اقتصاد الريع هو نمط اقتصادي يعتمد على الموارد الطبيعيّة دون الحاجة إلى الاهتمام بتطويرها، ومن الأمثلة على هذه الموارد: المعادن، والمياه، والنفط، والغاز،[١] ويُعرَّف اقتصاد الريع بأنّه الاقتصاد الذي يهتمّ بالمحافظة على النشاطات التي توفّر الإيرادات من بيع الثروة الريعيّة، ولكن لا تساعد هذه النشاطات على توفير تصوُّر واضح عن الحالة الاقتصاديّة السائدة في الدولة.[٢] من التعريفات الأُخرى لاقتصاد الريع هو اعتماد دولة ما في اقتصادها على مصدر طبيعيّ مستخرج من الأرض، فيصبح الاقتصاد مُعتمداً على التبادل التجاريّ الذي يؤدي إلى ظهور مُجتمعٍ استهلاكيٍّ مرتبط بالاستيراد، كما لا يهتمّ هذا النوع من الاقتصاد في الزراعة أو الصناعة التحويليّة.[٣]

 

تطور اقتصاد الريع

يُعدّ الريع بشكلٍ عام المكون الرئيسيّ لآلية عمل أيّ نظام اقتصاديّ، كما يشمل كافة مدخلاته سواء أكانت ذات طبيعة خاصة أو عامة، ولكن تظهر القضية هنا في الطريقة المستخدمة لإدارة الريع؛ من أجل توفير المصالح الخاصة في المجتمع، وتعزيز التقدم والتطور العلميّ والتقنيّ.[٤]

ظلّ الريع العقاريّ لفترة زمنيّة طويلة المصدرَ الأساسيّ للثراء في دول أوروبا ذات النظام الاقتصاديّ الإقطاعي، واستخدمه كبار الإقطاعيين في تأسيس المزيد من القصور الفخمة، وكانت من نتائج هذا النظام الإقطاعيّ اندلاع الثورة الفرنسيّة، وعند ظهور تطور في قطاع الصناعة تراجعت الأهمية الخاصة بالريع الزراعيّ، أمّا في الدول العربيّة تغيّرت المصادر الخاصة في الريع، ولكنها ظلّت مؤثرةً على كلٍّ من التنمية الاجتماعيّة والاقتصاديّة، فظهرت العديد من الصراعات التي اهتمّت في السيطرة على المصادر الخاصة بالريع في القرن العشرين للميلاد.[٤]

في عام 1973م أدّى ارتفاع أسعار النفط في الدول التي تنتجه إلى جذب العديد من العُمال ورجال الأعمال للعمل في القطاع النفطيّ؛ وخصوصاً أنه ساهم في ظهور ريع جديد، فأصبح الريع في العالم العربيّ معتمداً على النفط، بالإضافة إلى تأثير التحويلات الماليّة للمهاجرين في الدول النفطيّة أو غيرها من الدول المتقدمة والتي تُشكّل مصدر ريع مهم للدول العربيّة، كما ساهم الريع النفطيّ بتطوير الريع العقاريّ في المدن الرئيسيّة في العالم العربيّ، بالتزامن مع الزيادة المرتفعة لعدد السُكّان في هذه المُدن.[٤]

 

أنواع الريع

توجد عدّة أنواع للريع، وكلٌّ منها يُساهم في دورٍ معين في النظام الاقتصاديّ، وفيما يأتي معلومات عن أهمّها:

