نفسه، ربما لأنه يكثر في الأوساط التقنية والبرمجية التي يفضل العاملون فيها بيئات العمل الهادئة، وقد وجدوا في العمل عن بعد بيئة مثالية للتفكير العميق في المهام التي بين أيديهم، فلما أن جاء الحظر إبان جائحة كورونا وفُرض العمل عن بعد على أكثر المؤسسات وجد بعض العاملين أنفسهم في بيئة غريبة عليهم، وصعُب عليهم التعامل معها في البداية وتسيير يومهم تسييرًا طبيعيًا في البداية.

وتزيد حساسية العاملين عن بعد لمشاكل التواصل عن زملائهم من العاملين في المكتب، فقد يخشى الموظف من التجاهل إذا تُرك طلبه دون رد مدة يسيرة لم يكن ليلقي لها بالًا إذا كان يعمل من المكتب، فيسارع إلى محاولة التواصل مع نفس الجهة أو غيرها من خلال عدة وسائل تواصل، خاصة إذا كانت المسألة طارئة ولا تحتمل تأخيرًا.

وعلى ذلك ينبغي التفكير في قواعد محددة للتواصل بين العاملين عن بعد وبقية الشركة من الموظفين والإدارة، ويكون ذلك أسهل إذا كان الفريق كله يعمل عن بعد، وقد ذكرنا ذلك في المقال السابق، في شأن تخصيص قنوات التواصل لتكون كل منها لغرض معين، وهذا النظام مفيد للمؤسسة إذ يقلل الوقت الضائع في دوران الموظفين في حلقات تواصل مفرغة لحل مشاكل كان يمكن حلها بسهولة أو تجنب تكرار حدوثها إذا استُخدمت أدوات مناسبة، خاصة قنوات التواصل النصية إذ تسهّل استخراج حلول المشاكل المكررة ووضعها في توثيق أو قاعدة بيانات يبحث فيها الموظف عند مواجهته لمشكلة ما.

كذلك يجب وضع قواعد واضحة لتدريب الموظفين الجدد وتعريفهم بثقافة الشركة والموظفين العاملين بها، بداية من نطاق عمل الشركة وتاريخها إلى كيفية التواصل بين العاملين بعضهم بعضًا والألفاظ التي تُعد غير لائقة مثلًا، ويزيد أثر هذا في البيئات ذات الالتزام الديني أو العرفي مثل دولنا العربية أو الإسلامية، فرغم أن الشركات الأجنبية تسن قواعد للتعامل بين الموظفين لتجنب المشاكل الناتجة عن العنصرية أو الكلمات غير اللائقة، إلا أن قوانينها في المجمل أكثر تساهلًا من التي تصلح للعمل في بيئاتنا، وقد رأيت أثناء عملي في بعض الشركات الأجنبية تفريطًا وتساهلًا كثيرًا في شأن هذه القواعد أو في تطبيقها، أدى إلى عواقب وخيمة على من تساهل في شأنها وصلت إلى الفصل من العمل، مما يدعو إلى الوقاية الاستباقية لهذا بتوضيح تلك القواعد للعاملين الجدد توضيحًا بيّنًا، وتطبيقها بصرامة على من يخالفها.

ذلك أني رأيت أكثر المتضررين من مخالفة تلك القوانين يكن من النساء في الغالب، إما لحياء المرأة عن طلب حقها أو لعجزها إثبات حالتها في حال التعرض لها، وقد سبق أن وضحنا كيف يتعامل المرء مع مثل تلك المضايقات في كتاب دليل المستقل والعامل عن بعد، غير أن هذا كان مع العملاء في المشاريع المستقلة، حيث يتحكم العامل المستقل في قوانينه بشكل كبير، أما هنا فيختلف الوضع إذ يدخل فيه عوامل أخرى مثل قوانين العمل في الشركة والدولة العاملة فيها أو التابعة لها، وسيأتي بيان مثل تلك القواعد في فصول تالية.

