في هذا المقال فإننا سنذكر بقليل من التفصيل أساليب التعامل مع العملاء، وكيف تحدد أسلوب الخطاب المناسب معهم، مع النظر في المشاكل والتحديات والخلافات التي قد تطرأ بينك وبين العملاء، وكيف تعالجها بالأسلوب الأمثل.
ذلك أنك في عملك المستقل ستواجه أنواعًا مختلفة لفرص العمل التي يقدمها أولئك العملاء. ولأن كل عميل مختلف عن الآخر، فيجب أن تحضر نفسك لمواجهة المواقف المختلفة التي قد تطرأ.
وسنتجنب هنا الحديث عن العملاء الذين لهم باع في مجالاتهم وعلى قدر من المهنية والأخلاق والخبرة، فهؤلاء لا نظن أنك ستجد مشكلة معهم، وعليه فيكفيك أخلاقك وحسن تعاملك معهم بنفس المهنية والاحترام، وإنما سننظر في أنواع العملاء الذين قد تحدث بينك وبينهم خلافات أو مشاكل لأسباب فنية أو أخطاء بشرية أو إدارية أو غير ذلك.
على أن سردنا في هذا المقال لا يعني أن العميل قليل الصبر مثلًا ستعرفه بمجرد النظر! كأن يكون لا يكمل حروف كلماته مثلًا في عرض مشروعه، فأغلب الناس لطيفة وودودة حتى تُستفز مشاعرها أو لا تلبى مطالبها وحاجاتها.
تحديد لهجة الخطاب مع العملاء
ترتبط هذه النقطة كثيرًا بهويتك التجارية التي تحدثنا عنها في كيفية التسويق الذاتي في العمل الحر، ذلك أن أسلوبك في الرسائل ونمط حديثك يشكل جزءًا كبيرًا من هويتك ولا شك، وقد ترى ذلك جليًا حين تكلم خدمة العملاء للبنك الذي تتعامل معه، وحين تكلم خدمة العملاء لشركة أدوات ترفيهية اشتريت منها جهازًا مثلًا.
فترى موظف البنك يتكلم بأسلوب يفتقر إلى المرح والمزاح مقارنة بموظف الشركة الترفيهية الذي يخاطبك بمرح سائلًا إياك عن حالك اليوم وتمنياته لك بيوم سعيد! ذلك أن الأول يتعامل مع أموالك وثروتك، وأي باب للسهو أو الفهم الخاطئ لكلامه قد يودي بكارثة لك أو له.
وكذلك في شأنك مع العملاء، فاختر اللهجة المناسبة لعملك وطبيعة شخصيتك في الحديث معهم، فلن نقيدك في هذا، لكن سنضع لك إرشادات عامة ترسم عليها منهجك الذي تحب.
اختر الفصحى ما استطعت
لنقل أنك ستتعامل مع عملاء يتحدثون العربية كلغة أم في الغالب، فكيف تحدثهم؟ بلهجتك أم بلهجتهم؟ إننا نرى من تجاربنا أن أيًا من اللهجتين ليستا بشيء أمام الفصحى، وذلك لأسباب يقصر المقام عن بيانها، لكن سنذكر لك بعض الأسباب التي تجعلك تستخدم الفصحى بدلًا من لهجتك المحكية.
بادئ ذي بدء فإن الفصحى في أي لغة تكون أشمل من اللهجات المحكية في مفرداتها، وأبلغ في إيصال المعنى واضحًا، دون أن يشوب ذلك استخدام لكلمة تخص منطقة بعينها أو كلمة لها أكثر من معنى بحسب المنطقة، كذلك فإنها أكثر رسمية ومهنية من اللهجة المحكية، فتوحي للعميل بأنك شخص ناضج ومحترف.