  • الريع الدائم: هو الدخل الناتج عن قرض صادرٍ مقابل دفعات شهريّة أو سنويّة تظلُّ مستمرةً مدى الحياة.
  • الريع العقاريّ: هو الريع الأساسيّ الذي اعتمدت عليه النظريّة الاقتصاديّة في تأسيس مفهوم الريع، ويُعدّ الريع العقاريّ عبارةً عن دخل ناتجٍ من العناصر الإنتاجيّة، ويُقسم إلى نوعين هما:
    • الريع المُطلق: هو الناتج عن ملكيّة للأراضيّ؛ حيث لا يسمح أصحابها للمستثمرين باستخدامها دون حصولهم على مقابل، ويُعتبَر هذا المقابل عبارةً عن ريعٍ يضيفه المستثمرون إلى التكاليف الإنتاجيّة، ونسبة الربح الخاصة بهم.
    • الريع التمايزيّ، ويُعرَّف أيضاً باسم الريع الفرقيّ؛ وهو الناتج عن الأراضيّ ذات الخصوبة المرتفعة، ولكن مع ارتفاع عدد السُكّان والطلب على المنتجات الغذائيّة تُستخدم الأراضيّ ذات الخصوبة القليلة في الإنتاج الزراعيّ؛ حيث يُعدّ استخدامها ضرورياً من أجل دعم وفرة زيادة الحاجات، ولكن يحصل أصحاب هذه الأراضي على ريعٍ مُطلق، وفي المقابل يحصل مالكو الأراضيّ ذات الخصوبة المرتفعة على ريع فرقيّ، والذي يُعدّ بدلاً عن استخدام أراضيهم؛ بسبب قدرتها على توفير عوائد مرتفعة.
  • الريع المنجميّ: هو الدخل الذي ينتج عن الاستثمار في الثروات الطبيعيّة سواء أكانت سائلة أو غازيّة، والتي تُستخرج من الآبار أو المناجم، وتتميّز بإنتاجيّة مرتفعة مقارنةً بالمصادر الأُخرى ذات الإنتاجيّة الضعيفة، وتُحدّد أسعار كلٍّ من الفلزات، والغاز، والنفط، والذهب بالاعتماد على تكاليف إنتاج الثروات ذات الإنتاجيّة الأقلّ.
  • ريع الموقع: هو ريع يظهر نتيجةً للعوائد الخارجيّة التي ترتبط مع الموقع الخاص في وحدات النشاط الاقتصاديّ، مثل الوجود بالقرب من وسائل النقلّ كالسكك الحديديّة؛ ممّا يساهم في تقليل الأجور المترتبة على النقلّ.
  • الريع الوظيفيّ: هو من أنواع الريع الحديثة ويظهر نتيجةً لمميزات عينيّة يتميّزُ بها الموظفون، مثل الحصول على سكنٍ مجانيٍّ، ووسيلة نقلّ كالسيارة، ومجموعة من الخدمات والسلع ذات الأسعار المُخفضة، وتعتمد هذه المميزات العينيّة على الدور الوظيفيّ للموظف؛ أيّ المنصب الخاص به، وليس مع كمية أو نوعية العمل المُقدم من خلاله؛ لذلك يسعى الموظفون إلى الوصول لمناصبٍ أعلى في وظائفهم؛ من أجل الحصول على أكبر كمية ممكنة من الريع الوظيفيّ.
  • ريع المُضاربة: هو الدخل الذي ينتج دون تقديم عمل؛ حيث أن المضارب يتعرض للخسائر الماليّة، ولكنه يحصل على دخل مرتفعٍ جداً في أغلب الأوقات؛ ممّا يؤدي إلى جمعه للكثير من الثروات التي تصبح مصدراً مهماً للدخل، ويظهر ريع المُضاربة بشكلٍ واضح في سوق الأوراق الماليّة أو السوق العقاريّ.

عَرفَ التاريخ الاقتصاديّ ظهور العديد من الثروات الناتجة عن المضاربة؛ وخصوصاً المعتمدة على الأراضي التي ظهرت في أمريكا الغربيّة؛ حيث كانت أسعار الأراضيّ فيها تشهد ارتفاعاً مضاعفاً ومُتكرراً خلال العام، وأيضاً سجّل الاقتصاد الدوليّ في المنطقة الجنوبيّة الشرقيّة من قارة آسيا ظهور ثروات كبيرة ناتجة عن المضاربة في مجال الأسهم أو القطاع العقاريّ.

  • الريع الاحتكاريّ: تُعدّ نسبة الربح الاحتكاريّ مرتفعةً مقارنةً بالربح المتوسط الذي تُحققه المشروعات الموجودة في سوق المنافسة التامة، وليس بالضرورة أن تكون الزيادة في الأرباح الاحتكاريّة ناتجةً عن أداء اقتصاديّ مرتفع، بل تكون غالباً ناتجةً عن ظهور احتكار في السوق يُحدّد المستوى الخاص بالعرض؛ حيث تُعدّ أسعار المنتجات أعلى من التكاليف الإنتاجيّة؛ ممّا يؤدي إلى توفير أرباح ماليّةٍ إضافيّة للمُحتكرين تُمثّل ريعاً احتكاريّاً.

اترك تعليقاً