الخصوصية وحماية أمن البيانات

تمثل معالجة الانتهاكات الأمنية تحديًا خاصًا عندما ترتبط بموقع عمل بعيد، إذ يستطيع طرف ثالث -الأزواج مثلًا والأطفال والزائرين، والمارين أمام معدات العمل- أن يصل إلى أنظمة الحاسوب والوثائق الورقية واستخدام مزود خدمة الإنترنت الخارجي للوصول إلى بيانات الشركة أو العميل ونقلها، فيجب عليك التشاور مع فرق تقنية المعلومات الخاصة بك حول إمكانية ضمان تأمين مواقع العمل عن بُعد بجدران الحماية المناسبة وغيرها من التدابير الأمنية، مثل الشبكات الخاصة VPNs وأدوات مراقبة الحواسيب عن بعد إن كان الحاسوب يتبع الشركة، وهو الخيار الذي يجدر بالشركة اللجوء إليه في حالة مخاوف سرقة البيانات أو وقوعها في أيدي غير أمينة، وكذلك إعداد تدريبات ووسائل تعليمية تشرح كيفية تجنب الوقوع في تلك المشاكل الأمنية، وحظر تثبيت برامج من مصادر غير معروفة أو غير متفق عليها داخل الشركة على حواسيبها، وهكذا.

وتختلف الشركات في أساليب تأمينها لتلك البيانات، خاصة مع زيادة عدد الموظفين فيها وصعوبة التحكم في سلوكياتهم، فتلجأ ابتداءً إلى إحكام سيطرتها على معدات العمل، فتوفر حواسيب خاصة بالعمل، وشبكات VPN خاصة بها، وتجهز الحواسيب بحيث تكون مراقبة من طرف الشركة، وبحيث يُمنع إمكانية التعديل على مكوناتها البرمجية أو عتادها إلا بموافقة الشركة ومن خلال الفرق المختصة بذلك.

ويكون دافع هذا أحيانًا إما رغبة الشركة في الحفاظ على سرية البيانات الخاصة بها، أو بسبب القوانين المفروضة عليها من الدول العاملة فيها، فالدول الواقعة في الاتحاد الأوروبي مثلًا تفرض قوانين مشددة على التعامل مع بيانات العملاء، وعلى ذلك تتبع الشركات التي تتعامل مع تلك البيانات أساليب صارمة في هذا، فلا يُسمح بالدخول إلى مكاتب العمل إلا الأفراد المصرح لهم فقط، وبعد التأكد من عدم حمل أية أوراق وأقلام أو هواتف داخل مكتب العمل لمنع تسجيل بيانات العملاء على وسائل خارجية.

وكذلك التحكم في حواسيب العمل وبرامجه نفسها، فلا يُسمح باستخدام برمجيات إلا التي تصرح بها الشركة وتعتمدها، ويُعطى العاملون عن بعد في تلك الشركات توجيهات أمنية في شأن ترك الحواسيب مفتوحة دون رقابة عليها، أو في شأن من يرى شاشة العمل الخاصة بالموظف، فيُنصح العاملون بجعل ظهورهم إلى حائط إن كانوا يعملون في مساحات مفتوحة أو مساحات عمل مشتركة، أو في مكاتب خاصة في منازلهم مثلًا.

وفيما يلي بعض الأمثلة للاحتياطات الأمنية التي يجب النظر فيها عند الانتقال إلى بيئة عمل بعيدة، وإن كان يجب تطبيقها عند الحاجة إليها حتى في المقرات العادية للشركة.

العتاد

توفر كثير من الشركات العاملة عن بعد عتاد العمل للموظفين، إما بإرسال العتاد نفسه أو تغطية نفقات شرائه، أو على الأقل نفقات إصلاحه وتحديثه كل عام، فقد تعطي الشركة للموظف حاسوبًا للعمل عليه، وربما هواتف أو أجهزة لوحية أو غيرها من المعدات الإلكترونية إن كانت تعمل على تطوير برمجيات لتلك الأجهزة وتريد اختبارها مثلًا، وهنا قد تسمح الشركة للموظف باستخدام تلك الأجهزة لأغراضه الشخصية أو لا، ويختلف هذا بحسب كل شركة وبحسب طبيعة البيانات التي تتعامل معها الشركة كما ذكرنا من قبل.

