لقد أمضيت الأعوام العشرة الماضية -وربما قبلها أيضًا- متنقلًا بين مجالات متباينة في السوق، سواءً على الأرض أم عن بعد، ومن الصناعات الثقيلة إلى الإلكترونيات إلى أعمال التصميم والبرمجة وتجربة الاستخدام والترجمة والتأليف، وربما بعض المهن والحرف أيضًا، إما عاملًا فيها بنفسي أو مساهمًا في شركة تقوم على ذلك، وقد رأيت فيها جميعًا عاملًا مشتركًا يؤثر تأثيرًا مباشرًا في مدى نجاحها أو تطورها أو جودة منتجها وحجم أرباحها، ألا وهو التعهيد الخارجي Outsourcing لبعض المهام فيها، وفي هذه المقالة سأتحدث بتفصيل عن أغلب الحالات التي ينبغي فيها استخدام التعهيد الخارجي، والحالات التي يجب الابتعاد عنه فيها، وإسقاط فوائد ذلك على المستقلين العاملين عن بعد.
مفهوم التعهيد الخارجي
نحن نوجه الخطاب هنا بالدرجة الأولى للمستقلين العاملين عن بعد من ذوي الخبرة. أي الذين مرت على عملهم عدة أعوام واكتسبوا خبرةً في مجالهم، وزاد ضغط عملهم إما بكثرة العملاء، أو المشاريع. إذ أن توكيل المهام إلى الغير يُعَد مكلفًا، خاصةً لمن بدأ عمله للتو، أو ليس بحوزته كثافة جيدة في الدخل المادي لتبرر له مثل هذا القرار، فإن لم تكن هذه الشروط تنطبق عليك، فننصحك أن تراجع الفصل التاسع من كتاب دليل العامل المستقل عن بعد، الذي نذكر فيه مدخلًا إلى التعهيد الخارجي وحالاته باختصار دون الدخول في تعقيدات ولا تفاصيل تجعلك تشعر أن عليك التعهيد بمهامك اليوم إلى غيرك.
أما الفئة التي نذكرها، فلعلهم يدركون أنهم أنفسهم جزء من عملية تعهيد خارجي لعملائهم، ومثل هذا المقال شاهد على ذلك، فبعض الشركات تتعاقد مع مستقلين للنشر في قنواتها المختلفة أو التصميم أو البرمجة أو غير ذلك من المهام الخارجة عن صلب تخصصها، من غير أن يكونوا جزءًا من كيانها القانوني الذي تنطبق عليه قوانينها الخاصة بالعاملين النظاميين فيها، ويكون ذلك لعدة أسباب سنفصلها فيما يلي.
وعلى ذلك يمكن القول أن التعهيد الخارجي للأعمال باختصار، هو التعاقد مع فرد أو شركة لإنجاز مهام لا نريد إنجازها بأنفسنا، وذلك إما لخروجها عن صلب مجالنا، أو لتوفير الموارد المادية والبشرية، أو لقلة خبرتنا فيها، بحيث تكون تلك المهام مؤقتة -وإن طالت فترات تنفيذها-، فلا ندفع للقائم على تنفيذها رواتبًا شهريةً، كما لا يخضع للوائحنا التنظيمية.
فوائد تعهيد الأعمال
قد تتساءل الآن عن جدوى تعهيد بعض مهامك إلى غيرك إن كنت تعمل بشكل حر وتقدر على إنجاز أغلبها بنفسك، فأنت أولى بالمال الذي ستدفعه في تنفيذها، وهو سؤال منطقي للغاية، غير أني وجدت منافعًا عظيمةً في الحالات التي شهدتها تتخلى عن إنجاز بعض مهامها وإن كانت تقدر عليها، والنتائج التي ترتبت مباشرةً على ذلك، كانت تحسين الإنتاج وتطويره وزيادة الأرباح مرةً أخرى، وهو الأمر الذي قد يبدو منافيًا للمنطق لأول وهلة.
