يكمن سر نجاح أي عمل في اختيار أكثر الإجراءات فعاليةً، والعمل بمقتضاها. مع ذلك، يبذل العديد منا جهودًا مضنيةً مقابل أعمال ذات مردود ضئيل أو حتى معدوم، وهذا لأننا نفتقر لمفهوم الفعالية في العمل، ونظن مخطئين أن العمل الجاد وحده سوف يقودنا إلى مبتغانا.
في هذا المقال، سوف نناقش مفهوم العمل الجاد في مقابل العمل الفعال، كما نتعرف على كيفية استغلال مبادئ الاقتصادي الإيطالي المخضرم فيلفريدو باريتو لتحقيق المزيد من الأرباح في وقت أقل.
مبدأ باريتو
لطالما سبب مبدأ باريتو حالةً من الجدل في المشهد الاقتصادي، فلا أحد يستطيع تفسيره رغم صحته.
- چوزيف ستيندل
سمّه ما شئت: مبدأ 80/20، أو مبدأ توزيع العوامل، أو مبدأ الجهد الأقل، لا يهم، فما يهم حقًا هو أنك تستطيع استغلال هذا المبدأ لإحداث تحول جوهري في عملك الحر. لقد اكتُشف مبدأ 80/20 على يد اقتصادي إيطالي يُدعى فيلفريدو باريتو. ورغم أن إنجازاته قد ظلت مغمورةً خلال حياته (1848-1923)، إلا أنه كان أول شخص يشير إلى الحقيقة المدهشة، بأن عددًا قليلًا من المسببات، أو المدخلات، أو الجهد؛ يقود إلى معظم النتائج، أو المخرجات، أو العائدات. وفي أغلب الأحيان (وليس دائمًا)، تكون العلاقة بين الأسباب/النتائج أو المدخلات/المخرجات أو الجهد/العائد قائمةً على توزيع 80/20. وعلى العموم، يمكن القول إن شتى مجالات الحياة تشهد حالة كبيرة من انعدام التوازن بين المسببات والنتائج.
ولتوضيح هذا المبدأ، تمعن في الأمثلة العمليّة التالية (المأخوذة من كتاب مبدأ 80/20 لكاتبه ريتشارد كوش):
- في البداية، اكتشف باريتو أن 80% من أراضي إيطاليا مملوكة لـ 20% من السكان (80/20).
- 1% من الكلمات في اللغة الإنجليزية (واشتقاقاتها) تمثل 80% من اللغة المحكية (80/1).
- 1.3% من الأفلام تجني 80% من الإيرادات في دور السينما (80/1.3).
ربما تتساءل ما علاقة هذا بنجاح عملك، رغم أن الإجابة هي وجود علاقة كبيرة للغاية، إذ لو استطعت اكتشاف انعدام التوازن بين المسببات والنتائج في عملك، فسوف يتسنى لك استغلال هذه الحقيقة لصالحك.
تخلص من الأعباء الإضافية
تأمل قليلًا يوم العمل لديك. كم تمثل ساعات العمل المدفوعة من يومك؟ لنقل أنها تمثل 60%، وبالتالي عند تطبيق مبدأ 80/20، فذلك يعني أنك تحقق 100% من الدخل نتيجة 60% من الوقت الذي تمضيه في العمل.
نظريًا، إذا استطعت زيادة نسبة ساعات العمل المدفوعة في يومك إلى 90%، فسوف تزداد أرباحك بنسبة 150%. باختصار، زيادة ساعات العمل المدفوعة تعني زيادة الدخل؛ ولتحقيق هذه الغاية، تخلص من جميع الأعباء التي لا تعود عليك بالدخل (بطريقة مباشرة أو غير مباشرة)، واحرص على أتمتة جميع المهام الأخرى (ما أمكن).
