ما هو الذكاء الاصطناعي؟
الذكاء الاصطناعي أو ما يعرف بالإنجليزية (Artificial intelligence)، كما هو ظاهر من اسمه فهو مصطلح يشير إلى محاكاة الذكاء البشري في الآلات المصنوعة والتي تُبرمَج لتفكر مثل الإنسان وتقلد أفعاله، فتكتسب القدرة على حل المشكلات، واتخاذ القرار، وردّ الفعل، والتعلم وغيرها. وبالرغم من ذلك فلا يمكننا الجزم بأن هناك تعريفًا واحدًا ومحددًا للذكاء الاصطناعي؛ لأنه مصطلح جَدَلي قد يحتمل أكثر من تعريف، لكن هذه التعريفات تحمل الفكرة نفسها.
وللتفصيل أكثر، فهو أحد فروع علم الحاسوب وأحد ركائزه الأساسية في العصر الحديث، إذ تقوم عليه أعداد كبيرة من التقنيات في مختلف المجالات. وللذكاء الاصطناعي نوعين، أحدهما بسيط والآخر معقد، حسب المهام والتقنيات المستخدمة فيه.
تاريخ الذكاء الاصطناعي
يعد مفهوم الذكاء الاصطناعي من المفاهيم الجديدة والمستحدثة في عصرنا الحالي، إذ بدأ يخرج للنور في خمسينيات القرن الماضي عندما قدَّم العالم البريطاني “آلان تورنج” (Alan Turing) ورقة بحثية في عام 1950، ناقش فيها كيفية تصنيع آلات ذكية واختبار ذكائها، مُستلهِمًا ذلك من فكرة أن العقل البشري يستطيع استخدام المعلومات المتاحة، والمعطيات التي لديه في حل المشكلات، واتخاذ القرارات، والتعامل مع الأحداث، فلم لا نجعل الآلات تفعل الشيء نفسه؟
وبعد خمس سنوات من تلك السنة، قام “جون مكارثي ومارفن مينسكي” بعقد أول مؤتمر يجتمع فيه الباحثون لترسيخ المفاهيم المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، والسعي لتطويره، لكنه لم يرقَ إلى المستوى المتوقع، لكنه ولّد حافزًا ودافعًا نحو هذا الأمر.
جدير بالذكر، أنه في عام 1954 تم صناعة أول روبوت على يد المهندس “جورج ديفول” وكانت المهمة الرئيسية المكلف بها هذا الروبوت هي التقاط الأجسام الثقيلة وتحريكها من مكان إلى آخر، وتم تطوير مهامه للحام المعادن.
وما بين عامي 1957 و1974، ازدهر الذكاء الاصطناعي وخاصة في مجال الحواسيب وقدراتها، إذ أصبحت أسرع، وتمتلك قاعدة بيانات ومعلومات أكبر، بالإضافة إلى تحسين خوارزميات التعلم الآلي، حتى وصل الذكاء الاصطناعي إلى ما وصل إليه اليوم من تطور كبير. ومثال ذلك في مجال الروبوتات روبوت صوفيا الذي أصبح يحاكي تصرفات الإنسان، ويجري مقابلات تلفزيونية، وحتى الحصول على جنسية.
ما هي مجالات وفروع الذكاء الاصطناعي؟
للذكاء الاصطناعي مجالات متعددة، لكن هناك مجموعة من المجالات الرئيسية والفروع البارزة له. وهذه الفروع هي كالآتي:
أولًا: تعلم الآلة Machine learning
تعلم الآلة هو أحد أكثر العلوم الرائدة في العصر الحالي، والمتعلقة بشكل كبير بعلم الحاسوب، وهو علم يتنامى بسرعة كبيرة. ويمكّن التعلم الآلي الآلة من تحليل ومعالجة البيانات التي تستقبلها، لتوفير حلول للتحديات الناجمة، ويهتم هذا الفرع بشكل أساسي بإكساب الآلات القدرة على التعلم الذاتي واتخاذ القرارات من خلال خوارزميات برمجية تمكّنها من التنبؤ بالنتائج المستقبلية، بعد تعرضها لكميات هائلة من المعلومات والبيانات. وهناك ثلاثة أنواع من التعلم تندرج تحت مفهوم تعلم الآلة وهي:
- تعلم مُشرف عليه
- تعلم غير مُشرف عليه
- تعزيز التعلم
ثانيًا: علم الروبوتات
الروبوتات هي أبرز المجالات التي تتعلق بالذكاء الاصطناعي. وفي هذا المجال يتم التركيز على تصميم، وتطوير، وتشغيل الروبوتات من خلال دمج تقنيات متخصصة مثل: العلوم الهندسية والبرمجية. ويكمن الهدف الأساسي من تصنيع الروبوتات في تسهيل حياة الإنسان وتخفيف الأعباء والمشاق عن كاهله، ويدخل الروبوت في معظم المجالات، ومن أشهرها وكالة ناسا، ومصانع السيارات وغيرها.