وقد كان آخر عهدي بالحديث بالعامية على الويب قبل خمسة أعوام أو أكثر، حين راسلني أحدهم من فلسطين يسألني عن مقالة كتبتها، فسألته أن يشرح لي قصده لأني لم أفهمه بسبب لهجته، فأعاد شرحه فلم أفهم، فاعتذرت وطلبت إعادة الشرح مرة أخرى فغضب وتركني.
فآليت على نفسي بعدها ألا أكلم أحدًا في عمل إلا بالفصحى، ولعل ما أعانني على ذلك أن كان أغلب من أتعامل معهم وقتها من بلاد المغرب العربي الذين تختلف لهجاتهم اختلافًا كبيرًا عن اللهجات المشرقية، فلا يصلح التعامل بيننا إلا بالفصحى.
الزم حدود العمل
ستتعامل مع عملاء من الشرق والغرب، وستجد فيهم الصغير والكبير، والحليم والغضوب، والرجال والنساء، ومن على دينك ومن ليس من ملتك، وهكذا، فما السبيل إلى مخاطبة كل أولئك؟ ببساطة، الزم حدود عملك، فلا تسأل عن أمور شخصية أو لا تخص عملك في شيء، ولا تسأل العميل عن عمره إلا لحاجة ملحة ترتبط بالعمل، ولا عن مسألة دينية إلا إن كان العميل يطلب عملًا يخالف شريعتك ومبادئك، وهكذا.
وكذلك في التعامل بين الجنسين، إذ تكون هذه مسألة حساسة دومًا ولا يمكن تمام ضبطها، فالحل فيها أن تٌقصِر الحديث على مطالب العمل، ولا تمزجه بالمزاح غير الضروري أو الألفاظ غير اللائقة أو حمالة المعاني، بل كن واضحًا ومختصرًا، وكلامنا هذا للرجال والنساء معًا.
لكن هل إرشاداتنا هذه ملزمة لك؟ كلا، فهل يعقل أن تحدث عميلًا بينك وبينه سنوات من العمل، بنفس الرسمية التي تخاطب بها عميلًا تقابله لأول مرة؟ لا شك أنكما ستكونان قد صنعتما رابطة تفسح المجال للتبسط في الكلام، لكن لا تدع هذا يغرك، فهو عميلك بالنهاية، وأنت ملتزم أمامه بعمل، فلا تدفعنك معرفته إلى الجور عليه في حقه أو التجاوز معه في الأدب.
التواصل المنتظم مع العميل
ينزعج العميل لا شك من قلة التواصل أو عدم انتظامه بينك وبينه، فقد يحتاج إلى تعديلات في مرحلة ما من المشروع، لكن لأنك تعمل في صمت دون الرجوع المنتظم إليه بتقارير عما فعلته، فقد تخطئ في تنفيذ تلك المرحلة أو تنفذها على غير ما يريد العميل.
أضف إلى أن العميل قد يمثل منظمة أو شركة هي صاحبة العمل، وتريد منه تقارير مرحلية عن المشروع، فتؤذيه أنت بصمتك أثناء العمل. وقد بينا في الإدارة الفنية للمشروع أساليب تنظيم العمل والتواصل بينك وبين العميل لئلا تقع فيه.
وإني أود تنبيهك إلى هذه النقطة لأني أقع فيها بنفسي، فإني أميل في العديد من المشاريع الكبيرة إلى قضاء أغلب وقت التنفيذ في النظر فيها والتخطيط لها وحسابها وتنظيمها وتوحيد عناصرها دون أن أكتب كلمة واحدة، ثم قد أنهي العمل كله في آخر الوقت.
وإني لأعلم أن هذه خصلة في شخصيتي زادت وبرزت مع مشاريع التصميم الميكانيكي التي كنت أعمل عليها قديمًا لكثرة ما تحتاج من تخطيط قبل الشروع في التنفيذ، لكن هذا يزعج كثيرًا من العملاء الذين يحتاجون إلى تقارير دورية عن تمام العمل، لهذا من المفيد استخدام أداة لمتابعة سير العمل على المشروع، سواء كانت “أنا” أو تريللو أو غيرهما، أو مجرد ملف في جداول جوجل بينك وبين العميل، كما تحدثنا عن ذلك سابقًا بالتفصيل في مقال الإدارة الفنية للمشروع.