استغل هذه الفرصة لتحليل عملك بصورة معمقة من خلال تدوين أعمالك (لمدة تتراوح بين أسبوع وشهر)، ثم صنفها بحسب المهام. وبمجرد أن تنتهي، اصنع رسمًا بيانيًا بالاعتماد على البيانات المسجلة، وعندها ستحصل على تصور واضح عن توزيع وقتك وكيفية استثماره بالشكل الأمثل. وفيما يلي رسم بياني يوضح توزيع وقت العمل لديّ خلال شهر يونيو:
لقد اكتشفت بعد تنفيذ هذا الرسم البياني العديد من المهام التي أستطيع الاستغناء عنها أو أتمتتها كونها تستهلك قدرًا كبيرًا من الوقت ولا تدر أي دخل، ولكن ما هي المهام التي تحتاج إلى أتمتة وتلك التي تحتاج إلى إلغاء بالكامل؟ حسنًا، الأمر بغاية البساطة: إذا لم تكن المهمة تساهم في تطوير عملك فلا تفعلها. قد تأخذ هذه المهام أشكالًا عدّة: ربما كانت هذه المهام مفيدةً في يوم من الأيام ولكنها لم تَعُد كذلك، وربما كانت نتيجةً لعادات سيئة، أو قصور في نظام العمل لديك، وهكذا. ولكن الأكيد أن جدولك سوف يحوي بعض هذه المهام، وربما الكثير منها، لذلك احرص على التخلص منها.
علاوةً على ذلك، يجب ألا تقتصر عملية التدقيق على المهام الثانوية والهامشية، بل يجب أن تمتد لتشمل أيضًا المهام الرئيسية بغرض معالجة جوانب القصور فيها. يمثل البريد الإلكتروني على سبيل المثال، مهمةً كبيرةً تستغرق كثيرًا من الوقت لدى معظمنا. وإذا كنت قد فعّلت الإشعارات الفورية، فلا شك في أنك تعاني من التشتت المستمر، وبالتالي ضعف الكفاءة وتراجعها. ولكن إذا غيرت طريقة تعاملك مع البريد الإلكتروني بحيث تتفقده ثلاث مرات في اليوم (الصباح، واستراحة الغداء، وقبل نهاية اليوم)، فسوف تتمكن من معالجة البريد الإلكتروني بسرعة أكبر، وفي ذات الوقت تحافظ على تركيزك خلال اليوم.
الأتمتة
بعد أن تتخلص من جميع المهام غير الضرورية وتعالج أوجه القصور الأخرى في سير العمل، فسيكون الوقت قد حان لأتمتة أكبر قدر ممكن من المهام الأخرى، ولكن ماذا يُقصد بالأتمتة؟ لعل أوضح تعريف للأتمتة (في ضوء هذا المقال) هو:
تنظيم المهام، بحيث يتولى تنفيذها الحاسوب أو شخص متعاقد.
باختصار، يجب أن تحرص على أتمتة جميع المهام التي لا تحتاج إلى خبراتك، أو تلك التي يمكن تنفيذها باستخدام خبراتك، ولكن دون تدخلك شخصيًا. تشمل هذه المهام:
- التفاعل مع مواقع التواصل الاجتماعي
- دعم العملاء
- رسائل البريد الإلكتروني
- الإدارة العامة
- التصميم الجرافيكي
- تصميم الويب
- إدارة الحسابات
- الاتصالات
عندما يتعلق الأمر بتوظيف المتعاقدين، فثمة العديد من الخيارات، إذ يمكنك الاستعانة بمواقع العمل الحر مثل خمسات أو مستقل للعثور على مساعدين افتراضيين بتكلفة استثنائية.
