يشعر صاحب العمل بعدم وجود ضرورة لبذل جهد إضافي لإقناع العملاء بالشراء من منتجاته إذا كان لا يوجد له منافسون في السوق وكان الشخص الوحيد الذي يقدم هذه السلعة في هذا المكان، بل ويزداد هذا الإحساس بشكل أكبر إذا كانت هذه السلعة ضروريّة للعملاء ولا يمكن الاستغناء عنها، ولكن عندما يكون لهذا التاجر عدّة منافسين وجهات أخرى تقدّم نفس المنتج يشعر التاجر بضرورة بذل جهد إضافي لإقناع الناس للقدوم إليه والشراء منه عوضاً عن المنافسين الآخرين، وقد يتضح الأمر في المراكز التجاريّة الكبيرة التي ترى فيها مجموعةً من الباعة المتجولين الذين يحملون عينات من المنتجات لعرضها على الأفراد لمحاولة جذب هؤلاء العملاء إلى السلعة التي يروجون لها، وأخيراً فقد ظهرت مؤخراً عدّة استراتيجيّات تسويقيّة جديدة ساهمت في ازدياد استخدام الإنترنت من قِبل الأفراد مما أدّى إلى تطوّر الفكر التسويقيّ بشكل كبير واختلاف الطرق المستخدمة في التسويق، فلذلك؛ كيف تطوّر الفكر التسويقي عبر الزمن؟

كيف تطور الفكر التسويقي؟

يتسائل الكثير كيف بدأ التسويق وكيف تطوّر عبر الزمن حتى وصل إلى ما هو عليه الآن والذي أصبح من الصعب جداً أن تستطيع أيّ منشأة تجاريّة الاستمرار بعملها وتحقيق الأرباح بدونه، وفي الآتي شرح للمراحل التي مرّ بها التسويق موضحةً على النحو الآتي:

المرحلة الأولى: ولادة التسويق

وتسمى بعصر الإنتاج والتي بدأ فيها الناس بصناعة أغلب ما يتم استهلاكه من سلع، وجلب ما يزيد عن حاجاتهم إلى السوق من أجل بيعه أو مقايضته بسلعة أخرى فائضة عند منتج آخر، ولم يكن هنالك حاجة كبيرة للتسويق بسبب أنَّ كل أسرة تصنع وتنتج ما تحتاجه وما تستهلكه من السلع الضروريّة، كما أنَّه لم يكن هنالك إنتاج لسلع كماليّة أو رفاهيّة، وقد ساد بعد ذلك الإنتاج الضخم في عصر الثورة الصناعيّة خلال أوائل القرن العشرين بسبب زيادة الطلب على السلع بشكل كبير جدًا مقارنةً بالمعروض من هذه السلع وقد كان المصنعون يعتقدون أنَّ العملاء سيبحثون عن المنتجات ذات الأسعار المعقولة وشرائها، لذلك ركزوا على زيادة الإنتاج، وكان أغلب أصحاب الشركات من أصحاب تخصصات الهندسة والأشخاص ذوي الخلفيات التصنيعيّة، فلذلك تمَّ التركيز في هذه المرحلة على زيادة الإنتاج لإشباع الطلب المتزايد وسد الفجوة الكبيرة بين الطلب والعرض للسلع.

المرحلة الثانية: عصر المبيعات

ظهرت ساحة المبيعات والباعة في هذه المرحلة وكانت الفكرة الرائجة فيها أنَّ المستهلكين لن يقوموا بشراء ما يكفي من منتجات المؤسسة إلا إذا تمَّ إقناعهم من خلال الترويج لهذه السلع على نطاق واسع، بسبب نقصان الطلب بشكل كبير وتجاوز العرض الطلب، والذي أدّى إلى زيادة الخيارات للشراء للمستهلكين، وقد كان الهدف الأساسيّ للشركات امتلاك أدوات ترويجيّة كفؤة وفعّالة لتسويق منتجاتها، وبيع منتجاتها للمستهلكين بغض النظر عن احتياج المستهلكين إليها أم لا.[٣]

المرحلة الثالثة: عصر التوجه التسويقي

وهي مرحلة التسويق التي أصبحت فيها الشركات تحدد ما يريده العملاء فعلًا وتطوّر جميع الأنشطة التسويقيّة لتلبية احتياجاتهم بكفاءة بدلاً من التركيز على إقناعهم بشراء منتجات الشركة وهم بغير بحاجة إليها، وأصبح تحقيق الأهداف التنظيميّة للشركة يعتمد بشكل أساسيّ على تحديد احتياجات ورغبات الأسواق المستهدفة وتقديم الرضا المطلوب للعملاء بشكل أكثر فاعلية وكفاءة من منافسيها من الشركات الأخرى، كما فقد سادت فكرة مهمّة في هذه المرحلة وهي؛ أنَّ الرغبات التي توجه الشركة هي رغبات واحتياجات العملاء وليس رغبات الإدارة.[٣]