فمن ناحية أخرى، قد توفر الشركة عتاد العمل ولكن بشرط ألا يغير الموظف فيه قطعًا من تلقاء نفسه، أو لا يغير نظام التشغيل مثلًا، أو لا يثبت برمجيات غير برامج العمل أو البرامج المتفق عليها داخل الشركة، بل قد تمنعه الشركة من نسخ ملفات إلى خارج حاسوب العمل، أو إدخال ملفات إليه، وقد يكون للشركة مستودع آمن للبرامج التي تحتاج إليها أقسامها، يصل إليها الموظفون ويثبتوا البرامج التي يحتاجون إليها، أو قد تخصص الشركة فرقًا تقنية مختصة بتلك العملية تتولى تلك المهام كلها.

وهنا قد تحدث مشكلة للشركات التي ترسل عتادها إلى الموظفين عن بعد، إذ قد يصل إلى الموظف قطعًا مكررة أو تالفة أو ناقصة، ثم يستغرق تصحيح ذلك الخطأ أيامًا أو حتى أسابيع، وتكاليف إضافية للشحن من أجل حل مشكلة بسيطة كهذه.

ونحن نذكر هنا حل هذه المشكلة لأني رأيتها تحدث في شركة كبيرة تقنية يصعب أن يُتصور معها ذلك الخطأ التافه، وهو أن يُجهز خط تجميع صغير لإرسال ذلك العتاد -خاصة إن كان يتكون من أكثر من قطعة لكل موظف-، ويُعطى رمزًا أو رقم تعقب لكل قطعة مع اختبار كفاءة عملها، ويُسجل نجاح عملها من عدمه مع رمزها، ويوضع كل صنف من القطع في أرفف أو صناديق مرتبة ترتيبًا متتابعًا حول صف في المنتصف -ولو حتى على طاولة أو أكثر تُصف مع بعضها-، ثم تؤخذ القطع من صناديقها أو أرففها إلى طاولة التجميع، وتُسجل أكواد القطع المرسلة إلى الموظف في حزمة واحدة.

فهكذا نتجنب إرسال لوحتي مفاتيح مثلًا إلى الموظف دون الفأرة، أو إرسال أسلاك ومقابس غير متوافقة، وهكذا، ويُفضل في هذا إرسال حواسيب محمولة أو التي تكون أجزاؤها مجتمعة في الشاشة All-In-One لتجنب هذه المشكلة من الأساس، مع اختبارها قطعًا.

البرمجيات

لعل هذه النقطة أسهل في بيانها بما أن الشركات معتادة عليها، فهي تدفع اشتراكات البرمجيات المطلوبة أو أثمانها للموظفين على أي حال، غير أننا نشير إلى جزء آخر هنا، وهو المتعلق بأمان البرمجيات.

فإذا كانت الشركة تستخدم شبكات خاصة VPN، فيمكن أن تربطها بتطبيقات استيثاق ثنائي مثل تطبيق Authenticator من مايكروسوفت، بحيث لا يستطيع الموظف الدخول إلى الحاسوب أو إلى الشبكة الخاصة أو تطبيقات الشركة دون كتابة الرمز الظاهر على شاشة الحاسوب في التطبيق، وذلك لضمان التحقق من أن الموظف المصرّح له فقط هو الذي يستخدم عتاد العمل.

كذلك قد تحتاج الشركة في الحالات التي يعمل فيها الموظف على بيانات حساسة أن تستخدم برمجيات لمراقبة حاسوب العمل، مثل SecureDesk و InterGuard و Hubstaff، التي تراقب عمل الموظف على الحاسوب وتسجل نقرات لوحة المفاتيح، ويكون في بعضها خاصية التقاط صورة من كاميرا الحاسوب في أوقات عشوائية للتأكد من عدم تواجد شخص غير مصرح له أمام الحاسوب، وهكذا.

