تعلمنا صغارًا أنه يجب أن تتعلم لتدخل الجامعة حتى تجد وظيفة وتبني عائلة، ولكن لم يخبرونا أن ما سنتعلمه بالجامعة ربما ليس هو ما يحتاجه سوق العمل. بالجامعة تعلمنا الكثير من المفاهيم والمبادئ العامة، حفظنا بعضها ونسينا بعضها. توجد مشكلة بسيطة بالتعليم عامة، ربما لك دور في هذه المشكلة أيضًا، المشكلة ببساطة أنهم يقدمون لك السمك والسنّار ولكن لا يعلموك الصيد. يقدمون لك حوض تعليم السباحة، لا تتجاوز فيه المياه خصرك، لتتخرج بعدها وتُلقى في محيط لا عمق له. يعلموك أن هذا الكتاب هو الأفضل والامتحان لن يخرج منه، كل ما عليك هو أن تستذكره لتحصل على هذا التقدير، لكن لم يؤهلوك بمهارات سوق العمل التي تحتاجها في مسيرتك.
لم يعلموك أن هذه المهارة هي من المهارات التي تؤهلك للسباحة بأي بحر أي كانت كثافته، لا يعلمونك أن أهم ما يكوّن شخصيتك ليست تلك المعلومات أو المحتوى إنما قدرتك على التعامل معها. إذا كان النظام “معطوبًا” -إمكانياتك- فإن أي مدخلات لذاك النظام لن ينتج عنها سوى مخرجات معطوبة أيضًا. ما تتعلمه بالجامعة هو القدرة على التعامل مع أي معطيات بطريقة واحدة، مع أنه لا يوجد نوع واحد من المعطيات، بل وبتلك الحياة التي نعيشها فإن طريقة واحدة للتعامل مع كل تلك المعطيات باختلافاتها لن يزيد من حياتك إلا بؤسًا. فما هي المهارات المطلوبة في سوق العمل والتي لم تتعلمها في الجامعة؟
1. مهارة البيع
أي وظيفة بهذا العالم قائمة على مبدأ أنك تمتلك شيئًا وغيرك يحتاج إليه، سواءً كان ماديًا أو معنويًا. ومن ناحية أخرى، أنت تحتاج أيضًا شيئًا يمتلكه شخص آخر وهكذا. لذلك، فإن القدرة على البيع من أهم مهارات سوق العمل التي يجب أن تطورها لديك. فكر بها لحظة، مقابلة العمل ما هي إلا بيع مهاراتك لتلك الشركة، تقديم القيمة التي تمتلكها أنت بصورة رائعة بحيث تستطيع الشركة تقديرها ومن ثم توظيفك. إذا تقدم شخصان لديهما نفس المهارات والمؤهلات المطلوبة لنفس الوظيفة، فإن من يمتلك مهارة البيع هو من سيحصل على الوظيفة، لأنه استطاع أن يُظهر القيمة التي سيضيفها للشركة في حين أن الآخر لم يستطع أن يصوغ مهاراته بالكفاءة نفسها.
لا يختلف الأمر بالعمل الحر، إلا أنك ستحتاج أن تبيع القيمة التي تمتلكها لأكثر من شركة وأكثر من شخص. ماذا عن “البيع الواقعي” بيع المنتجات والخدمات، هل تستطيع تحقيق زيادة في المبيعات إلا عندما تمتلك تلك المهارة؟ لتتقن مهارة البيع يجب أن تتعلم كيف تعرض الأفكار والمنتجات بصورة جيدة “Presentation”، ويجب أن تتعلم كتابة الإعلانات “Copywriting”، الأولى للتعامل وجهًا لوجه، والثانية للتعامل من وراء الشاشات.
