ما هو التخطيط الاستراتيجي؟
إذا بدأت في تأسيس شركتك الآن أو تسعى إلى تحقيق النمو المستمر لمؤسستك، فإنك بحاجة إلى أن تكون ملمًا بأساسيات التخطيط الاستراتيجي وأهميته وعناصره ومراحله، مع ضرورة أن تكون على دراية واسعة بكيفية وضع الخطة الاستراتيجية الناجحة لدفع عجلة التنمية لشركتك نحو الأمام.
ببساطة، تحدد عملية التخطيط الاستراتيجي المكانة التي ستكون عليها شركتك خلال العام المقبل أو بعد 3 سنوات، وتُعد من أهم مراحل نمو الشركات الناشئة. لا سيما أنها توضح الطرق التي تمكّنك من الوصول إلى هذا الهدف. وعادةً ما يكون تركيز الخطة الاستراتيجية على المنظمة بأكملها، بينما تستهدف خطة العمل المنتجات أو الخدمات التي تقدمها الشركة.
والتخطيط الاستراتيجي من أهم الأنشطة الإدارية المستخدمة لرصد وتحديد أولويات الشركات، إلى جانب التركيز على الطاقات والموارد المتوفرة في المنظمة، والتأكد من أن فريق العمل يسعى إلى تحقيق الأهداف الرئيسية والمشتركة للمؤسسة.
كما يشمل التخطيط الاستراتيجي تقييم عمل الشركات وتعديل اتجاهاتها لتواكب البيئات المتغيرة من وقت لآخر، ويُعد من أهم الأدوات التي تُسهم في تحقيق طموح المؤسسات. فلا تكاد تخلو منظمة عالمية كبرى سواء كانت خدمية أو صناعية أو تجارية أو غيرها من عملية التخطيط الاستراتيجي أو إنشاء الخطط التنموية.
لذلك، يرى العديد من الباحثين والخبراء أن عملية التخطيط الاستراتيجي بمثابة منهج فكري لا بد منه للمساهمة في الارتقاء بعمل المؤسسات وتحقيق أهدافها العامة. ويؤكد الباحثون أن التخطيط الاستراتيجي يعد جهد منظم يُساعدنا في إنتاج القرارات والإجراءات الضرورية التي تشكل وتوجه ماهية وغرض الشركات والخطوات الواجب فعلها لتحقيق أهدافها المرجوة.
وتجيب عملية التخطيط الاستراتيجي على عدة تساؤلات مثل: ماذا تفعل؟ وكيف تفعل؟ ولماذا تفعل؟ وتذهب أهدافها إلى ما هو أبعد من ذلك نحو المستقبل، حيث تساعدك على معرفة ما إذا كنت قد نجحت في تحقيق أهدافك أم لا، أم أن الاستراتيجيات التي وضعتها لا تصلح لتحقيق أهدافك، إلى جانب تقييم أعمالك وتحسين خطتك الاستراتيجية، ومن ثم تحقيق المزيد من التقدم.
ما هي الخطة الاستراتيجية؟
تعد الخطة الاستراتيجية من أهم الأدوات التي يستعين بها رواد الأعمال وأصحاب الشركات الناشئة من أجل تحسين مبيعاتها أو لتحقيق أغراضهم. فهي عبارة عن وثيقة تستعين بها الشركات لتسجيل رسالتها ورؤيتها وتستخدم أيضًا من أجل التواصل الداخلي حول أهدافها والإجراءات الأساسية لتحقيق هذه الأهداف.
وقد تكون الخطة الاستراتيجية عبارة عن صفحة واحدة أو ملفًا ضخمًا يتضمن تفاصيل جمّة عن الشركة وأهدافها. حيث تختلف الطريقة التي يتم بها تطوير الخطة الاستراتيجية بناءً على عدة اعتبارات هامة تتمثل في طبيعة القيادة التنفيذية للشركة والإدارة العليا وثقافة المؤسسة ذاتها وحجمها، وخبرة المخططين الاستراتيجيين وفرق التسويق والمبيعات ومدى تعقيد بيئة العمل داخل المنظمة.
