توجد العديد من العوامل المؤثرة في سلوك المستهلك، إذ تلعب هذه العوامل دورًا كبيرًا في تشكيل السلوك الشرائي للمستهلك، وتتحكم في اختياراته عند اقتناء المنتجات المختلفة. يمكن تقسيم العوامل المؤثرة في سلوك المستهلك إلى جزئين رئيسيين: المؤثرات الداخلية كالرغبات الشخصية، والمؤثرات الخارجية مثل العوامل البيئية.
المؤثرات الداخلية
تعد المؤثرات الداخلية هي حجر الأساس بالنسبة لاختيارات المستهلك. إذ يقوم بالشراء وفقًا لتفضيلاته الشخصية والمحفزات الداخلية له، وكذلك الأوضاع الاقتصادية الحالية. يمكن وضع المؤثرات الداخلية في ثلاث درجات متتالية: الحاجة “Need”، الرغبة “Want”، الطلب “Demand”.
من أهم النظريات التي تحدثت عن الاحتياجات البشرية هي نظرية هرم ماسلو، الذي يرى خمس مستويات من الحاجة لدى الإنسان، تبدأ بالاحتياجات الفسيولوجية مثل الطعام والشراب وهي بمنزلة حاجات البقاء، ثم بعد ذلك احتياجات الأمان وشعور الفرد بالأمن.
في المستوى الثالث تأتي الاحتياجات الاجتماعية، مثل الحب والانتماء ووجود الأهل والأصدقاء، بعد ذلك الحاجة إلى احترام الذات في المستوى الرابع، وفي المستوى الأخير الحاجة لتحقيق الذات. يشترك البشر جميعًا في هذه الاحتياجات طبقًا للنظرية.
يتأثر سلوك المستهلك الشخصي بشكل أكبر بالدرجة التالية التي تتمثل في الرغبة. فعلى الرغم من وجود العديد من الاحتياجات لدى الأفراد، إلّا أنّ طريقة إشباع الحاجة يختلف من شخص لآخر. بينما تشعر بالجوع في أثناء قراءة هذا المقال، فإنّك ترغب في أكل طعام يختلف عمّا يتمناه قارئ آخر.
في الدرجة الثالثة يأتي الطلب، أي قدرة الشخص على شراء ما يريده. فمثلًا قد ترغب في تناول طعام معين، لكنك لا تملك المال الكافي لذلك، لذا ستضطر إلى تغيير رغبتك لتتوافق مع القدرة الشرائية الخاصة بك في الوقت الحالي. تعد الأوضاع الاقتصادية والقدرة الشرائية للأفراد من أهم العوامل المؤثرة في سلوك المستهلك، إذ يتأثر السلوك الشرائي للمستهلك بقدراتهم الشرائية ومستوى الدخل الخاص بهم، وفي الأغلب تُبنى جميع قرارات الشراء على هذه الأوضاع.
من المهم إدراك الدرجات الثلاثة لدى المستهلك كمؤثرات داخلية تتحكم في قراراته، إذ يساعد ذلك في تحديد أكثر المستهلكين القادرين على شراء منتجاتك وخدماتك، من ثم توجيه الجهود التسويقية لهم لإقناعهم بما تقدم، مع قناعتك بالحصول على نتيجة وحدوث عمليات شراء.
المؤثرات الخارجية
إذ كانت المؤثرات الداخلية هي حجر الأساس ضمن العوامل المؤثرة في سلوك المستهلك، فإنّ المؤثرات الخارجية هي استكمال بنائه. يعيش الإنسان في مجموعات، بالتالي تتأثر قراراته بنصائح وتوجيهات الآخرين من حوله، وتجعله يرغب في الحصول على أشياء معينة وفقًا لذلك.
كما تلعب العوامل البيئية والاجتماعية والحملات التسويقية دورًا رئيسيًا كمؤثر خارجي، يحفّز قرارات الشراء ويجعل الشخص راغبًا في الحصول على منتج معين. قبل أولمبياد لندن 2012 أطلقت شركة نايكي للأحذية حملة تسويقية بعنوان “Find Your Greatness”، وجّهتها إلى الرياضيين الهواة.
كان الهدف من الحملة هو تأكيد قدرة جميع الأفراد على تحقيق إنجازات خاصة بهم، وإلهامهم لممارسة الرياضة يوميًا والاستمتاع بها. إذ يقول المؤسس المشارك للشركة بيل بورمان: “إذا كان لديك جسد، فأنت رياضي”. وهو ما جذب المستهلكين نحو الشركة في هذا الوقت، بالرغم من كون شركة أديداس المنافسة لها هي الموجودة ضمن رعاة الأولمبياد ذلك العام.