إن الوقت الذي تكسبه إذا عهدت ببعض المهام إلى غيرك، تصرفه في صلب ما يعود عليك بالمال من تخصصك، وتزيح عن كاهلك كثيرًا من المهام التي تستغرق الوقت، وتأكل من قيمة كل ساعة عمل لديك، وهو تطبيق عملي على منافع التخصص والبعد عن الشمولية في التنفيذ، وإن كانت الثانية لها منافعها أيضًا في بعض الحالات.
لنضرب أمثلةً قريبةً من سياق مجالات العمل الحر لتوضيح مثل هذه المفاهيم، ولنبدأ بالمثال الذي نسمعه في قصص النجاح التي تفترض الشمولية في التنفيذ والحرص على تنفيذ كل شيء داخليًا، مع عدم تعهيد أي جزء من العمل إلى طرف خارجي، ولتكن سلسلة مطاعم كبيرة تريد التحكم في كل جزء من عملية الإنتاج فيها، فتشتري مزارع ومراعي للمواشي، ومخابزًا من أجل التحكم في عملية التكامل الخلفي -وهي سلاسل توريد المواد الخام لها-، من أجل ضمان جودة الطعام المقدم في فروعها وتوحيد الجودة فيه وعدم التقيد بجودة المواد الخام المتوفرة محليًا لكل فرع.
فهذا المثال يفكر فيه في العادة من يرغب في تنفيذ كل شيء بنفسه، غير أنه بالنظر مرة أخرى إلى المثال نجد أن ما تقوم به سلسلة المطاعم تلك لم يخرج عن صلب عملها، بل هذا من زيادة التركيز على تخصصها ومنتجها الذي يعود بالربح عليها، أما إذا أردنا إسقاط مبدأ الشمولية وتعهيد الأعمال هنا سنجد أنها تعهد بأمور المحاسبة مثلًا إلى محاسبين متخصصين -إذا افترضنا أن القائمين على تلك المطاعم من المتخصصين بالتغذية إما دراسة أو عملًا-، وكذلك في شؤون تجهيز ديكورات الفروع والدعاية المطبوعة والرقمية لها، ولعلها تدفع شهريًا لمؤسسة قانونية ترعى شؤونها، وهكذا.
لنأخذ الآن مثلًا آخر أكبر قليلًا -تعمدت هذه الأمثلة الكبيرة لتوضيح الصورة بالحالات المتطرفة على كل مقياس، وإلا فإننا سنحاول قدر الإمكان ضرب أمثلة من مجالات العمل الحر المعتادة على الويب في بقية المقال-، وهو لشركة في مصر تعتمد مبدأ الشمولية في الإدارة وقلما توكل إحدى مهامها لغيرها، وهي شركة للألومنيوم.
ذلك أن لها مخازن خاصة بها داخل أحد الموانئ القريبة منها، تخزن فيه المواد الخام المستوردة لشحنها إليها، وأسطولًا من الشاحنات ينقل تلك المواد إلى المدينة التي فيها الشركة، وهي توصل العاملين من وإلى الشركة في أسطول سيارات خاص بها، بل أنشأت خط قطار خاص بها له محطة داخل الشركة! يمر على القرى المحيطة بها ليأتي بالعاملين في كل وردية، وهي القائمة على إطعام أولئك العاملين ولا توكل هذه المهمة لشركة مستقلة بخدمات التغذية، وكذلك أنشأت مدينة كاملة للعاملين بمساجدها وأسواقها ومدارسها وغير ذلك، وما يتبعه من كهرباء ومياه وغير ذلك تقدمها لهم مجانًا، فصارت مساحة الشركة بالمصنع والمدينة وغير ذلك ما يقرب من 20 كم مربعًا، عند هذا الحد فإن المرء ينسى أن مهمة هذه الشركة التي أنشئت من أجلها هي صناعة الألومنيوم!
وقد وازنت بين جودة الخدمات التي تقدمها تلك الشركة للعاملين وبين شركة بترولية عملت فيها بعدها بسنوات، وكيف أن الثانية ترى وظيفتها استخراج النفط فقط من باطن الأرض، وأي شيء سوى ذلك لا علاقة لها به، فتوظف شركة لخدمة العاملين، وإطعامهم، وشركة لنقلهم، وهكذا.
