أدَّت التغيُّرات المُتسارِعة في العالَم في المجالات الاقتصاديّة، والسياسيّة، أو الإداريّة، والمفاهيميّة إلى ظهور قضايا جديدة ممّا أفرزته العولمة بشكلٍ يستعصي معه إيجاد الحلول، كالمشاكل الاجتماعيّة، والاقتصاديّة التي تتزايد باستمرار، بالإضافة إلى ظهور الفقر، ممّا يستدعي حلولاً أكثر فاعليّة ممّا توفِّره المركزيّة الإداريّة. وبالنظر إلى أنّ جوهر التنمية المحلّية يعتمد على الوحدات الإداريّة المختلفة، فقد ظهرت الحاجة إلى ضرورة التكامل بين المركزيّة الإداريّة، وما يًسمَّى باللامركزيّة الإداريّة؛ لتحقيق التنمية المحلّية، بحيث يتمّ إحداث تغييرات جوهريّة على المستويات الثقافيّة، والسياسيّة، والاقتصاديّة، والاجتماعيّة بشكلٍ يؤدّي إلى تحقيق الاستقرار الاجتماعيّ، والرفاهية الاقتصاديّة للجميع.[١]

ومن الجدير بالذكر أنّ اللامركزيّة الإداريّة من شأنها تحقيق مُتطلَّبات المُجتمعات، والأفراد، وهي تُعتبَر وسيلة تُعطي مساحات من الحُرّية، والمقدرة على المنافسة، والتنظيم، علماً بأنّ اهتمامات علم الإدارة بدراسة التنظيم الإداريّ كانت قد أكَّدت على أنّ للتنظيم الإداريّ صورتَين رئيسيَّتَين، هما: المركزيّة الإداريّة، واللامركزيّة الإداريّة، وفي ما يأتي تركيزٌ على اللامركزيّة الإداريّة، من حيث: مفهومها، ومزاياها، وعيوبها، ومُقوِّماتها.[١]

 

مفهوم اللامركزيّة الإداريّة

ورد تعريف اللامركزيّة في قاموس المعجم الوسيط على أنّها: توزيع الوظيفة الإداريّة بين جهاز مركزيّ، وإدارات أخرى، وهي تعني على المستوى العامّ: تحويل السُّلطة إلى الأقاليم، والولايات، وجَعْلها تَتمتَّعُ باستقْلاليَّةٍ في تَسييرِ شُؤونها الخاصَّة عكس المركزيَّة.[٢] أمّا اصطلاحاً، فقد تعدَّدت التعريفات التي تناولت مفهوم اللامركزيّة الإداريّة، وفي ما يأتي بعض هذه التعريفات:

  • عرَّفها (خاشقجي) على أنّها: “إسناد سُلطة اتِّخاذ القرارات، وإصدار الأوامر، والتعليمات، إلى بعض المرؤوسين في المُستويات الإداريّة الأدنى داخل التنظيم الإداريّ”.[٣]
  • عرَّفها (وايت) على أنّها: ” نقل الصلاحية، تشريعيّة كانت، أو قضائيّة، أو إداريّة من المُستويات الحكوميّة العامّة إلى المُستويات الدُّنيا”.[٤]
  • عرَّفها (جلاوي) على أنّها: “أسلوب من أساليب تنظيم العمل، حيث تُمنَح الوحدات المختلفة قَدراً كبيراً من الإدارة الذاتيّة، وهذا يعني مَنح الصلاحيّات، والمسؤوليّات للمُستويات الأدنى في التنظيم”.[٤]
  • عرَّفها (البنك الدوليّ) على أنّها: “إسناد مَهامّ جَمع الضرائب، ومَهامّ الإدارة السياسيّة إلى مُستويات حكوميّة أقلّ، وهو مفهوم يتمُّ استخدامه في مختلف أنحاء العالَم على مستويات مختلفة، ولأسباب مختلفة، وبوسائل مختلفة”.[٥]

وممّا سبق يمكن استنتاج أنّ اللامركزيّة الإداريّة تعني: عمليّة تنظيميّة إداريّة تتضمّن توزيع السُّلطات على جهات عديدة في المُستويات الدُّنيا من الهيكل الإداريّ، بحيث تكون كلّ جهة فيها مسؤولة بشكل مباشر عن مسؤوليّاتها؛ وذلك بهدف إعطاء العمل شكلاً أكثر تنظيماً، ومرونة، بالإضافة إلى إشراك أكبر عدد من المرؤوسين في عملّية الإدارة.[٣]

 

مُقوِّمات اللامركزيّة الإداريّة

يعتمد النظام اللامركزيّ على عدّة مُقوِّمات، ومن أبرزها ما يأتي:[١]

