تساعد زيادة التركيز على أداء المهام المختلفة في أقل وقت ممكن، لكن الأمر ليس بتلك السهولة، فأحيانًا يتسرب إلينا الملل أو نتعرض للتشتيت الذي يجعل استكمال مهمة ما أمرًا في غاية الصعوبة، فكيف يُمكننا تحسين التركيز؟ وما هي الأساليب والاستراتيجيات التي يمكنها تحقيق ذلك؟ هذا ما سنتناوله في هذا المقال الذي يحتوي على:
- تعريف التركيز
- العوامل المؤثرة على التركيز
- كيفية زيادة التركيز
- استراتيجيات التركيز
ما هو التركيز؟
يشير التركيز إلى الجهد الذهني تجاه كل ما نعمل عليه أو نتعلمه في الوقت الحالي، مثل الجهد الذهني الذي تبذله وأنت تقرأ هذا المقال الآن. يخطئ البعض بينه وبين مدى الانتباه، الذي يشير إلى طول الوقت الذي يمكنك فيه التركيز على شيء ما؛ بمعنى متى تفقد تركيزك عند قراءة هذا المقال، هل في المنتصف أم النهاية؟ أم ستبقى مركزًا حتى النهاية؟
ما هي العوامل المؤثرة على التركيز؟
هناك مجموعة من العوامل التي تؤثر على التركيز بما في ذلك العمر وقلة النوم، بالإضافة إلى عدم قدرة بعض الأشخاص على السيطرة على المشتتات، فيما يلي أهم العوامل المؤثرة على التركيز:
العمر
تلعب المرحلة العمرية التي نعيشها دورًا كبيرًا في قدرتنا على التركيز، إذ يفقد بعض الأشخاص قدرتهم على التركيز تدريجيًا مع التقدم في العمر، ويمكن أن يُصاحب ذلك فقدان في الذاكرة بما في ذلك مرض الزهايمر.
التوتر
قد يجعل التوتر التركيز بعيد المنال، لذلك فإن التوتر عدو التركيز، إذ لا يمكننا التركيز والانتهاء من مهمة ما بينما نشعر بالتوتر، وستكون النتيجة ارتكاب مجموعة من الأخطاء، والشعور بالانزعاج.
الآثار الجانبية لبعض الأدوية
إن لبعض الأدوية مجموعة من الآثار الجانبية التي تؤثر على التركيز، على سبيل المثال مضادات الكولين التي تبطئ سرعة المعالجة وقدرتك على التفكير بوضوح.
المعلومات الزائدة
لقد أدى التطور التكنولوجي إلى فيضان هائل من المعلومات يستحيل إدارته والتعامل معه، ووفقًا لبحث نشرته جامعة كاليفورنيا في سان دييغو في عام 2009، فإن المواطن الأمريكي العادي يستهلك حوالي 34 جيجا بايت من المعلومات يوميًا، هذه المعلومات تأتي في وقت واحد ومن مصادر متعددة سواء وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الويب والهاتف ووسائل الإعلام المختلفة، وهذا الحمل الزائد من المعلومات يؤثر على قدرة أدمغتنا على معالجتها.
ووفقًا لعالم النفس العصبي الدكتور كينيث فروندليش من Morris Psychological Group: “فإننا مجبرون على تذكر واستخدام المعلومات التي تتلقاها أعيننا وآذاننا” لكن التعرض المستمر للمعلومات يفوق قدرتنا على المعالجة وهو ما يؤثر على ذاكرتنا وتركيزنا وبالتالي قدرتنا على اتخاذ القرارات المناسبة في النهاية.
الأساليب التي تحسن من التركيز
استعرضنا فيما سبق العوامل المؤثرة على التركيز، لكن الجيد في الأمر أن زيادة التركيز ممكنة، فالتركيز يشبه العضلات، كلما استثمرت فيه وعملت على بنائه كان أقوى، قد يحتاج منك الأمر مجهودًا كبيرًا وتغيير بعض العادات اليومية، وقبل أن نبدأ في سرد الأساليب التي تساعد على زيادة التركيز دعنا نعرف أولًا على أي عتبة نقف، يجب أن نفهم المرحلة التي نقف عندها، وتحديد ما هي درجة تركيزنا الآن:
- إذا كان تركيزك جيدًا، فستكون قادرًا على تحديد الأهداف وتقسيم المهام، مع أخذ فترات من الراحة .