لذا، فإن الخطة الاستراتيجية تُمثل خطة عمل شاملة طويلة الأجل لتحقيق هدف المنظمة خلال فترة زمنية محددة سالفًا. ويجب على من يضعها أن يكون خبيرًا في مجال تخصص الشركة وعلى دراية واسعة برسالتها ورؤيتها وأهدافها وسياساتها. فليس من المنطقي أن يضع شخصًا خطة استراتيجية لشركة ما وهو لا يُدرك رسالتها ولا يعرف أهدافها العامة.
ولا ينبغي الخلط بين الخطة الاستراتيجية وإعداد خطة العمل، حيث تدور عملية التخطيط الاستراتيجي حول تحديد الاتجاه الذي تريد أن يسلكه عملك أو شركتك خلال فترة مستقبلية معينة. وتستهدف توجيه أعمال المنظمة لتحقيق الأهداف المستقبلية، كما أن الخطط الاستراتيجية تستخدمها الشركات في بداية أعمالها أو في أي مرحلة في أثناء تنفيذ عملياتها لتحقيق النجاح ودفع عجلة التنمية في الشركة نحو الأمام.
في حين، تستخدم الشركات خطط العمل عند البدء في عمل تجاري. ذلك أن خطة العمل بمثابة وثيقة مهمة يحتاجها أي مشروع قبل البدء وذلك بهدف تحديد احتياجات التمويل وأصحاب المصلحة وأهداف العمل والعوامل الأخرى اللازمة لتشغيل أعمالهم.
كما أن خطة العمل تدور بشكل أساسي حول تحديد الأهداف قصيرة أو متوسطة المدى، إلى جانب رصد الخطوات اللازمة لتحقيقها. بينما تُركز الخطة الاستراتيجية في أغلب الأحوال على الأهداف المتوسطة إلى طويلة الأجل، ومن خلالها يمكن شرح الاستراتيجيات الأساسية والتكتيكات اللازمة لتحقيق هذه الأهداف.
وهناك العديد من المعلومات الأساسية والحقائق المهمة والبيانات الضرورية التي يجب أن تتضمنها الخطة الاستراتيجية حول طبيعة العمل والأهداف والجداول الزمنية لتخصيص الموارد المختلفة وتنفيذ العمليات التي من شأنها تحقيق الأهداف.
أهمية التخطيط الاستراتيجي
من المفترض أن تهتم الشركات الناشئة والمؤسسات الكبرى بعملية التخطيط الاستراتيجي اهتمامًا بالغًا، خاصة أنها العمود الفقري للإدارة الاستراتيجية الساعية إلى الريادة والتقدم والازدهار. فبدون التخطيط الاستراتيجي يتوقف نبض الحياة في الشركات ويكون مصيرها الركود والانكسار.
ويتطلب التخطيط الاستراتيجي المزيد من الوقت والجهد وإعادة التقييم المستمر. فمن خلال وضعه في دائرة اهتمامك دائمًا، يمكن أن يضع عملك على المسار الصحيح، وتستفيد من مزاياه المتعددة. بينما تجاهل هذه العملية يجعل شركتك بلا هدف ولا قيمة على الإطلاق، وبالتالي تكون النتيجة خسائر مالية فادحة وفشل ذريع في جميع النواحي.
أولًا: تحديد الأهداف
يتبلور الغرض الأساسي من التخطيط الاستراتيجي في تحديد الأهداف العامة للعمل الذي تقوم به مع وضع خطة لتحقيقه. كما أن هذه العملية تساعدك على تحديد المخاطر والتهديدات التي قد تواجهها في المستقبل في أثناء أداء مهام عملك. إضافة إلى إدارة هذه المخاطر والتغلب عليها مع الاستمرار في تولي مسؤولية عملية النمو داخل شركتك.
وعلى أي حال، فإن التخطيط الاستراتيجي مهم للغاية لأي منظمة صغيرة كانت أو كبيرة. فمن خلال عملية التخطيط الاستراتيجي يتمكن مالكي العلامات التجارية من معرفة الاتجاه الذي يسعون إليه ويشعرون به، ويستطيعون تحديد الأهداف الذكية القابلة للتطبيق والتحقيق والقياس. فإذا اهتمت شركتك بالتخطيط الاستراتيجي، فإنك تكون قادرًا على تعديل خطتك بمرونة وتغيير النهج الذي تسير عليه في أي وقت تشاء للمضي قدمًا نحو الأفضل.