قد تشعر بالقلق إزاء تكاليف الاستعانة بمساعد افتراضي، ولكن الدخل الإضافي الذي تحرزه سوف يمكنك بلا شك من تغطية هذه التكاليف. لنقل مثلًا أنك تتقاضى نظير عملك 100 ريال/ساعة، وأنك توظف مساعدًا افتراضيًا للعمل لمدّة 10 ساعات في الأسبوع بتكلفة 40 ريال/ساعة، ذلك يعني أنك ستحقق ربحًا إضافيًا بقيمة 600 ريال حتى بعد اقتطاع أجرة المساعد الافتراضي. وحتى لو عملت لأربع ساعات إضافية فقط، فسوف تتمكن من تغطية التكاليف، بينما يتبقى لك 6 ساعات لتفعل بها ما تشاء.
ركز على الـ 20%
من يتقلب ليلائم الجميع سرعان ما سيختفي.
- رايموند هول
بعد التخلص من الأعباء غير الضرورية وأتمتة المهام الأخرى، سوف يصبح لديك كثير من الوقت للعثور على العملاء الجدد والعمل لساعات إضافية، ولكن عندما يتعلق الأمر بتطبيق مبدأ 80/20 على العمل الحر، فنحن فلا نتحدث عن أي عملاء، وإنما عن العملاء الملائمين، أو ما يصفه مايكل بورت في كتابه Book Yourself Solid بـ “سياسة الشريط الأحمر”:
تخيل أن صديقًا لك قد دعاك إلى حفل خاص، وبمجرد وصولك إلى الحفل فوجئت بوجود شريط أحمر على الباب، وبجانبه رجل مهندم اللباس يسأل عن اسمك ليتأكد من وجود اسمك ضمن قائمة المدعوين، ثم يبتسم ابتسامةً عريضةً ويرفع طرف الشريط ليسمح لك بالدخول إلى الحفل. لا شك أن شعورًا رائعًا سوف يخالجك.
والسؤال الآن: هل تمتلك شريطًا أحمر يسمح بالدخول فقط لأفضل العملاء الذين يشكّلون مصدر إلهام بالنسبة إليك؟ إذا نظرت في قائمة عملائك، فربما تكتشف شيئًا من هذا القبيل:
- 80% من دخلك يأتي من 20% من العملاء.
- 20% من العملاء هم سبب 80% من ضغط العمل لديك.
ما يتعين عليك فعله هو العثور على المزيد من العملاء من النوع الأول والتخلص من النوع الثاني (وعدم قبول عملاء جدد من هذا النوع). إننا في هذا المقال لسنا بصدد مناقشة كيفية فعل ذلك (وخصوصًا مع تباين الطرق بحسب مجال عملك)، ولكن ما لم تكن مضطرًا للعمل، فيجب أن تُدخل تعديلات جذرية على قائمة عملائك؛ وهنا أتحدث عن تنظيف قائمة عملائك من هؤلاء الـ 20% الذين يسببون لك مشكلات لا حصر لها، واستبدالهم بالمزيد من العملاء الملائمين. بصفة عامة، يجب أن تبحث عن عملاء يحملون الصفات التالية:
- قلة المشاكل.
- الاستعداد لدفع سعر مرتفع مقابل خدمات عالية الجودة.
بالتأكيد سيكون من الأفضل أيضًا البحث عن عملاء يقدّمون لك (ولفريقك إن وُجد) عملًا ممتعًا ومثيرًا للاهتمام، فالحياة أقصر من أن تمضيها على عمل مضجر لا يشكّل مصدر إلهام بالنسبة إليك.
ما الخطوة التالية؟
يجب أن تكون بعد قراءتك لهذا المقال مستعدًا لإجراء تغييرات جذرية على عملك، ولكن إذا كنت تشعر بأنك لست مستعدًا بعد لاتخاذ قرار من هذا النوع وفي ذات الوقت، ترغب بتطبيق مبدأ 80/20 لإحداث تحول إيجابي في حياتك المهنية، فيمكنك قراءة المزيد في الكتب المتوفرة على الويب في هذا الصدد. وإذا كنت تمتلك أي أسئلة إضافية حول المبادئ التي تطرقنا إليها في هذا المقال، فلا تردد في كتابتها في التعليقات.