فرأيت كيف أن شركة الألومنيوم التي أثقلت كاهلها بكل تلك المهام غير الضرورية بالكاد تنتج بضعة منتجات أولية، ومع هذا فهي تقدم خدمات متدنية الجودة للعاملين في ما يخص نقلهم مثلًا، إذ أن تكلفة تجديد أسطول السيارات العملاق ذاك ليست قليلة. وكانت تستطيع صب جهودها واستغلال إمكانياتها في إنشاء مصانع متخصصة داخل مساحتها العملاقة لتأخذ تلك السبائك الخام وتصنع منها منتجات أخرى بدلًا من بيعها لمصانع غيرها، وقد تنبهت لذلك مؤخرًا فأنشأت مصنعًا لمثل هذا.
أما الشركة الثانية فتعهد بأي شيء غير استخراج النفط إلى شركات غيرها، وبما أن الشركة التي تقدم كل خدمة لا تقدم غيرها فإن جودة الخدمات المقدمة إلى العاملين فيها عالية جدًا، وكذلك فإن مستويات الأمان وسلامة العاملين عالية جدًا موازنة بالشركة الأولى. وهكذا تستطيع رؤية قصدي في كل مهمة من مهام الشركة، وفوق ذلك كله فقد صرفت طاقات العاملين فيها إلى صلب عملها، وهو استخراج النفط.
وخلاصة ذلك أن وقت الشركة محدود، وطاقات العاملين فيها كذلك، وقل مثل هذا على موارد العامل المستقل، فالأولى أن تكون كل ساعة يصرفها من وقته تعود بأعلى عائد ممكن، وأي شيء يعيق هذا فيجب توكيله إلى من يقوم به على الوجه الذي يجب، ونكتفي بمتابعة أدائه.
حالات التعهيد الخارجي
قلنا أن قرار التعهيد الخارجي مكلف ماديًا إن لم يكن ثمة غطاء مادي من كثرة المشاريع أو قيمتها، أو زيادة الأرباح باستغلال الموارد المادية والبشرية في صلب التخصص، لهذا يجب التفكير مليًا قبل اتخاذ هذا القرار، ووضع نظام للحالات التي يجب التعهيد فيها، وإدارة التعهيد في تلك الحالات لضمان نجاحه، فقد نعهد بمهمة لغيرنا لتوفير الوقت والتركيز على صلب عملنا، ثم لا نلبث أن نجد الوقت يضيع في متابعة التنفيذ مع من عهدنا إليه بالعمل.
تعهيد المهام الإدارية
لنضرب مثلًا ببعض التخصصات التقنية المنتشرة في العمل الحر مثل الهندسة أو التصميم أو الترجمة مثلًا، ماذا تكون المهام الإدارية لمثل تلك التخصصات يا ترى؟
تشمل المهام الإدارية هنا جدولة الاجتماعات مع العملاء والمتابعة معهم، ومتابعة البريد، وغير ذلك من المهام التي قد تدخل في نطاق المساعدة الافتراضية أو السكرتارية التقليدية، والحسابات المالية، وضرائب الدخل -إن كان العمل الحر يخضع للضريبة في بلدك-، والشؤون القانونية. ونذكّر هنا أن هذه الحالات للمستقلين ذوي الخبرة والذين يعملون على مشاريع كثيرة، أو مشاريع كبيرة تتعدد تخصصاتها، غير أن أغلب المهام الإدارية يجدر بالمستقل توظيف متخصصين لها على أي حال، خاصة في الأمور الضريبية أو المحاسبية.
وهكذا ترى أن تلك المهام هي ما يخرج عن النطاق الفني لعمل المستقل، فهي ليست مهامًا هندسية أو ترجمة أو تصميمات، ورغم أن إحساس المستقل أنه يستطيع إنجاز حساباته وجدولة اجتماعاته وغير ذلك، لأنه يفعل ذلك حقًا لو لم يفوّض هذه الشؤون إلى غيره، إلا أن هذه أوقات ضائعة في غير ما يعود عليه بالمال المباشر، وتطرح من قيمة كل ساعة عمل له.