وحتى تحقق أقصى استفادة ممكنة من عملية التخطيط الاستراتيجي، ينبغي على شركتك أن تفكر مليًا في الأهداف الاستراتيجية التي تسعى إلى تنفيذها والخطوات والاستراتيجيات التي تحددها لتحقيق طموحاتك، إلى جانب دعم أهدافك بمعايير واقعية ومدروسة بدقة وقابلة للقياس الكمي لتقييم النتائج. لذا، ينبغي عليك اختيار مؤشرات التخطيط الاستراتيجي التي ستُستخدم في التقييم وقياس النتائج بعناية شديدة.
ثانيًا: رؤية واحدة للمستقبل
تكمن أهمية التخطيط الاستراتيجي في خلق رؤية واحدة بين الموظفين داخل الشركة تركز على مستقبلها وذلك يساعد في الحفاظ على الأداء الجيد والنمو المستمر للشركة، كما يمكنها التوفيق بين شركتك ومساهميها، حيث يساهم في تحسين عمل الشركات وتوحيد توجهاتها وجهودها من أجل تحقيق غاياتها مع إشراك جميع الموظفين والمديرين في هذه العملية.
ومن خلال توعية الجميع بأهداف شركتك وكيفية تحديد أهدافها وأسباب اختيارها، وما الذي يمكن للموظفين فعله للمساعدة في الوصول إليها، تكون قادرًا على خلق شعور متزايد بالمسؤولية في جميع أرجاء الشركة. إذ يمكن القول بإن التخطيط الاستراتيجي يؤكد على ضرورة أن يكون هناك مسؤولية مشتركة من أجل تحقيق الأهداف العامة للشركة والحصول على مكانة مرموقة في ميدان السوق وسط منافسيها المتصارعين.
وتساعد عملية التخطيط الاستراتيجي، موظفي الشركة على تصور مستقبل شركتهم والتنبؤ بالفرص الآمنة والمخاطر قبل حدوثها. كما تضمن هذه العملية الاستثمار الجيد لموارد الشركة والاستخدام الأكثر فعالية لها من خلال التركيز على الأولويات الأساسية وتنمية مهارات الموظفين بالشركة.
ومن خلال التخطيط الاستراتيجي يمكنك التعمق في الماضي ودراسة الحاضر وتوقع ما سيحدث في المستقبل، إذ أنه وسيلة جيدة للتفكير الإبداعي والإداري للارتقاء بمؤسستك والتوجه بها نحو القمة والازدهار. كما أنه أداة تعليمية وفرصة ذهبية للتفاعل الشخصي مع فريق العمل داخل الشركة وخارجها، كما يسمح بتطوير القدرات الإدارية للمديرين والموظفين ويُثري أهداف المؤسسة من أجل تحويلها إلى واقع ملموس.
ثالثًا: تحديد مؤشرات الأداء الرئيسية
لا تقتصر أهداف التخطيط الاستراتيجي وأهميته عند وضع الأهداف، إنما تمتد إلى تقييم هذه الأهداف التي تسعى لتحقيقها أو تتبع ما وصلت إليه من إنجازات أو إخفاقات أثناء تنفيذ الخطة. مع العلم أن الأهداف الاستراتيجية تعتمد على جمع وانتقاء أفضل المعلومات والبيانات إلى جانب التقييمات الأكثر واقعية لما يمكن لشركتك تحقيقه، وذلك تستطيع تحقيقه من خلال تحديد مؤشرات الأداء والمقاييس بدقة وعناية.
فإذا كنت تُخطط لتنمية أعمالك في متجر ملابس بنسبة 20% خلال العام، لكن قرر أحد الأشخاص أن يفتتح متجرًا بالقرب منك في نفس مجالك مستقبلًا، فمن المحتمل أنك ستُعيد تحديد أهدافك وتقييم التقدم حتى تتمكن من الحفاظ على حصتك في السوق. والعمل على تحسين نتائج خطتك باستمرار حتى تضمن الاستمرارية والتفوق على منافسك الجديد.