على أن هذه النقطة شائكة جدًا بالنسبة للموظفين، فإننا نرى المبرر الوحيد للجوء إليها هو التعامل مع بيانات حساسة لا يجوز لغير الموظف الاطلاع عليها، لما فيها من مراقبة زائدة قد تتجاوز كثيرًا المراقبة الحقيقية في المكتب، وأما في غير تلك الحالة، فإن الثقة أفضل في التعامل بين أفراد الشركة، وقد بيّن عالم الاقتصاد الأمريكي فرانسيس فوكوياما أثر الثقة في تحقيق الرخاء والرفاهية في كتاب “الثقة: الفضائل الاجتماعية وتحقيق الرخاء Trust: The Social Virtues and The Creation of Prosperity”.

وتستخدم الفرق العاملة عن بعد مزيجًا منظمًا من الحزم البرمجية في تواصلها أثناء العمل، وإدارتها للمشاريع التي تعمل عليها، ويختلف المقدار المطلوب للتشغيل من شركة لأخرى وفق احتياجات الشركة ومجال عملها، وعدد أفرادها كذلك، ولكنها تشترك جميعًا في حزم أساسية لا غنى عنها ولا غنى لصاحب الشركة عن معرفتها نسردها فيما يأتي.

برامج إدارة المشاريع والمكاتب الافتراضية

تتبع الشركات العاملة عن بعد نهجين أساسيين في البرامج التي تعتمدها لإدارة مشاريعها، ويختلف سلوك الشركة وفقًا للنهج الذي تتبعه.

فالنوع الأول يحاول قدر الإمكان نقل المحتوى الحقيقي لمقر الشركة بسلوكياته ولوائحه إلى البيئة الافتراضية، ولا بأس بنقل الملفات والأرشيفات ومواد العمل وملفاته والمواد التدريبية من كتب ودورات إلى بيئة افتراضية يسهل الوصول إليها لمن له حق الوصول، بل هذا من ضروريات الانتقال إلى العمل عن بعد.

لكنها تجمع إلى هذا نفس السلوك الإداري الذي كانت تتبعه في العمل من المكتب، فتظل الاجتماعات في نفس مواعيدها ولكن عبر تطبيقات الاجتماع الافتراضي عن بعد وكذلك مواعيد الحضور والانصراف والتحركات الدقيقة لكل موظف أثناء اليوم، والاستجابات الفورية لرسائل العمل.

أما النوع الثاني من الشركات فيسلك نهجًا مختلفًا يوظف فيه خصائص العمل البعيد في معالجة بعض أوجه القصور في العمل المكتبي، ذلك أن بُعد العاملين عن بعضهم يؤثر تأثيرًا مباشرًا على العلاقة بينهم كأشخاص، وعلى أداء العمل نفسه إن لم تحكمه قواعد سليمة، غير أنه من ناحية أخرى أتى بفائدة عظيمة يعاني منها الموظفون في المكاتب، وهي الحاجة إلى التركيز التام دون ملهيات أو مشتتات، وهذا يندر حدوثه لأغلب الموظفين إلا من له مكتب خاص به داخل الشركة، وحتى هذا لا يسلم من طارق يطرق عليه أو اتصال يأتيه.

فيلجأ بعض الموظفين إلى البقاء بعد مواعيد العمل ليلًا أو الذهاب إلى مقر الشركة مبكرًا عند الحاجة إلى إنجاز مهام كبيرة أو مشاريع مهمة، وأكاد أجزم أن كل من عمل في شركة من مقرها قد لجأ إلى هذا بغض النظر عن مجال عمله، وقد فعلت هذا بنفسي كثيرًا لتأثري بالمشتتات من حولي ثم المعاناة لاستجماع انتباهي وتركيزي على ما كنت أعمل عليه.