هذا غير أنك قد تكون جاهلًا ببعض التفاصيل التي قد تتسبب لك في غرامات لاحقًا، وقد وقعت في هذا بنفسي إذ اكتشفت العام الماضي أن موعد دفع بعض المستحقات السنوية قد تغير بسبب تغيير في سياسة الحكومة، ولم أكن أعرف هذا لانشغالي بعملي عن مثل هذه التفاصيل، وبالكاد استطعت دفع تلك المستحقات قبل نهاية موعدها، وكنت لأتجنب هذا لو أني تعاقدت مع محاسب قانوني على إنجاز هذه المهام لي في كل عام.
أما إذا لم تشأ تعهيد هذه المهام الإدارية إلى غيرك فاجعل على الأقل وقتًا كل أسبوع لإنهاء هذه المهام وجدولتها مسبقًا، لئلا يضيع الوقت في تنفيذها أو التفكير فيها كل يوم.
تعهيد مهام التسويق
شؤون التسويق ومهامه هنا هي إدارة صفحاتك الاجتماعية الخاصة بعملك المستقل، وإنشاء حملاتك البريدية وإدارتها، وإنشاء المحتوى الترويجي على موقعك أو المواقع الأخرى.
وهنا يُفضل التعاقد مع متخصص بالتسويق بالمحتوى، إذ قد يظن المستقل أن خبرته بالتسويق كافية، أو أن سمعته بين العملاء تكفي مما يراه من إحالات العملاء إليه واتصالهم به، أو قد يكون قرأ في خوارزميات تحسين المحتوى لمحركات البحث SEO أو كيفية التعامل مع العملاء أو درس مساقًا للتسويق بالمحتوى قبل عدة أعوام.
غير أن هذه الأمور كلها في تغير مستمر ومتسارع، وإنها لتفاجئني أنا شخصيًا عندما أنغمس في عدة مشاريع متتالية على مدار عام مثلًا ثم أفيق على ملاحظة لعميل أن هذه التقنية أو تلك صارت قديمة لأن جوجل غيرت شيئًا مثلًا. والحق أني لا أملك الوقت لمراجعة مثل هذه التطورات كل حين، حتى ولو أشار علي عملائي بهذا، فما العمل؟
إن الحل هنا هو أن أشتري وقتي بالمال، وأوكل هذه المهمة إلى متخصص بالتسويق يعرف متغيراته لأنه صلب مجاله، وكن على يقين أن ما ستدفعه له سيعود عليك في يوم عمل على الأكثر، وسيكون هذا أفضل من إزاحة مشاريعك جانبًا ودراسة هذه التغيرات لتطبيقها في عملك، بل تضمن أنك ستطبق أفضل التقنيات في الغالب وفقًا لنصائح هذا المتخصص، ويُنظر في هذه المقالة التي تشرح الدروس المستفادة من توظيف متخصص تسويق بالمحتوى من منصة مستقل للاستزادة.
تعهيد المهام المتخصصة
نأتي هنا إلى النقطة التي كتبنا المقال لأجلها، وهي التعهيد بمهام من صلب عملك وتخصصك أو تدور حوله، فإذا كنت مطور مواقع مثلًا وطلب منك عميل بناء موقع لشركة كبيرة باللغتين العربية والإنجليزية، فستكون هذه المهام هي تصميم تجربة الاستخدام للموقع، وتصميم الواجهة المرئية إذا كنت مطور واجهات خلفية أو العكس بالعكس، وترجمة محتوى الموقع، وهكذا.
وقد تقول أنك تفعل كل ذلك بنفسك، وهذا صحيح، لكن غرض هذا المقال هو فتح أفق جديد للربح من خلال تحسين جودة الخدمة التي تقدمها، وتقليل وقت التنفيذ، ومن ثم يعني رضا أكبر للعملاء وترشيحهم لعملاء جدد أو عودتهم لأعمال جديدة، وزيادة في الأرباح لكثرة تواتر المشاريع في نفس مدة التنفيذ القديمة أو قريب منها، وذلك كله عبر التعهيد الخارجي للمهام.