أسباب عدم التواصل
وإضافة إلى ما سبق، فقد يرجع عدم التواصل المتعمد من جانب المستقل إلى عدة أسباب:
- قد لا تكون للمستقل خطة عمل واضحة أو مناسبة لظروف عمله، وعليه سيمتنع عن التواصل مع العميل تجنبًا للإحراج إن أبطأ في تسليم مهمة أو أكثر، وعلاج هذا باتباع الإرشادات التي فصلناها في مقال الدخول إلى سوق العمل الحر، و مقالة الإدارة الفنية للمشروع.
- الاختلاف في التوقيت أو المناطق الزمنية، مما يؤدي إلى صعوبة تحديد أوقات خاصة للعمل.
- حالات الطوارئ، فقد يحدث لك حادث أو ظرف قاهر يقعدك عن العمل، فحينها تخبر العميل بما حدث في أقرب فرصة، وتعرض عليه الخيارات المتاحة لديك. فقد حدث مرة أني اضطررت لإجراء جراحة أثناء العمل على مشروع، فطلبت من الطبيب ورقة تفيد إجرائي لهذه الجراحة وبمدة الراحة التي أحتاجها، ثم أرسلت إلى العميل معتذرًا ومرفقًا لصورة التقرير من الطبيب.
وذكر لي أحد أصحاب المشاريع على منصة مستقل -وقت نشر هذه السلسلة- قريبًا من هذا، فقد اختفى أحد المستقلين الذين يتعامل معهم فجأة دون إنذار فألغى المشروع الذي بينهما وقيَّمه سلبًا، لكن المستقل عاد بعد فترة كبيرة ليخبره بإصابته في حادث سير، وكذا حدث مع مستقل آخر، وفي الحالتين يعود المستقل في أقرب فرصة ليطلع العميل بحقيقة وضعه مع إثباتات تدل على صدق دعواه، إذ هذا أدنى ألا يظن به الظنون وهو لا يراه وبعيد عنه.
التعامل مع تعديلات العملاء
لا شك أنك ستحسب تكلفة المشروع وفقًا لمعيار تعرفه من الناحية الفنية، كأن تحسبه وفق عدد الكلمات أو الصفحات إن كنت مترجمًا أو عدد التصميمات وعناصرها، أو عدد الخصائص البرمجية المطلوبة، وهكذا وفق كل مشروع، فماذا تفعل لو طلب العميل تعديلات على العمل الذي عملت؟
إن هذا يعني وقتًا أطول في العمل على نفس المشروع، مما يعني أن أجرك سينخفض على هذا المشروع مع كل ساعة إضافية، ويجب أن تحسب للتعديلات حسابها وأنت تضع ميزانية المشروع.
فمثلًا، يمكنك تحديد عدد محدد لتعديلات العميل، كأن تكون ثلاث تعديلات مجانية مثلًا، أو أن تكون زمنية فيكون للعميل الحق في التعديل ما لم يمر أسبوع على انتهاء العمل، وهكذا.
وذلك لأنك قد تقابل عملاء لا يحسنون وصف ما يريدونه، لكنهم يستطيعون البناء على النماذج التي تقدمها ليصلوا إلى الصورة التي ترضيهم للعمل، لهذا نفضل أن تتفق مع العميل ابتداءً على عدد التعديلات ومدتها الزمنية، كي لا تجهد نفسك بدون مقابل من ناحية، أو تضطر إلى تجاهل الرد على العميل بعد تمام المشروع من ناحية أخرى، فإن الأخيرة هذه ليست من حسن التعامل وقد تُدخل شبهات على كسبك ومالك، كما ستضر سمعتك في السوق، وقد بينا في فصول سابقة كيف أن الويب يختلف عن السوق العادي في سهولة تدمير سمعة شركة أو علامة تجارية، وصعوبة تعويض تلك الخسائر.