ثالثًا: الشبكة العصبية (التعلم العميق)
دائمًا ما يرتبط علم الشبكة العصبية باستخدام علم الأعصاب في مساعدة الآلات وأنظمة الحاسوب، ومن جانب آخر يُسمى أيضًا بالتعلم العميق، لأنه يستخدم خلايا عصبية اصطناعية في حل المشاكل المعقدة، ومن أشهر الأمثلة على هذا الفرع هي خوارزميات وبرمجيات التعرف على الوجه، والمساعد الافتراضي مثل: (Siri) و(Alexa).
رابعًا: المنطق الضبابي
يتمثل المنطق الضبابي في تقديم تقنيات عالية الأداء في التعامل مع المعلومات غير المؤكدة بهدف التأكد من صحتها، ويفيد في حالات عدم اليقين (Fuzzy Logic)، ويتم ذلك من خلال المنطق القياسي الذي يسير وفقه، وهو إما إن المعلومة صحيحة أو خاطئة، على الرغم من وجود بعض الحالات التي تكون خاطئة جزئيًا أو صحيحة جزئيًا.
خامسًا: النظم الخبيرة
كما هو واضح من اسم مجال النظم الخبيرة، فهو يقوم بمهمة الإنسان في تسخير خبرته المدمجة لاتخاذ القرارات، وهو المجال نفسه الذي يُستخدم بشكل رئيسي في المرافق الطبية للكشف عن الفيروسات، بالإضافة لاستخدامه في المرافق المصرفية، وقطاع الاستثمار.
سادسًا: معالجة اللغة الطبيعية
كما أنه من الصعب التواصل مع شخص لا يتكلم لغتك، فكذلك الأمر عند التواصل مع أجهزة الحاسوب، فهي لا تفهم اللغة التي تتحدث بها، بل تحتاج إلى لغة خاصة لمخاطبتها. والحواسيب لا تفهم غير لغة الأرقام الثنائية، لذلك طور المتخصصين فرع معالجة اللغة الطبيعية التي تمكّن الحاسوب من ترجمة الكلام البشري المنطوق إلى نص مكتوب، وبالتالي فهم المقصد البشري.
أنواع الذكاء الاصطناعي
يمكن تصنيف الذكاء الاصطناعي حسب عمقه ومدى القدرات والتقنيات المستخدمة فيه إلى ثلاثة أنواع رئيسية كالتالي:
أولًا: الذكاء الاصطناعي الضيق Narrow AI or Weak AI
الذكاء الاصطناعي الضيق هو أحد الأنواع المخصصة التي يكون الحاسوب من خلالها قادرًا على أداء مهام معينة، وعادةً ما يكون محدود القدرات، لأن الذكاء من هذا النوع يؤدي مهمة واحدة فقط، فإذا ما تعدى حدود هذه المهمة فمن المتوقع فشله بشكل كبير، وهو الأكثر شيوعًا من بين الأنواع الأخرى.
ومن أشهر أمثلة هذا النوع (Apple Siri) الذي يعمل ضمن وظائف معرّفة مسبقًا، ويندرج كمبيوتر (IBM’s Watson) أيضًا تحت هذه الفئة من الذكاء، بالإضافة لمقترحات الشراء في المتاجر الإلكترونية، والسيارات ذاتية القيادة، والتعرف على الصوت والصورة، وغيرها من الأمثلة والتطبيقات.
ثانيًا: الذكاء الاصطناعي العام General AI
للذكاء الاصطناعي العام قدرة على تأدية المهام الفكرية بكفاءة وقدرة عالية تحاكي قدرات الإنسان، والفكرة الأساسية له هي أداء مهام ذكية، والقدرة على التفكير الذاتي دون تدخل خارجي. لكن لا يوجد فعليًا في وقتنا الحالي آلة تفعل ذلك بكفاءة مثالية تشبه كفاءة الإنسان، وما زالت الأبحاث جارية في هذا المجال لتطوير آلات تندرج تحت هذا النوع من الذكاء، ولا بد أنها تستغرق وقتًا ومجهودًا.