فقد تكون مطور واجهات خلفية فقط، فتعتمد على ذوقك في اختيار الخطوط والألوان التي ستقدمها إلى العميل، وكذلك على المنطق العام في ترتيب القوائم والأزرار وأحجامها، وربما تستخدم خبرتك اللغوية في ترجمة محتوى الموقع، وستخرج بنتيجة تقدمها إلى العميل، وقد يرضى ويتم الصفقة، فتقول حينئذ ما الداعي إلى تعهيد هذه المهام إلى غيري ما دمت أنفذها بنفسي!
فنقول أن جزء التطوير الخلفي للموقع قد يستغرق ربع مدة التنفيذ مثلًا أو نصفها، فإذا عهدنا بمهمة تصميم تجربة الاستخدام إلى مصمم متخصص، وكذلك الترجمة والواجهة الأمامية، وبدؤوا جميعًا في تنفيذ تلك المهام منذ بداية العمل على المشروع فقد يستغرقوا نصف مدة التنفيذ إلى تمام الصور النهائية لمهامهم، ثم يأتي دورك كمطور واجهة خلفية لتتم بقية الموقع، فتفوز بتوفير ربع مدة التنفيذ الأصلية، تعمل فيها على مشروع جديد!
وهذه المكاسب الصغيرة تتراكم لتمثل مشاريع كاملة بنهاية كل عام كنت تضيعها بتنفيذ كل شيء وحدك، وعملاء جدد تعاملت معهم، وتقييمات وسمعة وترشيحات لعملاء ما كنت لتحصل عليها لو أنك عملت وحدك على بضعة مشاريع في كل عام.
لنضرب مثلًا آخر تتضح به الفكرة، وليكن لمصممٍ معماري ينفذ تصميمات ثلاثية الأبعاد، ومعلوم أن التصميمات ثلاثية الأبعاد تحتاج إلى حواسيب قوية للغاية من أجل تنفيذ عملية الإخراج النهائية Rendering للتصاميم لتبدو محاكية للواقع ويقبلها العملاء.
فهنا يضطر المصمم إلى شراء حاسوب بآلاف الدولارات من أجل تنفيذ عمليات الإخراج تلك لكل عميل، لأن العميل يريد تصميماته في أسرع وقت ممكن، ذلك أن الحواسيب العادية التي يكون ثمنها أقل من ألف دولار لا تملك العتاد الذي يستطيع التعامل مع هذه التصاميم، ولك أن تعلم أن إخراج صورة واحدة عالية الدقة لتصميم كثير التفاصيل على حاسوب محمول ذي معالج Intel Core i3-3227U مثلًا -وهذا يعني مواصفات متوسطة بالتبعية- قد يستغرق أربعة أيام! هذا بعد إنهاء عملية التصميم والنمذجة التي ينفذها المصمم، فتلك الأيام الأربعة تترك فيها الحاسوب يعمل بلا توقف من أجل إخراج الصورة النهائية فقط!
أما الحواسيب المجهزة للتصاميم ثلاثية الأبعاد فلا يتجاوز زمن ذلك الإخراج بضع دقائق مثلًا! وبناء عليه يجد المصمم نفسه يقدم صورًا منخفضة الجودة للعملاء، أو يقضي وقتًا طويلًا لكل مشروع أو كل تعديل، هذا أو شراء حاسوب غالي الثمن!
والحل هنا هو اللجوء لمن يتخصص في تقديم خدمة الإخراج تلك، إما مستقلون على منصة مستقل مثلًا أو شركات متخصصة لديها حواسيب بالغة القوة متصلة ببعضها لتشكل عناقيد clusters تعمل معًا كحاسوب واحد كبير، يصل إليها المصمم عن بعد ويضبط إعدادات الإخراج التي يريدها ويرفع الملفات إليها، ثم يستلمها في مدة قد لا تتجاوز الساعة! وتكون تكلفة مثل تلك الخدمات زهيدة موازنة بميزانيات مشاريع التصميم نفسها، وعليه يكون المصمم رابحًا قطعًا إذا لجأ إلى تعهيد مهمة مملة ومكلفة مثل الإخراج إلى غيره.