أما في حالة العمل عن بعد، فإن الموظف يستطيع الخلوة بنفسه وإنهاء المهام التي بين يديه دون إزعاج من أحد، فلا أحد يدخل عليه في بيته إلا بإذنه، ويستطيع إخبارهم أنه لا يريد مداخلات في وقت كذا وكذا، ويكون أفضل من هذا إذا كان يتخذ مكانًا مستقلًا له يعمل منه كغرفة مستقلة في البيت أو مكتبًا خاصًا به، ففي تلك الحالات لا يضطر إلى القدوم مبكرًا أو المكث ليلًا إذا أراد وقتًا يركز فيه على العمل.

وقد عالجت الشركات التي اتبعت النهج الثاني هذه المشكلة باستغلال خصائص العمل البعيد، فقللت من وقت الاجتماعات وجعلتها للضرورة فقط، وتبنت التواصل غير المتزامن Asynchronous -والذي سنشرحه بتفصيل لاحقًا في الكتاب إن شاء الله- مع الحفاظ على ساعات عمل متراكبة بين العاملين في الفريق الواحد على الأقل، وبين العاملين في الشركة إن تيسر، بحيث تسمح تلك الساعات المتراكبة أن يتلاقى الزملاء ويجتمعون ويتناقشون في العمل والمهام التي بينهم، وكذلك تسمح بالنقاش خارج نطاق العمل إن أرادوا، فهي لا تؤثر على سير العمل بحيث يشعر العاملون أنهم يعملون وحدهم في عزلة، مع ضمان إنجاز المهام على أكفأ وجه ممكن بسبب فرصة العمل الهادئة التي يحظى بها كل موظف.

أما الأمثلة على برامج إدارة المشاريع تلك والمكاتب الافتراضية فهي ما يلي:

  • تطبيق “أنا” من شركة حسوب.
  • سلاك Slack
  • تطبيق Basecamp من شركة 37Signals
  • أسانا Asana
  • تريلو Trello

وغيرها من البرامج واﻷدوات التي تُستخدم وحدها أو تُستخدم بعضها معًا بحيث يكون لكل منها وظيفة محددة أو أكثر.

برامج التواصل المرئي والاجتماعات

يفضَّل نقل كل ما لا يمكن شرحه في أقل من ثلاثة أسطر إلى اجتماع صوتي أو مرئي بحسب الحاجة، على أن الاجتماعات الصوتية تكون أفضل في حالات العصف الذهني لأن أعضاء الاجتماع يركزون على الأفكار المطروحة فقط دون إضافة عوامل أخرى مثل التواصل البصري ولغة الجسد وغيرها، وفيما يلي أمثلة على برامج التواصل والاجتماعات التي تستخدمها أغلب الشركات الآن:

  • برنامج زوم Zoom
  • Microsoft Teams
  • Google Meets

وتُستخدم البرامج أعلاه في الغالب في حالة الشركات التي تتعاقد مع الشركة المقدمة للتطبيق، من أجل الحصول على المزايا الإضافية التي تحصل عليها الشركات، مثل السبورة البيضاء للشرح ومساحات التخزين الكبيرة والأعداد الكبيرة لأعضاء الاجتماع.

لكن مما رأيناه فإن كثيرًا من الشركات التي لا يتجاوز عدد موظفيها خمسين إلى مئة موظف تكتفي بوسائل اتصال أخف مثل تليجرام أو واتس اب مثلًا، وقد تحدثت إلى العديد من العاملين عن بعد في شركات -أغلبها برمجية- وأخبروني أنهم يستخدمون تليجرام للتواصل في رسائل العمل، وكذلك لاجتماعاتهم الصوتية أيضًا.

فالأمر فيه مرونة وفق احتياج الشركة وتعود موظفيها على ما يحقق لهم النتائج المطلوبة من التواصل، فالشركات الكبيرة التي توقع عقودًا لاستخدام زوم أو تيمز Teams تريد بعض المزايا الإضافية من وراء ذلك كما ذكرنا، والتي قد لا تحتاج إليها الشركات الأصغر أو لا تهتم لها.