لا يلعب أحد المؤثرات دورًا بمعزل عن بقية العناصر، فعلى سبيل المثال، لن تؤثر العوامل البيئية فقط في القرار، بل دائمًا ما يكون هناك امتزاج بين أكثر من عنصر في القرار النهائي. وكلّما كان القرار أكثر تعقيدًا، يهتم المستهلك بجميع المؤثرات، حتى يتأكد من صحة قراره.
من المهم أيضًا عند دراسة سلوك المستهلك والمؤثرات الخارجية عليه، تحديد إذا كان المستهلك هو ذاته العميل الذي يقوم بالشراء، إذ في بعض الأحيان لا يكونان الشخص ذاته. فالطفل مثلًا هو من يستخدم اللعبة، لكن الأهل هم من يشترونها. في الواقع، قد يشترك أكثر من شخص في عملية الشراء، وكلٌ منهم يعد جزء من العوامل المؤثرة في سلوك المستهلك وقراره النهائي. من أهم الأدوار في عملية الشراء:
- المستخدم النهائي “End-User”: مستهلك المنتج أو الخدمة الذي يستخدمه بالفعل.
- الموصون “Recommenders”: الأشخاص الذين يقدمون النصائح أو التوصيات، مثل الخبراء في المجال، أو الأصدقاء الذين سبق لهم تجربة المنتج، أو العملاء الآخرين الذين يشاركون تعليقاتهم حول المنتج.
- المؤثرون “Influencers”: المشاهير الذين يتابعهم الأفراد في المجالات المختلفة، وتستخدمهم الشركات التسويقية حاليًا لترويج منتجاتها، وعمل إعلانات لها، إذ تؤمن هذه الشركات بقيمة وأثر الترويج على سلوك المستهلك.
- صنّاع القرار “Decision Makers”: الأشخاص المسؤولين عن اتّخاذ قرار الشراء.
- المشترون الاقتصاديون “Economic Buyers”: الأشخاص الذين يدفعون في مقابل شراء المنتج أو الخدمة.
- المخربون “Saboteurs”: الأشخاص الذين يمكنهم إلغاء أو تعطيل عمليات الشراء.
تختلف الأدوار طبقًا لعملية الشراء وطبيعة الأشخاص المشاركين بها. فمثلًا قد تكون الأم هي صانعة قرار شراء اللعبة للطفل، والأب هو الذي يدفع المقابل المادي لها. في بعض الأحيان تكون الأم هي مؤدية الدورين معًا. لذا، من فوائد دراسة سلوك المستهلك، هي التعرّف على طبيعة الأدوار بخصوص المنتجات أو الخدمات التي تقوم الشركات ببيعها، ومعرفة كيف يمكن الاستفادة من هذه الأدوار. ثم توجيه الجهود التسويقية لها بالشكل المناسب، سواءً الاعتماد على المؤثرين أو استهداف صنّاع القرار أو أي شيء آخر وفقًا لرؤية الشركة.
نماذج سلوك المستهلك
يعتمد السلوك الشرائي للمستهلك على طبيعة المنتجات التي يرغب في الحصول عليها. فالمنتجات البسيطة مثل الحصول على كوب من القهوة، لا تحتاج إلى التفكير لشرائها، بينما شراء سيارة أو عقار يحتاج إلى تفكير كبير، نظرًا لحجم المال المتوقع دفعه.
حتى تنجح في التأثير على سلوك المستهلك، فأنت بحاجة إلى معرفة نماذج سلوك المستهلك المختلفة، وأيها يرتبط مع المنتجات التي تبيعها، لتقدر على توجيه الرسالة التسويقية المناسبة له. توجد أربعة أنواع من نماذج سلوك المستهلك وفقًا لنوعية المنتجات أو الخدمات التي يشتريها كالتالي:
1. سلوك الشراء الاعتيادي
يشتري المستهلك يوميًا العديد من المنتجات التي يحتاج إليها في حياته. على الأغلب لا يفكر كثيرًا عند الشراء، إذ يُفضل شراء المنتجات التي اعتاد الحصول عليها دائمًا من نفس العلامات التجارية، أو يختار فقط من المتوفر أمامه في المتاجر بأقل تكلفة.
نظرًا لتكرار شراء هذه المنتجات دون تفكير سريع، يمكنك تركيز جهودك التسويقية على تكرار الرسائل إلى الجمهور، حتى يتعرض لها بكثرة وتدخل ضمن قائمة الاختيارات المحتملة له عندما يقرر الشراء مرة أخرى. كذلك من المفيد تقديم عروض أسعار أقل، لأنّ هذا يجعله يقبل على الشراء.