المرحلة الرابعة: عصر التسويق المجتمعي

وهي المرحلة التي بدأت في البروز في فترة السبعينات من القرن الحالي وما زالت آثارها واضحة كما فإنَّه يتم استخدامها أيضًا، وتعرف مرحلة التسويق المجتمعيّ بالتوجه أو التوجيه المجتمعيّ وسميت بذلك لأنَّها تهدف إلى توجيه نظر واهتمام العملاء إلى منتجات الشركة وخدماتها للشراء بسبب لعب الشركة على عامل الضمير العام والنوايا الحسنة في محاولة وضع استراتيجيّات أو تقديم خدمات أو صناعة منتجات تؤثر بشكل إيجابيّ على البيئة وعلى المستهلكين بزيادة رفاهيتهم، فبدأ هذا المفهوم بالبروز بسبب الممارسات غير الأخلاقية لبعض التجار والشركات في ستينات القرن الحالي فقد تمَّ تصنيع الكثير من السلع وتقديم الكثير من الخدمات بشكل يضر بالبيئة وبالتالي التسبب في ضرر للمجتمع ككل، وعند مواجهتم من المستهلكين بهذ المشكلات التي تم الوصول إليها استفاد البعض من هذه المحنة وحوّلها إلى منحة عبر فكرة التسويق المجتمعيّ، إلا أنَّه ينظر إليها على أنَّها مرحلة تضارب مصالح بحيث تهدف الشركة إلى تلبية رغبات العملاء وحاجاتهم في الفترة القصيرة الحاليّة وكذلك تحقيق الرفاهية المجتمعيّة وإنتاج ما يفيد المجتمع والذي يأخذ الكثير من الوقت، كما أنَّ هؤلاء الأمرين من الصعب جداً التوفيق بينهما.[١]

المرحلة الخامسة: عصر التسويق بالعلاقات

ظهرت فكرة التسويق بالعلاقة في تسعينات القرن الحالي، وقد كان الهدف منها ليس إنشاء علاقة مع العميل فحسب، بل خلق الولاء والانتماء لدى العميل تجاه الشركة من خلال إنشاء علاقة معهه طويلة الأمد، وتعني مرحلة التسويق بالعلاقات محاولة بناء علاقة بين العميل والشركة وتقدير العميل وليس فقط الهدف تلبية رغباته عبر المنتجات المقدّمة، كما فقد تمَّ الاهتمام بشكل كبير في التوصيات والتغذية الراجعة من العملاء في هذه الفترة،

ونتيجةً لذلك فقد ظهر مفهوم إدارة علاقات العملاء Customer relationship management CRM، وكان هنالك تطوّر لدى بعض الشركات في استخدام هذا المصطلح ولم تتوقف وظيفة التسويق على بيع العميل منتجات الشركة فحسب، بل امتدت إلى خدمات ما بعد البيع.[٢]

المرحلة السادسة: عصر التسويق الرقمي

ظهر التسويق الرقميّ في نفس الفترة التي ظهرت فيها مرحلة التسويق بالعلاقة، وقد استمرّ كلاهما إلى هذا اليوم وما زالا يستخدمان كذلك، وقد تشكّلت معالم التسويق الرقميّ بسبب اعتماد المجتمع على التكنولوجيا والإنترنت بشكل يصل إلى نصف سكان العالم المتصلين بالانترنت حالياً، وقد استفادت من هذه المرحلة الشركات الصغيرة أكثر من المراحل السابقة التي كانت تفيد الشركات الكبيرة والمتوسطة، وكان ذلك بسبب محاولة المسوقين بذل قصارى جهدهم في إنشاء وتطوير الحملات التسويقيّة لشركاتهم بالطرق التقليديّة ولكن من دون زيادة تذكر في عدد العملاء؛ فقد وصلوا إلى مرحلة وصول إعلاناتهم وحملاتهم إلى معظم الفئة المستهدفة ولكنَّ هنالك العديد من الفئات المجتمعيّة التي لا تصلها هذه الحملات بسبب محددات التسويق التقليديّ فبرزت فكرة التسويق الرقميّ التي أدّت إلى إزالة هذه العوائق.[٤]

اترك تعليقاً