- إذا فقدت القدرة على التخلص من المشتتات ومتابعة مسار التقدم في أداء مهمة ما فهذا يعني أن تركيزك غير جيد.
وأيًا كانت نتيجة تقييم التركيز، ما زال بإمكاننا تعلم واحدة أو أكثر من أساليب زيادة التركيز التالية لزيادة التركيز:
درب عقلك
هناك مجموعة من الألعاب التي تساهم في تحسين مستويات التركيز ومنها:
- الكلمات المتقاطعة
- السودكو
- الشطرنج
- الألغاز
- ألعاب الذاكرة
وفقًا لنتائج دراسة التي أجراها المركز الوطني لمعلومات التكنولوجيا الحيوية على 4715 شخص في عام 2015، فإن قضاء 15 دقيقة لخمس أيام أسبوعيًا في لعب أحد الألعاب التي تعزز التركيز له تأثير كبير على التركيز، كما تلعب الألعاب دورًا كبيرًا في تدريب الذاكرة وتنمية مهارات المعالجة وحل المشكلات.
تحسين النوم
إن عدم قدرتنا على الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم كل يوم له تأثير كبير على التركيز والانتباه، لذا يوصي الخبراء بالحصول على قسطٍ كافٍ من النوم يتراوح بين 7 و8 ساعات يوميًا، مع تحسين جودة النوم. وهناك مجموعة من الأنشطة والعادات التي يمكنك تعلمها لتحسين جودة النوم ومنها:
- الاسترخاء قبل النوم وأخذ حمام دافئ.
- إغلاق الهاتف ووضعه بعيدًا.
- الحرص على النوم والاستيقاظ في نفس الموعد.
- تمرن بانتظام وابتعد عن التمارين الشاقة قبل الخلود للنوم.
ممارسة الرياضة
تلعب الرياضة دورًا كبير في زيادة قوة التركيز والانتباه، وجدت دراسة بعنوان “النشاط البدني في صحة الأطفال وإدراكهم” والتي أجرتها مجلة هنداوي التخصصية والتي أجريت على 116 طالب في عام 2018 أن ممارسة التمارين الرياضية يوميًا تساعد على تحسين التركيز والانتباه بعد 4 أسابيع فقط، لذا ولتحقيق زيادة التركيز حاول تخصيص وقت يوميًا لممارسة الرياضة حتى لو خصصت 20 أو 30 دقيقة للمشي يوميًا.
هناك صلة مباشرة بين التمارين الرياضية والقدرة المعرفية والانتباه، عندما نُمارس الرياضة تزيد المواد الكيميائية في الدماغ والتي تقلل من التوتر وتحسن النوم، لذا ينصح الخبراء بممارسة التمارين الهوائية لمدة 150 دقيقة أسبوعيًا مثل المشي، نظرًا لدورها المهم في تحسين مستويات التركيز.
قضاء بعض الوقت في الطبيعة
تساعد الطبيعة على الاسترخاء وصفاء الذهن وبالتالي التركيز، تشير الدراسات العلمية إلى التأثير الإيجابي للبيئة على الأشخاص لأنها تساعدهم على التركيز في العمل، وتوصلت دراسة أجراها المركز الوطني لمعلومات التكنولوجيا عام 2014 إلى أن وجود النباتات في المساحات المكتبية ساعد في التركيز والإنتاجية بين العاملين، فالبيئات الطبيعية تُحسن الانتباه.
التأمل والتفكّر
يمكن أن يساعدك ممارسة التأمل والتفكّر على تعزيز الانتباه، بالإضافة إلى تحسين الذاكرة والقدرات المعرفية، وفقًا لمجموعة من الباحثين في جامعة هارفارد فإن عقولنا تتشتت في التفكير حوالي 47% من الوقت، وهذا يعود إما للتفكير في الماضي أو القلق بشأن المستقبل، ويساعدنا التأمل في التخلص من هذه المشكلة لأنه يجعلنا أكثر إدراكًا باللحظة الحالية، وبالتالي للتأمل قدرة كبيرة على تغيير بنية ووظيفة الدماغ من خلال الاسترخاء.
خصص بعض الوقت للراحة
إن أخذ استراحة بين المهام أو أثناء أداء مهمة معينة يساعد على زيادة التركيز والانتباه، لأنه عند العمل على مهمة لوقت طويل قد تبدأ عقولنا بالتشتت، ورغم ذلك نستمر في العمل عليها فتكون النتيجة هي التوتر وفقدان التركيز، ولكن أخذ قسط من الراحة عند الشعور بالانزعاج يساعد في استعادة تركيزنا بقوة.