2. مهارة التفاوض والإقناع
في مثال مقابلة العمل، لنفترض أنك كنت تمتلك مهارات البيع لتكتب الخطاب المرفق بطريقة جيدة، و تعرض مهاراتك ومؤهلاتك جيدًا، ومن ثم تم قبولك في الوظيفة، لتأتي نقطة التفاوض على الراتب، مقارنة بشخص لديه مهارة التفاوض فقد تحصل على راتب أقل منه. هذه المهارة من أهم مهارات العمل الحر لأنك ستحتاجها في كل مشروع أو عقد عمل سيواجهك، لأن كمّ الاختلافات التي ستواجهها من الزبائن وأصحاب العمل كثيرة، فمنهم من يفهم بالضبط المقابل المادي لمهاراتك، منهم من لا يعرف أي شيء عن عملك هو فقط يريدك أن تنجز العمل وتتقاضى أجرًا لا يؤثر بميزانيته.
على الجانب الآخر، إذا كنت صاحب عمل أو مؤسس لشركة ناشئة فإن مهارة التفاوض ستفيدك في التعاقدات وعمليات التوظيف وعمليات الاستحواذ وغيرها مما ستقابله مع شركتك. أهم مبدأ بمهارة التفاوض هو ألا تجعل الآخر يشعر بأنه تم استغلاله أو النصب عليه، لا تجعل الأمر يبدو حربًا، لأنه عاجلًا أم آجلًا سيكتشف ما حدث، وفي هذه الحالة ربما تكون ربحت صفقة أو عملية توظيف لكنك خسرت علاقة ربما تفيدك بالمستقبل، تعامل دائمًا بمبدأ “Win-Win Situation”.
3. مهارة التخطيط
ستأتي فترات عليك تعمل بها بأقصى طاقة، وفترات أخرى بأدنى طاقة، ما تتعلمه في الجامعة هو أن تذاكر بجد طوال الوقت، لكن ماذا عن العمل بجد، ما الذي يحفزك وما الذي يدفعك للاستمرار؟ هل الضغوط هي ما تجعلك تعمل بأفضل حالة، أم رغبتك في إتقان تخصص معين؟ كل هذه الأمور ليست لديك الفرصة لتعرفها عن نفسك في أثناء الجامعة، أنت فقط تختار حالة واحدة لتصل لما تريد، لكن ماذا عن التطوير والتحسين. مهارة التخطيط والتنظيم ستساعدك في تطوير مهاراتك في العمل والحياة الشخصية وتجعلك أكثر إنتاجية.
4. مهارة التواصل
إحدى أهم مهارات سوق العمل هي مهارة التواصل، لا يُعني بالتواصل الحديث دون توقف، بل إن التواصل الجيد يأتي من الاستماع جيدًا أولًا. مهارات التواصل الجيدة تتسم بالوضوح، وضوح الفكرة والمعنى والنغمة والمقصد. التواصل يأتي على عدة أشكال منها التواصل الفردي من شخص لشخص وجهًا لوجه أو هاتفيًا أو عن طريق الكتابة أو تواصل فرد مع مجموعة من الأشخاص، وقد يكون على شكل مطبوعات، وأيضًا حركات الجسد وتعابير الوجه نوع من التواصل. مهارة التواصل مهمة في جميع المجالات فالقائد يحتاج لمهارات تواصل، والمسوق يحتاج لمهارات تواصل وغيره.
5. مهارة التعاون والعمل الجماعي
أن تملك المهارة في أن تكون فردًا فعالًا في الفريق، تدير علاقاتك وتتعامل بشكل إيجابي سليم مع الفريق وتتلقى الإرشادات المختلفة من أفراد الفريق نحو تحقيق هدف واحد مشترك معين هو ما يعنيه التعاون. وهو من أهم مهارات سوق العمل لتتمكن من التأقلم وأداء واجباتك بشكل فعال مع خلق بيئة عمل إيجابية مع باقي أعضاء الفريق. يمكنك تنمية مهارة التعاون من خلال الاشتراك مع مجموعة في إنهاء مشروع جامعي، أو الانخراط في نشاط تطوعي، أو الاشتراك بنادي رياضة جماعية ككرة القدم.
