تتعدد طرق تربية الاطفال، فهناك من يتبع طريقة الحزم الشديد أو التساهل الشديد أو المزج بين هذا وذاك، كما أن البعض يعتبر الأطفال على قائمة الأولويات والبعض الآخر يحب وجود مسافة بينه وبين الأطفال، وصاحب كل طريقة يرى أنها الأفضل في التنشئة.
في الحقيقة فإن تربية الاطفال من الموضوعات التي تخضع للكثير من التجارب والفروق سواء نظرا للظروف الاجتماعية والمادية للوالدين والحالة الصحية العامة وعدد الأطفال في المنزل والفروق الفردية للأطفال وغيرها من أمور تجعل من الصعب للغاية فرض طريقة تربية واحدة صحيحة أو اتباعها بطريقة دقيقة إذ يمكن أن يعامل الأبوين الطفلين بنفس الطريقة.
لكن ينشآن مختلفين تماما رغم النشأة في نفس الظروف، ولكن رصد العلماء 4 طرق تربية تتبعها معظم الأسر في العصر الحديث، كما قيَّموا كل منها للتعرف على العيوب والإيجابيات مع بعض النصائح العامة التي يمكن أن تكون دليل للأبوين لأجل تربية الاطفال والنجاح في الوصول بالأبناء إلى برّ الأمان.
أكثر طرق تربية الاطفال شيوعا وعيوبها وإيجابياتها
تؤثر طريقة تربية الاطفال على كل شيء في حياتهم ابتداء من الوزن والنمو البدني إلى النمو العقلي والثقة بالنفس وتحقيق النجاح، لذا من المهم أن نتأكد من اختيار طريقة تربية الاطفال الصحيحة لدعم التطور والنمو الصحي للابناء، حيث أن الطريقة التي نتعامل بها معهم وكيفية تربيتهم ستؤثر عليهم طوال الحياة، ومن أهم أنماط تربية الاطفال:
1. التسلط والاستبداد في تربية الاطفال:
ومتبعو هذا النمط يعتقدون أن الأطفال لا يجب سماعهم بل يتوجب فقط مراقبتهم، وتجنب التأثر بمشاعر الأطفال وعدم الاعتداد بها، كما يتم تجاهل أي طريقة يرغب بها الطفل في تنفيذ الأوامر بل يجب تنفيذها بطريقة معينة وفقا لتوجيهات الأم والأب أو كليهما.
الوالد السلطوي أو المستبد يعتقد أن الطفل لابد أن يتبع القواعد بصرامة دون أي استثناء، ويشتهر هذا الأب عادة بجملة (لأني قلت ذلك) وذلك ردا على أي استفسار من الطفل عن السر وراء القاعدة الموضوعة.
ولا تسمح هذه الطريقة للطفل بالانخراط في التحديات أو حل المشكلات، حيث يتم رسم القواعد وفرض العواقب دون أي تفاوض مع التركيز على الطاعة التامة.
وفيها أيضا يتم استخدام العقوبات بدلا من التركيز على الانضباط مما لا يسمح للطفل بمعرفة الاختيارات الأفضل بل يتعلم فقط الشعور بالأسف على أخطائه.
ورغم أن هذه الطريقة تبدو منفرة إلى حد كبير لكنها للأسف الأكثر انتشارا حتى دون وعي من الأبوين أنفسهما، ويعتقدان دائما أنهما أقل حدة وسلطوية من الآخرين أو من الجد والجدة، لكن لا يتم المقارنة على الإطلاق بين جيلين مختلفين، ولكن تتحدد القواعد وفقا لمفهوم العصر، فهناك أمور لا يجب تجاوزها، ولكن أمور أخرى لابد أن تبقى مرنة.
والطفل الذي ينشأ لأبوين متسلطين أو أحدهما يتعلمون اتباع الأوامر بحذافيرها لكن هذا ليس دون ثمن، إذ أنهم يكونون أكثر عرضة لمشاكل احترام الذات ويعتقدون دائما أن آرائهم غير ذات قيمة.
كما يمكن أن يصبحون عدائيين أو عدوانيين، وبدلا من التفكير في كيفية إنجاز المهام بشكل أفضل في المستقبل يتم التركيز على الغضب من الأبوين كما يتم التركيز أيضا على كيفية تجنب هذا الغضب، ويمكن أن يُصبح الطفل كذابا في محاولة لتجنب العقاب.