وهكذا ينبغي أن يُجاب على عدة أسئلة قبل تنفيذ العمل داخليًا أو التعاقد مع طرف ثالث لتنفيذه، وتوضح تلك الأسئلة الفائدة العملية والمهنية التي تعود من تنفيذ العمل ذاتيًا، فمشاريع التدقيق اللغوي تزيد من سرعة الترجمة للمترجم في مشاريع الترجمة الأخرى، وعليه فستفيده في صلب مجاله، فلا يعهد بها إلا عند الانشغال مثلًا أو كثرة الأعمال، وكذلك يجب توضيح المهام التي ستتعطل إن اخترنا تنفيذ المهمة محل النقاش داخليًا ولم نعهد بها إلى طرف ثالث، ويُرجع في هذا إلى مقالة كرائد أعمال، لا تستطيع القيام بكل شيء لصاحبته رايتشل أندرو Rachel Andrew.
بين الوساطة التعهيد الخارجي
يجب التفريق الواضح بين أن تعهد ببعض المهام من المشروع إلى غيرك من المستقلين أو الشركات، وبين أن تكون وسيطًا بينهم وبين العملاء، وقد نبهنا على هذا اللبس في الفصل التاسع من كتاب دليل العامل المستقل عن بعد، لكن نعيد ذكره هنا للأهمية.
فإذا كنت تقدم نفسك في حساباتك الاجتماعية الخاصة بالعمل وموقعك وحساباتك على منصات العمل الحر بطريقة توحي أنك من ينفذ الأعمال والمشاريع الموكلة إليك، فلا ينبغي أن تكون وسيطًا تتعاقد مع العميل على المشروع ثم تذهب به إلى غيرك لينفذه لك، ففي هذا خداع للعميل الذي يُغرر بما تقوله عن نفسك في النبذة الشخصية عنك وفي معرض أعمالك، وقد بينّا في ذلك الفصل أمثلة لتلك الحالات ونتائجها على كل من صاحب العمل والمستقل.
أما ما نقصده هو أن تعهد ببعض مهامك أو أجزاء من مشاريعك إلى غيرك من المتخصصين فيها التي تقع خارج نطاق تخصصك، للأسباب التي فصلناها قبل قليل.
إدارة التعهيد الخارجي: آليات تنفيذ المهام
من الجوانب التي يجب وضعها في الحسبان عند التعهيد الخارجي هو أسلوب إدارة العمليات مع المتعهد لضمان استلام الأعمال في الوقت المناسب وبالجودة المناسبة، إذ قد تكون أجزاءً من مشاريع أكبر منها كما أوضحنا، فإذا احتوت على أخطاء أو مشاكل أو لم تكن بالجودة المناسبة فهذا يعني وقتًا أكبر يضيع في متابعة العمل مع المتعهد، ونكون قد هربنا من مشكلة فوقعنا في أخرى.
ينبغي على المستقل الراغب في تعهيد مهام إلى جهة خارجية -سواء كانت شخصًا واحدًا أو شركة- أن يحدد قواعد يُبنى عليها العمل مع تلك الجهة، وإلا فستتحول عملية التعهيد إلى ثقب أسود تدخل فيه المهمة دون أن يعرف المستقل ما يحدث فيها ولا كيف يتم العمل عليها، ولا يستطيع أن يبني عليها بقية المشروع لأنه لا يعلم متى يتسلمها.
حقوق الملكية والملفات المصدرية
يذكر ييجور باجايونكا Yegor Bugayenko عدة قواعد تؤسس لهذه الآليات بين صاحب العمل الذي هو أنت هنا، وبين المتعهد بمهمة واحدة أو أكثر، في مقال دليلك لإنجاح عملية التعهيد الخارجي للبرمجيات، فمنها الاتفاق على حقوق ملكية العمل المنفذ ليكون ملكًا لك وليس للمتعهد، وكذلك وضع يدك على مصدر العمل سواء كان مستودعًا للشيفرة البرمجية أم تصميمًا ثلاثي الأبعاد أم غير ذلك.