6. مهارة حل المشكلات
مهارة حل المشكلات مهمة في إيجاد حلول للمشكلات والعقبات التي ستواجهك في خلال طريقك لتحقيق هدف معين، وهذه المهارة تتضمن التفكير المنطقي والبحث والتحليل والربط. ستحتاج لهذه المهارة في حل النزاعات مع أفراد الفريق التي قد تكون نتيجة لترابط المهام بينك وبين باقي الأفراد أو قلة التواصل بينكم أو بسبب اختلافات في معايير الأداء. مهارة حل المشكلات ستفيد في تطوير جوانب مختلفة فيك أيضًا عندما تكتشف القصور فيها، أقرب مثال لهذا هو عندما تكتشف أنك تضيع عدد من الساعات على مواقع التواصل الاجتماعي، وهذه الساعات يمكن أن تستفيد منها في إنجاز هدف ما، حينها عليك البحث وتحليل المشكلة لتتمكن من إيجاد حلول عملية تطبقها وتتبعها لتتخلص من هذه المشكلة وتحقق هدفك.
7. مهارة التعلم والاحتراف
لا تستطيع تعلم هذا بالجامعة حيث تدرس أكثر من مجال في وقت واحد. الاحتراف لا يأتي بين يوم وليلة، لكنه يحتاج إلى كثير من الوقت والجهد، توجد نظرية شهيرة أنك تحتاج (10.000) ساعة لتحترف شيئًا ما، يبدو أمرًا مثبطًا للغاية. لكن لتفكر للحظة، ما هو كم الساعات الضائعة باليوم والتي تقضيها بأشياء أخرى تضيع عليك فرصة احتراف هذا التخصص؟ أمر آخر هل هذا الشيء الذي تضيع عليه وقتك، يمكن أن تجعله أمرًا مساهمًا في احترافك لهذا التخصص؟
كم من الوقت الضائع الذي تقضيه على الشبكات الاجتماعية؟ ببساطة شديدة إما أن تستبدله بوقت آخر لدراسة التخصص أو تستخدم هذه الشبكات لتساعدك على احتراف هذا التخصص. سأحدثك عن تجربتي مع الحل الثاني وهو استخدام تلك المنصات لتساعدك على الاحتراف. في يوم ما قررت أن أجعل هذه الشبكات تعمل لصالحي، ألغيت الاشتراك ببعض الصفحات وألغيت متابعة بعض الأشخاص، تجاهلت الكثير من المنشورات، أعدت التغريد والإعجاب بمنشورات معينة حتى لو لم تعجبني حقًا -طالما خاصة بالمجال الذي أريد احترافه- تابعت الأشخاص المؤثرين بهذا المجال. على سبيل المثال في مجال الكتابة والتسويق الرقمي أتابع نيل باتل، جيف جوينز، دارين براوز، وغيرهم.
العجيب بهذه الطريقة أنها تلقائيًا تجعلك تبتعد عن الشبكات الاجتماعية، فكلما شاهدت مقالًا جذبني، أفتح لسانًا بالمتصفح لأقرأه وأغلق الفيس بوك. إذا كنت تريد استبدال الشبكات الاجتماعية منذ بادئ الأمر، فموقع حسوب I/O وتطبيق قارئ الأخبار في أداة أنا كافيان جدًا لقضاء معظم وقتك تقرأ وتناقش وتتدارس التخصص الذي تريده ويهمك. كذلك متابعة المدونات ومواقع التعليم مثل أكاديمية حسوب.
الفكرة أن تجعل معظم وقتك مشغولا بـ/عن التخصص الذي تريد احترافه، وربما تقترب من 10.000 ساعة مع مرور الوقت. طبق مبدأي الاستبدال أو الاستخدام في الأمور الأخرى على حسب الملائمة، مثلًا الأوقات الضائعة في المواصلات لا يمكن الاستغناء عنها، لذا استخدامها فيما هو المناسب، كسماع الملفات الصوتية أو تحميل بعض الكتب لقرائتها على الهاتف أو التابلت.