2. التربية متبادلة الثقة:
وفي هذا النوع من تربية الاطفال يحرص الأبوية على بناء علاقة إيجابية مع الطفل، ويشرحا الأسباب الكامنة وراء تطبيق أي قاعدة، ويتم فرض القواعد وبذل محاولات كبيرة للالتزام بها ووضع عقوبات على تجاهلها تتناسب مع درجة الخطأ، فهذه الطريقة يهتم فيها الأبوين بمشاعر وآراء الابناء حتى في طفولتهم ويؤكدون للأبناء الأكبر سنا أنهم يتحملون المسؤولية.
ويتم استثمار الوقت والطاقة في محاولة منع ارتكاب السلوك السيء بالإضافة إلى استراتيجيات انضباط إيجابية لتعزيز السلوك الجيد عن طريق التشجيع والمكافآت المادية والمعنوية.
وقد أكد الباحثون أن الأطفال الذين ينشأون وفقا لهذه الطريقة يستطيعون في الأغلب التعبير عن رأيهم بحرية كبيرة دون توجيه إهانات إلى الغير، وعادة ما يكونون سعداء وبالتالي ناجحين، حيث تتكون لديهم ثقة أكبر في اتخاذ القرارات وتقييم المخاطر والنتائج لكل قرار بمفردهم.
3. الطريقة المتساهلة في تربية الاطفال:
وفي هذه الطريقة يتم وضع القواعد ولكن نادرا ما يتم تطبيقها، أو تطبيقها فقط امام الضيوف والأغراب، ولا يتم الاهتمام بالعقوبات، ويعتقد الأبوين متبعي هذه الطريقة أن الطفل سيتعلم بمفرده مع قدر قليل من التدخل، حيث لا يتدخلان عادة إلا في حالة وجود مشكلة خطيرة للغاية أو تهديد لحياة الطفل.
وعادة ما يتخذ الوالد المتساهل دور صديق للابن أكثر منه أب فيتم تشجيع الأبناء على التحدث عن مشاكلهم لكن نادرا ما يتم اتخاذ خطوات لتعليم السلوط الجيد أو تثبيط السلوك السيء.
والطفل الذي ينشأ في بيئة متساهلة أكثر من اللازم أكثر عرضة للفشل أكاديميا حيث يصعب عليه للغاية الالتزام بالقواعد، ولا يهتمون بالسُلطة كما يكون احترامهم لذاتهم منخفضا وقد يعانون من الكثير من الحزن.
ربما يتبع هؤلاء الآباء هذه الطريقة من باب التدليل والحب الزائد وعدم القدرة على معاقبة الطفل، لكن هذا يساهم في تنشئة طفل سوي إذ أن الحب لا يعني عدم التعليم.
كما يمكن أن يعاني الطفل في هذه البيئة من مشاكل صحية مثل البدانة نتيجة التساهل معه في عدم رفض الوجبات السريعة أو الحلوى المغلفة وعدم القدرة على رفض أي طلب له، بالإضافة إلى عدم القدرة على إقناعه بأي سلوك جيد مثل تناول الفاكهة والخضروات أو غسل الأسنان مما يضر بالطفل.
4. التجاهل من طرق تربية الاطفال:
وهذه هي الطريقة الرابعة من طرق تربية الاطفال التي رصدها العلماء، وهي ليست طريقة بالمعنى المفهوم أو مثل الطرق الأخرى التي يكون لدى الابوين هدف ما منها، ولكن التجاهل يكون سمة من سمات الأبوين مع الأطفال، فلا يتم سؤال الطفل عن المدرسة أو الواجب المنزل، ونادرا ما تعرف الأم أين الأطفال، وبالطبع لا يتم قضاء أي وقت على الإطلاق مع الطفل.
وسواء كان هذا التجاهل لخلل عقلي لدى الأم أو الأب أو كلاهما كأن يكونا من متعاطي المخدرات أو المواد الكحولية، أو تكون نتيجة إعاقة جسدية أو عقلية، أو حتى نتيجة للاهتمام بالعمل وتحقيق النجاح في الخارج أو غيرها.
سواء تم ترك الاطفال مع أشخاص غرباء أو بمفردهم فإن هذه الطريقة تعتبر إهمالا تاما للأطفال سواء عن عمد أو عن جهل باحتياجات الطفل والطريقة الصحيحة لمساعدته على النمو.
وكثيرا ما يعاني الطفل الذي نشأ وفقا لهذه الطريقة من قضايا احترام الذات ويميلون إلى أن يكون مستواهم ضعيفا في المدرسة، وأيضا تظهر لديهم مشاكل سلوكية متكررة وانخفاض في درجة السعادة.