إدارة الخلافات مع العملاء
إننا نحاول في هذه السلسلة أن نمهد الطريق لك كي تدخل مجال العمل الحر وتتعامل مع العملاء وتؤمن لنفسك دخلًا كريمًا مع تجنب الوقوع في الأخطاء والمشاكل التي وقعنا أو نقع فيها بأنفسنا من قبلك أو وقع فيها غيرنا، وذلك ببيان الأساليب والأدوات والبرامج التي تعينك على ذلك.
لكن هذا لا يمنع من حدوث خلاف بينك وبين عميل حول تفصيل في المشروع القائم بينكما، أو بسبب تأخرك عليه في العمل، أو تأخره عليك في الردود والملاحظات أو في إنهاء المشروع ودفع باقي مستحقاتك wرغم إنهائك للعمل، إلى غير ذلك من المشاكل التي لا يمكن توقعها إلا بالتجربة المباشرة.
ولأن هذه المشاكل واردة لا محالة فإننا سنستعرض أهمها وأكثرها حدوثًا ثم نفصل في كيفية حلها بالشكل الأمثل الذي يضمن الحفاظ على سمعتك وعلاقتك مع العملاء، وسنبدأ بالحديث العام حول المشاكل الفنية والعقبات التي قد تطرأ في المشروع، ثم نعرج على بعض المشاكل التي قد تحدث من جانب العملاء ونرى كيفية التعامل معها.
فقد يحدث أنك تتأخر على العميل في تسليم ما يريد، أو تقع لك طوارئ لم تحسب حسابها، أو تختلف وجهة نظركما حول تفصيل داخل المشروع، وهكذا، وإن لم تحسن التعامل مع هذه المشاكل فسيتطور الأمر إلى نقاش حاد اللهجة ثم تصير الأمور تراشقًا شخصيًا وينتهي بإلغاء الصفقة بينكما وخسارتك للعمل وربما تقييم سيء من العميل على الويب أو على منصة العمل الحر التي أجريتما عليها الصفقة.
التعامل السليم مع الخلافات
إننا ننصحك بالتزام الحِلم والإنصاف عند النظر في تلك المشاكل، ومحاولة تفهم وجهة نظر العميل بوضع نفسك مكانه وحساب احتياجاته ومشاكله والضغط الواقع عليه من أجل تنفيذ المشروع، خاصة إن كان يمثل شركة أو جهة يعمل فيها وهي الطالبة للعمل.
فانظر في أصل المشكلة الواقعة بينك وبين العميل، هل يلومك على تقصير في عملك أم بطء في التسليم أم قلة تواصل بينكما، أم عدم التزام بمواعيد التسليم، إلى غير ذلك من الأمور.
وإني أكاد أجزم من خبرتي الشخصية أن أغلب مشاكل العملاء ستدور حول مدى خبرة المستقل بعمله وفهمه للمطلوب، والتزامه بموعد التسليم، وتواصله المنتظم مع العميل وحسن تعامله في ذلك التواصل.
ونحن في هذه السلسلة نحاول التأصيل للحلول العملية المثلى التي تعلمناها دراسةً أو خبرة كي لا تقع في الأخطاء التي وقعنا -ونقع- فيها في هذه الأبواب، فإن وقع بينك وبين العميل إحدى تلك المشاكل لسبب أو لآخر، فتفهَّم أن العميل يريد إنجاز مطلوبه، لا أكثر ولا أقل، فاجتهد أن تتجنب معه تلك المشاكل أعلاه، لكن إن وقعت فيها فأخبر العميل بسبب ذلك، وناقشه في الخيارات المتاحة التي تحفظ علاقة طيبة معه ولا تضر مشروعه في نفس الوقت.