أدوات إدارة المشاريع
ينبغي الاستعانة بأداة لإدارة المشروع بينك وبين المستقل الذي تعهد إليه بالعمل، فإذا كانت صفحة نقاش الصفقة في منصة مستقل تكفي فيها، وإلا فيمكن الاستعانة بمنصة أنا لإدارة المهام ومشاركة لوحة العمل مع الأطراف القائمة بالتنفيذ أو المتابعة، أو خدمة أخرى مثل Trello، أو بمستندات جوجل أو خدمة تخزين سحابية أخرى.
ثم يأتي دور المتابعة لذلك التنفيذ، وهنا يُفضل الاستعانة بمتخصص إذا كانت المهمة ليست من تخصصك، خاصة في المشاريع الكبيرة مثل مشاريع الهندسة الإنشائية أو المعمارية، ومشاريع التصميم الكبيرة، لئلا تدفع ميزانية ضخمة ويأتيك العمل في الوقت المحدد ثم لا يكون لديك المحك العلمي والمعرفي للحكم على جودة العمل!
وقد وقع لي مثل هذا من قبل إذ كنت أعمل في شركة برمجية في 2016 واستلمت الشركة هويتها الجديدة لمواقعها ومطبوعاتها من شركة دعاية وتصميم وكلفت الشركة ميزانية كبيرة، فلما اطلعتُ عليها وجدت أخطاء ما كان ينبغي أن تخرج من عمل بربع تلك الميزانية، فأوكل مدير الشركة إلي مهمة مراجعة تلك الأخطاء مع الشركة بسبب خبرتي في هذا المجال، واستغرق الأمر بضعة أشهر حتى نصل إلى نتيجة مرضية للطرفين.
وهكذا لم يكن كافيًا أن يأتي العمل في الوقت المحدد ولا أن يكون التواصل بين الطرفين جيدًا، بل ينبغي ضمان تسليم العمل بالجودة المطلوبة، لأن هذه عملية تعهيد بالنهاية وذلك العمل سيعود ليدخل في مشروع آخر أكبر، وستكون كلا من سمعتك مع العميل النهائي ونتيجة هذا المشروع مرآة لجودة الأعمال والمهام التي تعهد بها إلى غيرك، وهي نصيحة أخرى من مقال ييجور باجايونكا سالف الذكر.
الهيكل التنظيمي لإدارة عملية التعهيد
إذا كنت تعهد بأعمال تحتاج إلى تدخل أكثر من شخص فيجب أن تضع بعض قواعد العمل التي تنظم سيره بين المتعاهدين وبعضهم إذا كانوا يعملون معًا، وبينك وبينهم من جهة أخرى، لئلا تضيع تقارير سير العمل بينكم وتبقى مهام معلقة إلى حين السؤال عنها رغم تمامها.
وذلك بأن تحدد مواعيد تسليم المهام ومن يتسلمها، وماذا يفعل بها بعد أن يتسلمها، وهكذا إلى أن تصل إليك بالنهاية لتضعها في مشروعك، وتُستخدم أدوات إدارة المشاريع سالفة الذكر في مثل هذا، مثل أداة أنا من حسوب، أو مثل Basecamp التي يمكن تحديد الأفراد المعنيين بكل مهمة تنفيذًا وإبلاغًا.
وسيئة ترك هذه الأعمال دون قواعد متابعة واضحة هي احتمال تنفيذ بعض المتعاهدين لمهام على غير النحو المطلوب، ويضيع الوقت والجهد فيها ثم لا تكون مناسبة للمشروع الخاص بك، وتضطر إلى البدء من الصفر معهم مرة أخرى أو مع غيرهم.
خاتمة
إن غرضنا من هذه المقالة هو فتح أفق جديد للمستقل ينتقل فيه من العمل وحده بالتوالي على المشاريع، إلى التعاون مع غيره من المستقلين أو الجهات الأخرى على تنفيذ مشاريعه ومهامها بالتوازي، فيقل الوقت اللازم للعمل عليها، وتزيد أنواع المشاريع التي يستطيع العمل عليها من ناحية أخرى، فقد يرفض المستقل بعض المشاريع التي يكون ضعيف الخبرة في بعض أجزائها أو لا يملك الوقت الكافي لها.