خدمات التخزين والحوسبة السحابية

تقدم شركات مثل أمازون ومايكروسوفت خدمات حوسبة سحابية للشركات والمؤسسات، خاصة الصغيرة منها، لتحمل عنها مهام إدارة الخوادم وقواعد البيانات والوصول لعملاء في دول بعيدة ومساحات التخزين وخدمات التحليل ونشر التطبيقات وأدوات التطوير والإدارة وغيرها، وهي خدمتي AWS و Microsoft Azure على التوالي.

وقد سهلت تلك الخدمات على الشركات أن تعمل عن بعد بأريحية لأنها لم تعد مضطرة إلى إنشاء مقرات مركزية تجمع العاملين وقواعد البيانات معًا، إضافة إلى تجهيزات الأمان والحماية الخاصة بملفات الشركة وأرشيفاتها وبياناتها، حيث كان من الصعب قبل تلك الخدمات أن يستطيع العامل الوصول إلى ملفات كبيرة الحجم أو حساسة إلا بالذهاب شخصيًا إلى مقر العمل وتقديم ما يثبت أهليته للاطلاع على تلك المواد، وكذلك لم يكن ممكنًا أن يعمل فريق على مشروع كبير الحجم -وإن كان تقنيًا- إلا بالتواجد في مقر الشركة لأن ملفات المشروع والحواسيب اللازمة للتعامل معه تكون غالية الثمن في العادة ولا يمكن الوصول إليها إلا محليًا.

أما بعد أن نقلت الشركات خدماتها وملفاتها إلى خدمات الحوسبة السحابية تلك، يستطيع العاملون أن يصلوا إلى ملفات المشروع الذي يعملون عليه، ويديروا المهام التي يجب تنفيذها في كل مرحلة منه، ويعدلوا على أجزائه ويعتمدوا تلك التعديلات، كل ذلك وأكثر منه عن بعد!

صلاحيات الوصول

تخصص الشركة حواسيب للعاملين فيها، أو تشترط عليهم تخصيص حواسيب خاصة بهم، أو حتى ترسل إليهم أصابع عليها نظم تشغيل تُدخلهم إلى خوادم عليها أنظمة وهمية Virtual Machines للعمل عليها في بيئة الشركة الآمنة، أو غير ذلك من الأساليب التي تضمن الشركة بها أمان نظام التشغيل كما ذكرنا في النقطة السابقة.

ثم يأتي بعدها عناوين البريد وعناوين IP التي يجب أن يستخدمها العاملون في الشركة، فتخصص الشركة نطاقات domains خاصة بها موسومة باسم الشركة مثل [email protected] غير خدمات البريد المعتادة التي تكون فيها أسماء تلك الشركات مثل [email protected]، ولا تُستخدم في المراسلات الشخصية أو المراسلات إلى جهات اتصال خارج العمل.

ويُحدد صلاحيات وصول للعاملين على حواسيب العمل أو ملفات الشركة، فلا يُعطى أحد الموظفين صلاحية لا يحتاج إليها بداعي الثقة، فإن كان الموظف نفسه لا غبار عليه، إلا أنه معرض للاختراق أو الإهمال أو غيرها من العوارض التي تضع البيانات التي يصل إليها في خطر، لذا يجب تضييق أمر صلاحيات الوصول إلى حدود آمنة، فيُطبَّق هنا مبدأ “المعرفة على قدر الحاجة”، مع استبدال صلاحية الوصول بالمعرفة.

وماذا عن مستندات الشركة الداخلية أو التي ينشئها الموظفون؟ توجد خيارات تخصص مستوى الأمان الخاص بالمستند داخل طقم برامج المكتب، كما في قائمة Protect في برنامج MS Word، التي تحدد صلاحيات الوصول للمستند، إضافة إلى مستويات الأمان التي تحددها لشركتك، والتي ينبغي أن يستخدمها الموظفون في كل مستند ينشئونه، مع وضع ذلك كخيار افتراضي داخل البرامج المستخدمة

الوعي الرقمي

قد لا يكون مجال الشركة تقنيًا بالضرورة بحيث يكون أفرادها على علم بالهجمات الرقمية والاختراقات الأمنية واستخدام الهندسة الاجتماعية فيها، بل ثَم كثير من العاملين في التقنية ينقصهم وعي كافي في هذه الأمور، فيفضَّل هنا تنظيم توعيات دورية للعاملين في الشركة بالمخاطر الرقمية وحدود العالم الافتراضي وما يجب اتباعه فيه، واستخدام المواد المناسبة للتوعية سواء كانت مرئية أو غيرها.