وكما ذكرنا فإن مسألة تربية الاطفال لا يوجد فيها طريقة صحيحة 100% ويمكن للجميع اتباعها ولا طريقة خاطئة 100% ويجب على الجميع تجنبها، إذ غالبا ما يميل الآباء إلى المزج بين الطرق الأربعة السابقة مع تغلب طريقة منهم على الطرق الأخرى.
فيمكن أن يكون الأب متسامحا لبعض الوقت أو متسلطا للغاية، كما يمكن أن يتم اتباع طريقة التجاهل تماما في أحيان أخرى عند الشعور بالإرهاق أو المرور بفترة كآبة أو الانشغال بالفواتير والأعباء المالية.
كما أن طرق التربية تختلف من ثقافة إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر، وحتى في الأسرة الواحدة يمكن اتباع قواعد مختلفة إلى حد ما مع الأبناء حيث تتدخل مهارات الطفل وسلوكه وصفاته الوراثية في الأمر أيضا.
نصائح من المهم مراعاتها عند الاهتمام بتربية الاطفال
وهذه النصائح موجهة في الخصوص لمن يهتم بتنشئة طفل سعيد وناجح وليس لمن يرى أن الأطفال هم في المرتبة الثانية أو الثالثة من الحياة وأن العمل والترفيه والاستمتاع بالحياة أهم من تنشئة الأطفال.
هذا لا يعني بالطبع الحرمان أثناء تربية الأطفال، لكن ما نقوله أن من يقرر الإنجاب عليه مراعاة مسؤولياته قدر الإمكان وهي التي تتخطى بكثير مجرد توفير الطعام والشراب، إذ أن التنشئة النفسية والتربية هي الأهم، ومن أهم قواعد تربية الاطفال لتنشئة سليمة:
1. تعزيز ثقة الطفل في نفسه:
إن الطفل يُطوِّر إحساسه بذاته من خلال رؤيته لنفسه في عيون الوالدين، حيث يتم استيعاب نبرة الصوت وإشارات الجسد وكل تعبير من الأبوين للطفل، كما تؤثر الكلمات والأفعال عليه منذ المهد، لذا فإن الثناء على أي إنجازات يقوم بها الطفل مهما كانت صغيرة ستجعله يشعر بالفخر.
ستؤدي إلى تحفيزه لعمل المزيد، لكن بعض الآباء يتجاهلون التشجيع على أساس ألا يعتاد الطفل على إنجاز الأمور السهلة ويحاول تأدية الأصعب، لكن هذا لن يحدث مطلقا دون الثناء عليه عند القيام بالمهام البسيطة.
وعلى العكس من ذلك فإن التقليل من إنجازات الطفل ومقارنته بأطفال آخرين حتى لو أشقائه سيقلل من ثقته في نفسه، لذا يجب تقليل الانتقادات قدر المستطاع والحرص على الإشادة بالسلوك الإيجابي مثل غسل الأسنان أو ترتيب الغرفة أو اللعب مع الشقيق الأصغر بهدوء وإيجاد أي نقاط للإشادة.
حتى إذا ارتكب الطفل خطأ ما وقمت بتنبيهه عليه يحرص على إرضائك في المرة المقبلة للحصول على الإشادة، ويكون لديه رصيد من الحب يسمح له بتقبل الانتقاد.
2. وضع القواعد والالتزام بها:
لا يعني دعم وتشجيع الأطفال عدم وضع القواعد، بل لابد من وجود قواعد لمساعدة الأطفال على اختيار السلوك المقبولة وتعلم ضبط النفس، ويحب الأطفال عادة اختبار تلك الحدود لمعرفة رد الفعل.
مثل ضرب الطفل الأصغر سنا أو القفز من الفراش أو الكذب أو عدم غسل الأسنان وهكذا، ويجب أن تكون القاعدة واضحة تماما للطفل قبل العقاب عليها، فإذا تأكدت من وضوحها يجب لومه على كل نسيان أو تجاهل للقاعدة.
ليس الضرب فقط هو العقاب الوحيد كما يظن الكثير من الآباء، ولكن يمكن للتجاهل أو الحرمان من اللعبة المفضلة أو حتى عدم سرد القصة المحببة أن يمثل عقابا للطفل.
وعلى القواعد أن تكون سارية على كل الأطفال في المنزل وعلى الأبوين أيضا، فإذا كانت الحلوى ممنوعة في وقت معين لا يجب على اي فرد تناول الحلوى، كما أن الاستيقاظ مبكرا أو تناول الطعام مع الأسرة و غيرها من قواعد يجب أن تكون مشمولة للجميع دون أي استثناءات إلا في أحوال نادرة للغاية مع توضيح ذلك الاستثناء للأطفال.