كما يمكنك وضع خطة استراتيجية جديدة من خلال تتبع التقدم نحو الأهداف. فحينما يفهم كل أفراد شركتك، الاستراتيجية التي تسير عليها، فإنه يمكن أن يؤثر تقدمهم بشكلٍ مباشر على نجاحها، ما يخلق نهجًا من أعلى إلى أسفل لتتبع مؤشرات الأداء الرئيسية KPIs.
فمن خلال تخطيط استراتيجية شركتك وبعد تحديد أهدافك، يمكن تحديد المقاييس ومؤشرات الأداء الرئيسية والثانوية لتتبع هذه الأهداف. ويمكنك بعد ذلك تحسين نتائج خطتك وتوسيع أهدافك لتشمل الإدارات المختلفة داخل شركتك بحيث تؤدي جميعها إلى تحقيق رسالة الشركة ورؤيتها في نهاية المطاف. وهذا يضمن لك تناسق أهداف مؤسستك ويؤثر بشكلٍ إيجابي على مؤشرات الأداء الرئيسية وبالتالي على أداء عملك.
أنواع التخطيط الاستراتيجي
هناك ثلاثة أنواع من التخطيط الاستراتيجي، إلا إن معظم الشركات تستعين بنوع واحد من بينها، لكن يرى خبراء التخطيط أهمية أن تنظر المؤسسات إلى جميع أنواع التخطيط الاستراتيجي، خاصةً أن المنظمات تسعى عادةً إلى تحسين الأداء وتطويره، وهذا الأداء يختلف مفهومه من مكان لآخر.
1. تخطيط المعاملات
تخطيط المعاملات يُعد أحد أنواع التخطيط الاستراتيجي الذي يهتم بتسيير الأعمال ويتمثل هدفه الأساسي في الحفاظ على الأداء الجيد عن طريق القيام بنفس المهمة لكن بطريقة أفضل. ويُعرف تخطيط المعاملات أيضًا بأنه واحد من الأساليب والوسائل الهيكلية التي يتم الاستعانة بها لحل مشكلات العملاء من خلال مستشار أو مخطِط.
وفي كثير من الأحيان يكون أصحاب الأعمال الصغيرة في صناعات البيع بالتجزئة والخدمات أكثر ميلًا إلى تبني استراتيجية تخطيط المعاملات في الخطط التسويقية لمنتجاتهم. ويرى خبراء التسويق أن جهود التسويق في هذه الاستراتيجية المهمة تركز على زيادة المبيعات إلى حد كبير، إلا أنها لا تهتم كثيرًا بالحفاظ على علاقات العملاء طويلة الأجل.
2. التخطيط التحويلي المتوقع
يُحلل التخطيط التحويلي المتوقع، أداء الأعمال في الفترات السابقة، كما أنه يبحث عن الاتجاهات المستقبلية المحتملة التي يمكن لموظفي الشركة تبنيها وتؤثر في الأداء. كما أن هذا النوع من التخطيط يمثل طريقة مباشرة لتحدي الشركات المنافسة ويهدف إلى التغيير بشكل كبير.
3. التخطيط التحويلي الثوري
يُعد التخطيط التحويلي الثوري أكثر أنواع التخطيط الاستراتيجي جراءة مقارنة بالنوعين الآخرين، لأنه يتبنى دائمًا الاتجاهات الحالية إلى جانب الاتجاهات المستقبلية المحتملة. وغالبًا ما تتسم المنظمات التي تتبنى فكر وعقلية التخطيط التحويلي الثوري بالسرعة والرغبة في تشكيل المستقبل.
وهناك العديد من النماذج التي توضح مفهوم التخطيط التحويلي الثوري، إلا أن أبسط مثال يمكن تقديمه يتمثل في التطور الهائل الذي يطرأ في الهواتف المحمولة الذكية منذ ظهورها، حيث تستمر هذه هواتف في تغيير الطريقة التي يتواصل بها الناس يوميًا من خلال دمجها مع التقنيات الرقمية والأدوات التكنولوجية الجديدة التي لم نسمع عنها من قبل. فقد سهلت التكنولوجيا من تطبيق التخطيط التحويلي الثوري في السنوات الماضية.