وقد أصدرت حسوب كتاب دليل الأمان الرقمي في 2021، وهو موجه إلى عموم من يستخدم الحواسيب والأجهزة الذكية، ويهدف إلى توعيتهم بالمسائل المتعلقة بالأمن الرقمي، إضافة إلى مواد متقدمة مفيدة حتى للمتخصصين في المجال، ومن الجيد ترشيح مثل هذه المواد للموظفين لقراءتها ضمن برامج التطوير والتدريب.

الشروط القانونية للعمل عن بعد

وضعت الكثير من الدول تشريعات جديدة خاصة بالعمل عن بعد والعمل عبر الدول Multi-State Remote Work لحماية مواطنيها العاملين في شركات أجنبية أو حتى العاملين في شركات محلية لكنها تعمل عن بعد، ويجب قراءة تلك التشريعات بعناية شديدة للدولة التي توظف منها لتوافق العقود مع الموظفين تلك القوانين واللوائح، ويمكن الاطلاع على نسخة شبه كاملة منها في تقرير التشريعات الجديدة للعمل عن بعد من وكالة Lockton، أو من جمعية إدارة الموارد البشرية في الولايات المتحدة SHRM.

تدور تشريعات الدول في العمل عن بعد حول حق الموظفين عن بعد في بدلات لصيانة المعدات التقنية ونفقات الاتصال بالإنترنت، والحد الأدنى للأجور، والاشتراكات الشهرية التي يحصل عليها زملاؤهم من العاملين في مقرات الشركة، وكيفية التصرف في حالة فصل الموظفين أو توقيع الجزاءات عليهم إن كانوا يخضعون لدول مختلفة، وقد لا تختلف تلك التشريعات كثيرًا في حالة الشركات التي تعمل عبر عدة دول منذ بدايتها، لكنها ستكون دليلًا خصبًا للشركات القادمة إلى نمط العمل عن بعد حديثًا ولم تعتده من قبل.

فمثلًا، تدفع الغالبية العظمى من العاملين عن بُعد مقابل اتصالها بالإنترنت، ويدفع معظم أصحاب العمل مقابل البرامج والأدوات السحابية المستخدمة، ولكن في حالة تزويد الشركة للعاملين بمعدات العمل، إما لطبيعة عمل الشركة أو امتثالًا لقوانين العمل عن بعد في دولة الموظف أو لغيرها من الأسباب، فيجب تفصيل بنود الميزانية المخصصة للفرق البعيدة.

وذلك قد لا يكون فيه اختلاف كبير عن البنود المخصصة للفرق العاملة من المكتب في شأن معدات العمل، فستدفع الشركة لا محالة تكاليف تلك المعدات إن كانت ستوفرها، أو على الأقل تدفع بدلًا لصيانة وتحديث المعدات إن كان الموظف يستخدم أجهزته الخاصة، إضافة إلى قيمة الاتصال بالإنترنت.

وكذلك في شأن بعض البنود المادية الأخرى مثل اشتراكات الدورات التعليمية أو صالات الرياضة أو مساحات العمل وغيرها، فالموظف البعيد يشترك في هذا مع زميله العامل من المكتب، باستثناء قيمة مساحات ركن السيارات مثلًا، بل يفضُل التوظيف عن بعد هنا في أنه يوفر بعض التكاليف التي تُدفع للموظفين من المكتب، عدا بعض التكاليف الهامشية مثل إرسال الهدايا إلى الموظفين عن بعد عند إعطاء مثيلها للموظفين في المكتب، فستزيد هنا تكلفة الشحن فقط إلى الموظفين عن بعد.

اترك تعليقاً