يرى بعض علماء النفس أننا نفقد تركيزنا عند أداء مهمة معينة يرجع إلى استنفاذ موارد الانتباه، والبعض الآخر يرى أن ذلك يتعلق بميل الدماغ لتجاهل مصادر التحفيز المستمر، وقد وجد العلماء أن صرف الانتباه إلى مكان آخر يمكن أن يُحسن من التركيز كثيرًا، قد نستطيع التركيز لمدة 90 دقيقة قبل أن نحتاج إلى 15 دقيقة للاستراحة وذلك يعود للاختلافات الطبيعية في دورة اليقظة لدينا والتي تختلف من شخص لآخر.
تنويع النظام الغذائي
تُؤثر الأطعمة التي نتناولها على الوظائف المعرفية كالتركيز والذاكرة، هناك أطعمة لها تأثير إيجابي مثل الأسماك، والبيض، والتوت، والسبانخ؛ وهناك أطعمة أخرى لها تأثير سلبي مثل الأطعمة المصنعة، والدهنية، والإفراط في تناول السكر.
ثبت أن النظام الغذائي للبحر المتوسط يدعم صحة الدماغ، وهو يعتمد على استهلاك نسبة كبيرة من الأسماك وزيت الزيتون والبقوليات والفاكهة والخضروات مقابل استخدام نسبة قليلة من اللحوم بأنواعها. من الأفضل تناول وجبة خفيفة من الفواكه الطازجة أو الخضار والمكسرات والبذور في حالة الشعور بالجوع بين الوجبات، وتأكد من شرب كمية كافية من المياه.
شرب الكافيين
لدى بعض الأشخاص عادة يومية وهي شرب كوب من القهوة عند الاستيقاظ، لأنهم يشعرون أنهم أكثر تركيزًا، وهذا صحيح. قد يساعد شرب كمية من الكافيين في زيادة التركيز لدى بعض الأشخاص، لكنها لا تعمل على زيادة الإبداع.
التخلص من المشتتات
التخلص من المشتتات خطوة مهمة للبقاء مركزًا، تنقسم المشتتات إلى نوعين: الأول مشتتات داخلية خاصة بنا، وأخرى خارجية خاصة بالبيئة المحيطة، ومن النوع الأول هناك الأفكار التي تراودنا أثناء أداء مهمة معينة وتصرف تفكيرنا عنها، أو الشعور بالقلق والتوتر والضجر وغير ذلك من مشاعر داخلية تصرف انتباهنا، أما المشتتات الخارجية قد تكون عبارة عن صوت مزعج أو الأطفال أو المقاطعة المستمرة من الأشخاص المحيطين بك وغيرها من المشتتات.
ولزيادة التركيز تخلص من هذه المشتتات بطريقة واعية وأعد تركيزك مرة ثانية على المهمة التي تقوم بأدائها. نحن في كامل تركيزنا حينما نقول لشيء ما نعم، بينما نقول لا لجميع الأشياء الأخرى، وهذا يعني أن الاستبعاد شرط أساسي للتركيز، ويقول تيم فيريس Tim Ferriss “ما لا تفعله يحدد ما يمكنك فعله”، أغلب البشر لديهم قدرة على التركيز إذا استطاعوا تجنب المشتتات، وبالتالي فإن المشكلة الأساسية ليست في التركيز من عدمه، بل في اتخاذ القرار فيما نود التركيز عليه الآن.
اجعل تركيزك على أداء مهمة واحدة
يظن بعض الناس أن إنجاز أكثر من مهمة في وقت واحد يؤدي إلى زيادة الإنتاجية لكن ذلك غير صحيح، فعملية التركيز على أداء مهمة واحدة أو مجموعة مهام في نفس الوقت يُشبه إلى حد بعيد كمية الضوء الموجودة في مصباح واحد فهل ستكون أقوى إذا ما وجهنا الضوء على مكان واحد في الغرفة أم على الغرفة بأكملها؟ .هكذا يكون التركيز، عندما نوجه على أداء مهمة واحدة، سننجزها بسرعة ودقة عالية.
تعدد المهام يجعلك تحتاج إلى الكثير من الوقت لاستعادة تركيزك، وبالتالي فأنت حينما عندما تنتقل من مهمة لأخرى، فأنت تدفع الثمن، وذلك ما يسميه العلماء بتكلفة التبديل، وهي اضطراب الأداء الذي نشهده عندما نحول تركيزنا من منطقة لأخرى، لذا يعد التركيز على مهمة واحدة من أساليب زيادة التركيز.