  • استقلال الهيئات اللامركزيّة عن السُّلطة المركزيّة؛ حيث لا بُدّ من تمتُّع الهيئات اللامركزيّة للسُّلطة المركزيّة بالاستقلاليّة من النواحي الماليّة، والإداريّة؛ حتى تتمكّن من ممارسة الوظيفة الإداريّة التي تقتضي منها البتّ في بعض الأمور بشكل نهائيّ، بالإضافة إلى سُلطة التقرير.
  • وجود مصالح ذاتيّة مُتميِّزة؛ حيث إنّ اللامركزيّة تتطلَّب ضرورة مشاركة الوحدات في إدارة المصالح الخاصّة بإقليمٍ، ومستوىً مُعيَّن، على اعتبار كفاءتها، واستجابتها لأولويّات الأفراد، وحاجاتهم، ومن هذا المُنطلق يبرزُ معياران، هما:
    • تحديد اختصاصات الهيئات اللامركزيّة على سبيل الحصر، بحيث تُدرَج قائمة فيها ذِكرٌ مُحدَّد لاختصاصات الهيئات اللامركزيّة، علماً بأنّه لا يحقّ للوحدات اتِّخاذ القرارات في المسائل التي لم ترد في القائمة. ومن الجدير بالذكر أنّ هذا الأسلوب يُعرف ب(الأسلوب الإنجليزيّ).
    • تحديد اختصاصات السُّلطات المَحلّية طبقاً لقاعدة عامّة، بحيث يتمّ وضع معيار عامّ يتمّ فيه توضيح ما يمكن اعتباره اختصاصاً محلّياً، مع ترك تحديد مضمونه للوحدات المحلّية نفسها، وبإشراف، ومراقبة من السُّلطة المركزيّة، علماً بأنّ هذا الأسلوب يُعرَف ب(الأسلوب الفرنسيّ).
  • الإشراف والرقابة من قِبَل السُّلطة المركزيّة؛ فعلى الرغم من ضرورة تمتُّع الهيئات المحلّية اللامركزيّة بالاستقلاليّة، إلّا أنّ هذه الاستقلاليّة لا تكون تامّة؛ لأنّ ذلك من شأنه التسبُّب في إحداث العديد من المشاكل، ولضمان تحقيق الإدارة الجيّدة، فإنّه لا بُدّ من وجود إشراف، ورقابة من قِبَل السُّلطة المركزيّة ضمن حدود القانون.

 

مزايا اللامركزيّة الإداريّة

تتَّصف اللامركزيّ بعدّة خصائص، ومزايا، من أهمّها:

  • السرعة في حلّ المشكلات، واتِّخاذ القرارات.
  • ظهور الأفكار المُبتكرة؛ نتيجة رفع حماس أعضاء المستويات الإداريّة المُتعدِّدة، وزيادة اهتمامهم بحلّ ما يواجههم من مشكلات.
  • تدريب الرؤساء في المستويات الإداريّة الدُّنيا.
  • عدم انشغال المدراء بالقرارات الفرعيّة، واهتمامهم بما هو مُهمّ منها.
  • تحقيق التوازن في القرارات، والسُّلطات، حيث يُعتبَرهذا المبدأ من أهمّ مبادئ التنظيم.
  • الارتقاء بالروح المعنويّة لدى الرؤساء في المستويات الإداريّة؛ حيث يشعرون بمشاركتهم الإيجابيّة في العمل الإداريّ.
  • توزيع المخاطر التي تتعلَّق بالقرارات الضعيفة، حيث يقتصر تأثيرها في قسم واحدة، أو إدارة واحدة، وليس في المُنظَّمة كلّها.
  • الحرص على اتِّخاذ أفضل القرارات؛ نظراً لأنّ مَن يُعايش المشكلة يُعَدُّ أكثر مقدرة على اتِّخاذ القرار المناسب بشأنها.

 

عيوب اللامركزيّة الإداريّة

على الرغم ممّا تتَّصف به اللامركزيّة من خصائص، إلّا أنّها تتضمّن العديد من العيوب، والتي من أبرزها:[٣]

  • التناقض في القرارات التي يتمّ اتِّخاذها؛ نتيجة لكثرة المشاركة في عمليّة اتِّخاذها.
  • عدم إمكانيّة تطبيقها في المتابعة، والعمليّات الماليّة.
  • ضعف الأداء؛ حيث إنّ اللامركزيّة قد تتسبَّب في تكاسل بعض العاملين عن أداء مهامّهم.
  • التسبُّب بالضعف في كفاية ميدان العمل؛ نتيجة عدم توفيرها للقيادة في مختلف المجالات.
  • إمكانيّة التسبُّب بالضعف في السُّلطة المركزيّة.
  • إمكانيّة التسبُّب بالانعزاليّة، ممّا قد ينتج عنه تصدُّع المنظَّمة، أو المجتمع.

اترك تعليقاً