مع انبلاج عصر التنوّر الرقمي والتكنولوجي، ومع الأزمة الصحية التي رضخت لها البشرية جمعاء في سنة 2020 وما ترتّب عنها من ركود اقتصادي، انفتح العالم برمّته على وسائل متاحة منذ عدّة عقود للحصول على دخل اضافي بأقل التكاليف.
يشكّل المورد التقني العنصر الأهم والداعم لهذا المفهوم الجديد، إذ أنّه يستقطب الحصة الأكبر من الحاصلين على هذه المداخيل. فخلافًا للمهن التقليدية التي كانت تفرض على العامل الحضور لكي يعرض قدراته الجسدية والذهنية مقابل بدل مادي محدود، فإنّ العالم يشهد اليوم تغيرًا دراماتيكيًا يُمكن القول عنه أنه إيجابي لصالح الوظائف التي لا تحتّم الذهاب الى مكان العمل. من هذا المنطلق، يمكن القول أنّ هذه الحقبة هي حقبة الدخل السلبي.
قبل التطرق لموضوع المقالة الأساسي، ألا وهو الدخل السلبي، سيتم تعريف مصطلح الدخل النشط وهو نقيض الدخل السلبي. يمكن القول بأن هذا الوجه المعاصر لطريقة تحصيل المال هو على النقيض التام للدخل النشط الذي يجسّد الوجه التقليدي لطريقة جني العائدات منذ القِدم.
الدخل النشط: الوجه التقليدي للدخل
لقد شكّلت الزراعة -وهي إحدى أقدم المهن في العالم- مصدر الرزق للكثير من العائلات والأفراد، فقد كان ربّ البيت يزرع ويبيع ما يحصده من محاصيل مقابل بدل مادي ما، وهو ما زال سائداً في الكثير من اقتصادات العالم. حيث يبيع العامل هنا عنصًرا هامًّا يتمثل في القدرة الجسدية والبدنية لإنجاز عملٍ ما مقابل المال، وهذا الأمر مماثل لمن يعرض قدراته الذهنية للبيع مثل موظف في قسم المعلوماتية لشركةٍ ما.
تعريف الدخل السلبي
بالرغم من صعوبة حصر مفهوم الدخل السلبي ضمن نطاق تعريف واحد شامل، إلا أنه يمكن القول أنّه يشمل الإيرادات التي يمكن الحصول عليها من خلال خصائص تأجير ملكية، أو من خلال شراكة محدودة أو أي استثمار آخر لا يشمل شخصًاا ما بفاعلية. كما أنّ هذا النوع من المداخيل يخضع للضرائب كباقي أنواع المداخيل وإن باستراتيجيات وكيفيات مختلفة.
من هم الحاصلون على الدخل السلبي؟
لا يمكن حصر الدخل السلبي بفئة معينة من الناس، فهو يشمل شريحةً واسعةً من أصحاب المهن الذين قد يبذلون جهودًا مضاعفةً عبر الشاشة العنكبوتية مقابل الحصول على دخل مُحدّد؛ ولكن بالإمكان القول -على سبيل المثال لا الحصر- أنّ أولئك الذين يمارسون عملهم من داخل منازلهم وعبر شاشة الحاسوب أو الهاتف بالاضافة الى بعض أصحاب المهن الحرّة، يحصدون في نهاية المطاف على هذا النوع من المداخيل بدون تكاليف مرتفعة على الصعيد المادي التي تشمل تكلفة النقل وتكاليف أخرى، فهذا النمط من الانشطة لا يتطلب أي جهد بدني ملحوظ بل قد يقتصر أحيانًا على تحويل ملف pdf الى ملف على Microsoft word.
وعلى الرغم من ضآلة ما يتطلبه هذا النوع من العمل من جهد وعناء، فإنّ ضغطة الزر هذه تولّد دخلًا إضافيًا، وهو أحد أشكال الدخل السلبي. تجدر الاشارة إلى أنّ هذا العمل قد ينطوي على مشقّات ومصاعب جمّة، ولكنّها ذات تكاليف منخفضة نسبيًّا. وأمّا بالنسبة الى عائد الحقيبة المالية فبعض الاقتصاديين والمحللين الماليين المعنيين بدراسة الأسواق المالية يعتبرونها تدرّ دخلًا سلبيًا بينما البعض الآخر يراها كمصدر للدخل الإيجابي.
أنواع الدخل السلبي
بحسب دائرة الإيرادات الداخلية، وهي وكالة فيدرالية أميركية، يتضمن الدخل السلبي عدّة أنواع تتضمن تحتها عدة فئات، حيث يمثل النوع الأوّل من الدخل السلبي الفائدة الشخصية (لن نتطرق إليه في هذا المقال). وأمّا النوع الثاني، فيعود للدخل الناتج عن خصائص تأجير ملكية ما. وثالثًا هناك الدخل الذي ينجم عن الاستثمارات. القاسم المشترك بين هذه الأعمال أنّها لا تنطوي على وجود مادّي لصاحب العمل وما يترتب عنه من عدم وجود نشاط بدني.