تحكم في طاقتك وليس في وقتك
جَدوِل المهام في الوقت الذي تكون فيه طاقتك في أوجها، هل تكون أكثر طاقةً وتركيزًا أثناء النهار أم الليل؟ ركّز على أداء أصعب المهام حينما تكون طاقتك عالية.
لا تتصفح وسائل التواصل الاجتماعي بداية اليوم
تُعد وسائل التواصل الاجتماعي من أكبر مصادر التشتت، وجدت دراسة منشورة بالمجلة الدولية لإدارة المعلومات عام 2003، أن الشخص العادي عندما يتحقق من البريد الإلكتروني مرة واحدة كل خمس دقائق، يستغرق في المتوسط 64 ثانية لاستئناف المهمة التي كان يعمل عليها قبل تصفح البريد الإلكتروني، بمعنى أننا نضيع دقيقة من كل ست دقائق بسبب البريد الإلكتروني، لذا فالعنصر الأساسي عندما نقدم نصائح لزيادة التركيز في العمل فهي تجنب تصفح وسائل التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني قدر الإمكان أثناء العمل.
تحديد الهدف عبر رسم خارطة واضحة للتركيز
إن تحديد أهدافنا في هذه الحياة، وتحديد أهدافنا اليومية يجعلنا أكثر تركيزًا، لاسيما إذا كانت هذه الأهداف ذكية، الخطوة المهمة بعد تحديد الهدف هي وضع خريطة طريق لكيفية تحديد الهدف:
- ما الأشياء التي ستقوم بها أولًا “تحديد الأولويات”.
- ما هي الأولويات الأكثر قيمة وكم من الوقت ستستغرق؟
استفد من التكنولوجيا
عندما نتحدث عن التكنولوجيا فعادة ما نرى الجانب السلبي منها والنظر إليها على أنها من المشتتات، لكن خلال السنوات الأخيرة تعمل بعض شركات التكنولوجيا على تطوير عدد من البرامج والتطبيقات التي تساعدنا في تنظيم وإدارة أوقاتنا جيدًا، بما في ذلك RescueTime الذي يساعد في تتبع الوقت.
- freedom: يسمح لك هذا التطبيق بحظر المواقع والتطبيقات التي تشتت الانتباه، يمكنك حظر التطبيقات التي تشتت انتباهك أثناء العمل أو الدراسة.
- منصة أنا: هي منصة لإدارة المهام تسمح بتبسيط المهام وتقسيمها لقوائم قابلة للتنفيذ، وتساعد في إعداد قائمة المهام اليومية، وتتبعها ومشاركتها مع الآخرين.
- Coache.me: يساعدك هذا التطبيق على تتبع العادات والأهداف التي وضعتها لنفسك، بالإضافة إلى التواصل مع المدربين العالميين والتواصل مع مجتمع مماثل يحاول تحفيز نفسه.
استراتيجيات التركيز
هناك مجموعة من الاستراتيجيات التي يمكن إتباعها لزيادة التركيز:
إستراتيجية وارن بافيت للتركيز
يعتمد المستثمر وارن بافيت على إستراتيجية مكونة من ثلاث خطوات لمساعدة الموظفين على تحديد الأولويات، وهي كالتالي:
- وضع قائمة بأفضل 25 هدفًا تريد تحقيقه في حياتك.
- دقق القائمة مرة أخرى ثم ضع دائرة على الأهداف الخمسة الأولى في القائمة والأكثر أهمية بالنسبة لك.
- اجعل الأهداف الخمسة التي حددتها محور اهتمامك وتجنب باقي القائمة مهما بلغ الأمر.
- ركز على الانتهاء من مهمة واحدة خلال اليوم.
أسلوب بومودورو
تساعدك تقنية بومودورو على البقاء مركزًا عند أداء مهمة ما لوقت قصير كالتالي:
- اضبط عدّاد الوقت لمدة 25 دقيقة وأبدأ العمل.
- عندما يدق المنبه خد استراحة لمدة 5 دقائق.
- اضبط المنبه مرة ثانية لمدة 25 دقيقة وعد للعمل.
- وهكذا بعد أربع جولات من هذا، خذ استراحة طويلة لمدة تتجاوز 20 دقيقة وحتى 30 دقيقة.