فمثلًا، حين أتأخر في تسليم مشروع ما أو أبطئ في التواصل مع العميل أثناء المشروع فإنني أعتذر له مقابل ذلك، وإن شعرت أن الاعتذار لا يكفي فإني أعوض العميل ماديًا بخصم جزء من ثمن المشروع أو من المشروع الذي يليه إن كان بيننا تعامل لاحق.
وقد حدثني أحد المستقلين بموقف أظنه وارد الحدوث لأي أحد لكنه أكثر حدوثًا مع الذين يدخلون المجال لأول مرة، إذ قدم عرضه لعميل وقبله العميل، ثم لما بيّن له العميل تفاصيل الصفقة شعر أن المطلوب أكبر من خبرته الفنية، فأرسل إلى العميل معتذرًا عن إتمام الصفقة وطلب إلغاءها. إن هذا خير من تنفيذ المشروع بأي جودة خوفًا من التقييم السيء أو خسارة ثمن الصفقة، فشعور العميل أنك تقدر وقته وماله سيجعله يصرف نظره إلى حسن خلقك وحرصك على موارده.
وإني أزيدك في هذا الموقف أن لو كنت تعرف أحدًا من المتخصصين في ذلك المجال الذي اعتذرت عنه ثم أرشدت العميل إليه لبنيت ثقة بينك وبين العميل، ولزادت فرصة تفكيره فيك كخيار أول في المشاريع التالية، إذ يميل الناس إلى التعامل مع من بنوا معهم روابط ثقة وإن كانوا أقل خبرة من غيرهم.
وهكذا تحاول وضع يدك على أصل المشكلة ولماذا يتصرف معك العميل بهذا الشكل، ثم تحاول وضع حلول وفقًا لهذا التأصيل.
التعامل مع تجاوزات العميل
ستجد في تعاملك مع العملاء أحيانًا تجاوزات شخصية وفنية منهم وتبسط في الكلام قد يزعجك، وسننظر في تفصيل هذا كما يلي:
التجاوز في طلبات المشروع
قد يطلب العميل عينة مجانية للتأكد من جودة عملك قبل المتابعة في المشروع حفظًا لوقته، وهذا لا بأس به، لكن احذر أن تقدم عينة مجانية كبيرة، كأن تكون أكثر من فقرة أو فقرتين إن كان المشروع ترجمة أو كتابة لعقد مثلًا، أو صفحة أو صفحتين مثلًا إن كان المشروع كتابًا، أو تصميمًا لصفحة إن كان موقعًا، وهكذا.
فقد يحدث أن يراسل العميل أكثر من شخص طلبًا لعينة مجانية ويقسم المشروع على هذه العينات المجانية، ثم إذا حصل عليها ألغى المشروع.
كذلك قد يطلب العميل مشروعًا بتفاصيل معينة، ثم تقدم عرضك عليه وفقًا لهذه التفاصيل ويوافق عليها، فلما تبدأ في العمل تجده يطلب منك زيادة على ما اتفقتما عليه، فحينها تنبهه بلطف إلى أن هذا خارج عن نطاق الاتفاق، وتخبره بثمن هذه الإضافات، فإن رضي فإنك تعدِّل ميزانية المشروع وفقًا لهذا، وإلا فلك الحق في إلغاء الصفقة أو إتمام المتفق عليه فقط.
وهنا تبرز أهمية العمل على منصات مثل مستقل وخمسات وغيرها بدلًا من العمل خارجها، إذ تراجع إدارة المنصة نقاش الصفقة بينكما لتحفظ لك حقك، وتستطيع مراسلتها في حال شككت في مثل هذه الحالة أو غيرها لتنظر فيها.
السؤال عن أمور شخصية
إننا نوجه الكلام لك هنا كمستقل في هذه النقطة خاصة وفي الكتاب عامة، ألا تخلط الحياة العملية بالشخصية، ولا تتبسط في الكلام خارج نطاق المشروع إلا لحاجة، ولا تتعرض بالسؤال أو المزاح مع العميل في أمور شخصية خاصة ما استطعت.