الدخل الناجم عن خصائص التأجير
تولد خصائص التأجير -أي ما يتعلق بتأجير أصل ما- دخلًا سلبيًا في العموم. ولكن أن يكون الفرد عاملًا في وكالة للشؤون العقارية لا يعني أنّ ما يحصده من إيرادات يندرج تحت عنوان الدخل السلبي، على العكس هذا العائد هو عائد نشط. وأمّا إن كان يملك عقارًا ما وأجّره لشخص ما أو لشركة أو لأي طرف ما، فإنّ الدخل الذي يتأتّى عن هذا العمل هو دخل سلبي.
بالإضافة الى ذلك، فإن الدخل الذي يحصل عليه الفرد نتيجة تأجير قطعة أرض ما يُعَد دخلًا سلبيًا، حيث يمكن للمالك الاستفادة من القواعد الموضوعة والموصوفة في حال خسارة الدخل السلبي في الأعوام الضريبية.
الدخل الذي يعود على المالك من استثمار لا وجود مادي له به
لنفترض أنّ أحد الأفراد يمتلك رأسمالًا معيّنا بقيمة ٣٠٠ ألف دولار ولا يرغب باستثمار معمل خاص به، ولكنه يريد الاستفادة من عوائده. فارتأى أنّ الحل الأفضل هو أن يستثمر هذا المبلغ بالاشتراك مع أحدٍ ما بالمال فقط في مشروع مضمون، ليعطيه عوائد سنوية حسب اتفاقٍ ما. تمثّل العوائد في هذه الحالة مصدرًا للدخل السلبي. ولكن هذا الأمر مشروط بعدم مشاركة صاحب رأس المال بأي عمل أو جهد مادي يساهم في انطلاق هذا الاستثمار.
هل يخضع الدخل السلبي للضرائب؟
يخضع الدخل السلبي كباقي أنواع المداخيل للضرائب من قبل مصلحة الضرائب لأي دولة. وأمّا عن النسبة التي تُقتطع من الدخل السلبي، فهي تختلف من دولة لأخرى بحسب الأنظمة الضريبية السائدة لتلك التي الدول. وتجدر الاشارة هنا إلى أنّ هناك بعض الطرق المستخدمة للتخفيف من معدلات هذه الضرائب.
سيادة المهن ذات المداخيل السلبية
لقد كان لوباء كوفيد 19 سطوةً كبرى وآثارًا هامّةً بعد التصدعات التي فضحها في الكثير من اقتصاديات العالم، حتى المتقدمة منها. ومن ضمن هذه الآثار أنّ الحياة حتى بعد انحسار الوباء لم تَعُد لما كانت عليه، فقد اعتادت البشرية اليوم على إنجاز المهام بأقل التكاليف الممكنة، وذلك من خلال الشبكة العنكبوتية. ومن هنا، فقد بات بالإمكان التعلّم عبر الانترنت، وإتمام الصفقات الكبرى، وإجراء اجتماعات على مستوى الشركات وحتى على مستوى الدول كقمة G20 التي عُقدت اونلاين بحضور الدول العشرين المتقدمة في العالم.
ومن هنا، فإنّ السؤال الأهم الذي يطرح نفسه هنا هو حول إمكانية سيادة الانترنت على طابع المهن حتى الأقدم منها، وهو سؤال تجيب عنه الأيام القادمة حتمًا. وإن كانت الأيام تحمل في طياتها إنجاز الأعمال من خلال الانترنت، إلا تلك تحتّم حضور العامل بكينونته المادية، فيمكن القول أنّ مداخيل العالم وحتى مداخيل الدول متمثلة ب GDP ستتشكل كليًا من مداخيل سلبية.
بالموجز، فإنّ الدخل السلبي هو الدخل الذي يتم تحصيله من الأعمال التي لا تشمل الوجود المادي المباشر لصاحب الدخل. ويشكّل هذا الدخل الطابع الحالي للكثير من المهن التي لا تتضمن التدخل المباشر للعامل، لا بل وجوده عن بعد كمدخل المعلومات الذي يعمل من منزله لحسابه الخاص.
يكمن السبب في كثرة استخدام هذا المصطلح في عزوف العالم الى حدٍّ ما عن المهن التي تتطلب الوجود المادي المباشر لصاحب المهنة، والإعتماد الكبير على الانترنت لإنجاز الأعمال وحتى الضخمة منها. ومن هنا يمكن القول بأنّ عصر العولمة فتح آفاقًا جديدةً للبشرية، وهي مجدية في الكثير من الأحيان.
يمكنك الحصول على دخل سلبي بإضافة منتجاتك المصممة أو المبرمجة على بيكاليكا لعرضها للبيع المتكرر، كما يمكنك عرض منتجاتك المعدة سلفًا للبيع المتكرر عبر منصات العمل الحر مثل خمسات ومستقل.