2. سلوك الشراء المعقد
يعد سلوك الشراء المعقد من أهم نماذج سلوك المستهلك التي يجب فهمها جيدًا من المسوقين. يحدث هذا السلوك عندما يقرر الأفراد شراء منتج بتكلفة عالية. بعكس الشراء الاعتيادي، فإنّ هذه العمليات قد لا تتكرر كثيرًا، لكنّها تستغرق الكثير من الوقت من أجل البحث والتأكد من القرار.
يبحث المستهلك في هذه العمليات عن آراء الموصّيين والمؤثرين، ويبدأ في جمع الآراء حول المنتج، ويجرّب الكثير من الاختيارات قبل اتّخاذ القرار النهائي. على سبيل المثال إذا قرر المستهلك شراء سيارة، فإنّه يسأل الأفراد الذين يملكون معرفة في السيارات ضمن دائرة معارفه، ليتأكد من صحة خياره.
في الوقت ذاته، يجري بحثًا على شبكة الإنترنت والمواقع المتخصصة، ليعرف ما هي تقييمات السيارة وتجارب الآخرين معها، ثم بعد ذلك يجرّبها بنفسه ليتأكد من أنّها مناسبة. في خلال ذلك، هو لا يكتفي بتجربة سيارة واحدة، بل يُفاضل بين مجموعة من الخيارات، حتى يصل إلى الاختيار النهائي.
من المهم فهم سلوك المستهلك في هذا النوع من عمليات الشراء، والمراحل المتعددة التي يمر بها، فهو لا يتّخذ القرار من اللحظة الأولى، بل يحتاج إلى تفكير واسع حتى يتّخذ القرار النهائي. في هذه الحالة يكون دورك هو الاشتراك معه في جميع المراحل، وتقديم المعلومات التي يبحث عنها لتساعده في فهم المنتج جيدًا، وتشجّعه على اتّخاذ قرار الشراء.
3. سلوك الشراء الذي يحد من التنافر
يحدث سلوك الحد من التنافر عندما لا تكون الخيارات المتاحة للمستهلك كبيرة، وبالتالي إمكانية المقارنة بين المنتجات صعبة، وفي الوقت ذاته لا بد له من اتّخاذ قرار الشراء سريعًا. في هذه الحالة يظل المستهلك في حالة تخوّف من الخطأ في اختياره، لذا حتى بعد الشراء يحاول التأكد من صحة قراره.
عند حدوث هذه الحالة، يمكنك التأثير على سلوك المستهلك من خلال تقديم خدمة ما بعد البيع، لتجعله يشعر بصحة اختياره، مع تقديم الحلول لأي مشكلة تواجهه. هذا قد يحفّزه للاقتناع بعلامتك التجارية، والاستمرار في الشراء منك، لا سيّما مع تقديم عروض وخصومات تحفّزه على ذلك.
4. سلوك الشراء الباحث عن التنوع
في بعض الأحيان، يرغب المستهلكون في تجربة منتجات جديدة، إمّا بدافع الفضول أو بسبب الملل من المنتجات المعتادة. إذ لا توجد مشكلة في المنتج المستخدم حاليًا، لكن فقط سلوك الشراء في هذه الحالة يبحث عن التنوع، لا سيّما إذا كانت تكلفة التبديل بين المنتجات منخفضة، ويمكن تنفيذها بسهولة.
يمكن رؤية هذا عند رغبتك في شراء البسكويت على سبيل المثال، إذ قد تفكّر في المرات القادمة في التغيير، لتحصل على طعم آخر مختلف، وقد يكون التبديل في هذه الحالة غير مقصود أو بتفكير مسبق. بالنسبة لك لا يمكنك ترك الأمر للمستهلك ليفعل هذا مع منتجاتك، لأنّ هذا يترتب عليه تراجع في عمليات البيع.
بالتالي، يمكنك التأثير على سلوك المستهلك في هذه الحالة، من خلال إنتاج أكثر من إصدار للمنتج ذاته، بحيث يكون التنوع بين منتجاتك، دون الاضطرار إلى التفكير في منتجات منافسة. عندما تدخل إلى السوبر ماركت تجد هذا الأمر، إذ تضع شركات البسكويت أكثر من نكهة، كذلك تفعل شركات المشروبات مثل الشاي والنسكافيه.
من ناحية أخرى يمكنك جذب العملاء الذين يبحثون عن التنوع، ويفضلون تجربة منتجات أخرى غير التي يشترونها حاليًا. من خلال تقديم خصومات وعروض وكوبونات، وإذا أمكنك منحهم عينات مجانية لتجربة منتجاتك، ستكون هذه خطوة جيدة لتشجيع التجربة، وتجعلك تحصل على عملاء جدد لمنتجاتك.