لكن كلامنا هنا يصلح للعملاء والمستقلين على سواء، فقد تتعامل أنت مع عميل لا يرى بأسًا في إقحام الأمور الشخصية في العمل، فيسألك عن حالك الاجتماعية وأولادك وغير ذلك من باب المزاح أو التبسط في الكلام، وقد لا ترضى بهذا، وكم رأينا حالات لنساء يشتكين من أسئلة العملاء الشخصية أو مزاحهم الثقيل أو غير المقبول، فماذا تفعل إن رأيت الطرف الآخر تجاوز حد العمل إلى الأمور الشخصية؟
إن ما ننصحك به ابتداءً هو التغافل إن كان الأمر طفيفًا، فإن عاد للمرة الثانية فنبهه بلطف إلى أنك لا تخلط الحياة العملية بالشخصية وتدعوه إلى التركيز على العمل، فإن تكرر للمرة الثالثة فلك الحق هنا في طلب إلغاء المشروع بينك وبينه.
التجاوز في الأدب
قد تحدث مشكلة أثناء العمل في المشروع وتجد خطاب العميل لك حادًا في لهجته، وهذا مقبول حين تتفهم أن العميل يشتكي تأخرك أو سوء فهمك لنقطة في التنفيذ أو غير ذلك، فتحاول أن تقدم الحلول المتاحة معتذرًا له عن ذلك التقصير، لكن ماذا لو تجاوز العميل في لهجته إلى السب أو التجريح الشخصي؟
عندئذ، ادفع بالتي هي أحسن، فتغافل عن هذا السب في حقك وقدِّم الحلول المتاحة مبينًا أسباب التقصير، وأخبره أنك تتفهم وجهة نظره وغضبه إزاء تنفيذ مشروعه وطلباته، لكنك لا تتقبل هذه اللهجة في الخطاب. فإن قبل منك وأوقف ذلك التجاوز وإلا فلك أن تخبره أنك قد تلغي الصفقة إن استمر في تجاوزه في الأدب ذاك.
طلب أعمال مخالفة لشروطك
نأتي هنا لنقطة مهمة وحساسة بالنسبة لأي عامل سواء في وظيفة عادية أو بشكل حر، ماذا لو أتاك عميل يطلب عملًا مخالفًا لمبادئك أو شريعتك؟
فمثلًا يأتيك إعلان عن تصميم لطعام غير صحي، أو ترجمة لنص غير أخلاقي أو إباحي، أو نحو ذلك مما يشين المرء أن يقبض أجرًا عليه، فهل تتنازل عن مبادئك من أجل المال أم ماذا؟!
إنني أذكر واقعة رأيتها قبل بضعة أشهر من كتابتي لهذه السطور لمشروع تفريغ صوتي لمحادثة بالعربية يبدو أنها عادية لأول وهلة، لكن صاحب المشروع من شركة صينية بحثت عنها فوجدتها متورطة في قضايا مسلمي الأويغور، وقد أوقفت الولايات المتحدة الأمريكية تعاملاتها معها بسبب تلك الانتهاكات، فما بالك بالمستقلة التي كانت تعمل على المشروع، وهي مسلمة عربية؟!
وتستغل هذه الشركة تلك التفريغات لربطها بالمقاطع الصوتية ثم تغذية برمجيات الذكاء الصناعي بها لتحسين التقاطها للكلمات العربية، وفي مثل تلك الحالة نصحت صاحبة المشروع بالثبات على مبادئها ورفض مثل تلك المشاريع.
وقس هذا المثال على أي عمل قد يعرض لك، فما ذكرته هنا إلا لأنه ما حدث أمامي، وإلا فهذا لا يقيدك بشيء من دين أو قانون أو مبدأ، فالصحيح صحيح والخطأ خطأ، ومن المهانة قبول المال في عمل يخالف مبدأ أو قيمة سامية تربيت عليها.