3. تخصيص وقت كافٍ للأطفال:
ولا يعني هذا وقت الطعام والشراب والاستذكار، بل وقت للتواصل والمشاركة في الاهتمامات واللعب، وهذه المهمة رغم أهميتها الشديدة إلا أنها من الأمور الصعبة للغاية على الأم والأب نظرا لتراكم أعباء المنزل والعمل وصعوبة الحياة المادية فيتم إهمال الجلوس مع الأطفال أو الأبناء كوقت للسمر وليس تأدية مهام ضرورية.
لكن نصف ساعة فقط من التركيز مع الطفل بمفرده دون وسائل تواصل اجتماعي أو هواتف أو استذكار، لكن فقط مشاركته ما يفعله أو تعليمه لعبة جديدة أو رواية قصة له ستفرق كثيرا جدا في سلوكه العام والتزامه بالقواعد الموضوعة.
وهذا سيفيد للغاية في وقت المراهقة والذي يتسم في العادة بارتطام الأراء وعنف المراهق وعدم تقبله لأي شيء من والديه، لكن التعود على تمضية وقت ولو قليل معه يوميا سيجعل الأبوين منبع حب واحترام وليس خوف ورمز للسُلطة فقط والتي ينفر منها المراهق عادة.
4. المرونة:
كثيرا ما يشعر الأبوين بالانهيار من سلوك الطفل، ولكن هذا قد يكون لأن طلباتهم أصلا غير واقعية، فمثلا عند التدريب على دخول المرحاض أو عند استذكار الدروس أو لعب الرياضة وغيرها، يمكن أن يقارن الوالدين بين طفلهما وطفل آخر غير عالمين أن لكل طفل مواهبة وقدراته الخاصة.
لذا على الأبوين أن يكونا أكثر مرونة في توقعاتهما من الطفل مع محاولة حثه على زيادة قدراته أيضا فهذا من واجبهما، لكن بهدوء ودون ضغوط حتى لا تنفره من المهمة. فمثلا إذا أردت لطفل عمره 3 أعوام حفظ سورة من القرآن الكريم مثلا.
فغالبا ستتكرر أمامه عشرين مرة على الأقل قبل أن يبدأ في التقاط بعض كلماتها ويمكن أن يملّ من التكرار ويشعر بالنفور، وهنا يجب على الأبوين التراجع والبدء في وقت لاحق وهكذا، فابدأ في تطوير مهارات طفلك بهدوء ومرونة مع تقبل أن قدراته ستقف بالضرورة عند حد معين.
5. تشجيع المواهب الخاصة:
مسألة المواهب شائكة للغاية، إذ غالبا ما يركز الأبوين على تعليم المواد الجامدة ولا يُبدون أي اهتمام على الإطلاق بتشجيع المواهب والقدرات الخاصة، مثل تعلم الموسيقى أو الرسم أو لعب رياضة معينة والمهارة فيها، وهذا بالطبع يكون حرصا منهم على التعليم الذي هو من أهم الضرورات بالطبع.
لكن ترك مساحة للطفل يُمارس فيها شيئا يحبه أو يهواه بحدود معقولة وبعد إتمام مهامه وواجباته يساعد أكثر على تفتيح عقله ومده بالطاقة والنشاط للاستجابة لمطالب الابوين، فالحرص على التعليم ضروري، لكن لا يجب كبت رغبات الأطفال المشروعة وتنمية الجوانب الفكرية والجسدية أيضا.
6. احترام الاختلاف:
يتوقع الأبوين في الكثير من الاحيان أن الطفل لابد أن يشبه في سلوكه أحد فيهما، وهذا صحيح في الكثير من الاحيان، لكن الطفل له شخصيته المستقلة أيضا منذ الصغر، فليس معنى أنك تحب الهدوء أثناء الاستذكار أن الطفل يجب عليه أن يحب الهدوء أيضا ولا يجب أن يذاكر في الضوضاء أو على أنغام الموسيقى.
فالعقاب يكون على النتائج الدراسية النهائية، وحتى مع محاولات تغيير السلوك لابد أن يتم هذا بهدوء مع تقبل وجود اختلافات في الشخصية وفي طريقة تادية المهام، فيجب التركيز على النتيجة النهائية وليست طريقة الوصول إليها طالما تمت بطريقة مشروعة فهذا يُشجع الإبداع لدى الطفل ويجعله أكثر ثقة في نفسه وفي قدراته وأكثر تقديرا للأبوين.