ثالثًا: الذكاء الاصطناعي الفائق Super AI
هذا النوع من الذكاء هو الأكثر تقدمًا وذكاءً، فالذكاء الاصطناعي الفائق يمكّن الآلات من أن تتفوق على الذكاء البشري، وأداء المهام بشكل أفضل منه. ويمكننا اعتبار أن هذا النوع هو نتيجة للنوع السابق (العام)، إذ يحتوي خصائص مهمة مثل: التفكير، وحل العقد، والمشكلات بناءً على ما لديه من معطيات واتخاذ القرارات، والتعلم الذاتي وغيرها.
ولا يزال هذا النوع افتراضيًا وقيد البحث والتطوير، وهو موضوع العديد من الأبحاث حول العالم، فمن من المتوقع أن يتم إحراز تقدم كبير فيه خلال السنوات القادمة.
ومن جانب آخر، فهناك تصنيف تبعًا للوظائف والمهام التي يمكن القيام بها، وبحسب هذا التصنيف، فللذكاء الاصطناعي أربعة أنواع، وهي:
1. الذاكرة المحدودة Limited Memory
هناك العديد من الأجهزة التي تستخدم الذاكرة محدودة التخزين، وتقوم بتخزين المعلومات والبيانات فيها لفترة قصيرة. والسيارات ذاتية القيادة هي خير مثال على ذلك، إذ تستخدم ذاكرتها المحدودة لتخزين المعلومات لفترة مؤقتة، وأخذ القرارات بناءً عليها مثل: سرعة السيارات في محيطها، والمسافة بينها وبين السيارات الأخرى على الطريق.
2. نظرية العقل Theory of Mind
إن قدرة الآلات على التفاعل مثل البشر تطور كبير، وهو ما يعرف بنظرية العقل، وتشير تلك النظرية إلى تفاعل الآلات والأجهزة باستخدام الذكاء الاصطناعي مع المشاعر البشرية والمعتقدات، وقدرتها على التفاعل اجتماعيًا مثل البشر، وهذا النوع يشبه كثيرًا الذكاء العاطفي لدى الإنسان، وهذا أشبه بالخيال العلمي لكنه طُبق فعليًا.
ومن أشهر الأمثلة على ذلك هي خدمة Siri المقدمة من جوجل التي تتفاعل مع المستخدمين، وتحاكي العنصر البشري. وهناك سعي كبير لتطوير وتحسين تقنيات من هذا النوع.
3. الآلات التفاعلية Reactive Machines
يمكننا القول إن الآلات الذكية التفاعلية هي أساس الذكاء الاصطناعي، فهي أبسط مستوياته، لكنها -بخلاف الأنواع الأخرى- لا تقوم بتخزين المعلومات والتجارب المُسبقة في اتخاذ القرارات والأحداث المستقبلية، بل تتعامل مع السيناريوهات الحالية وتبدي تفاعلًا أفضل معها، إذ إنها تُحدِث تفاعلًا بين مدخل ما للوصول إلى مُخرج، ومن أبرز الأمثلة على هذا النوع نظام IBM’s Deep Blue وGoogle’s AlphaGo.
4. الإدراك الذاتي Self-aware
سيُشكّل الإدراك الذاتي للآلة مستقبل الذكاء الاصطناعي، إذ يُتوقّع أن يتفوق من خلاله ذكاء الآلة على ذكاء الإنسان، ويصبح لها مشاعرها الخاصة ووعيها الذاتي. وعلى الرغم من أن المفهوم ما زال نظريًا غير مطبق فعليًا حتى الآن، لكن من المحتمل بشكل كبير أن يظهر في السنوات القليلة القادمة.
تطبيقات الذكاء الاصطناعي
إن التطبيقات التي تتعلق بالذكاء الاصطناعي لا حصر لها، لأنها متشعبة بشكل كبير، فتدخل في جميع مناحي الحياة تقريبًا. ونذكر الآن أبرز تلك التطبيقات:
1. السيارات ذاتية القيادة
السيارات ذاتية القيادة هي إحدى التطبيقات الرائدة والآلات الذكية التي تتسابق عليها الشركات حول العالم، ففيها تُضمّن معظم التقنيات التي تتعلق بالذكاء الاصطناعي من حوسبة، وتحليل، وإدارة البيانات، واتخاذ القرار.
2. الألعاب
كثير من الألعاب التفاعلية المتقدمة اليوم تعتمد على تقنيات تتعلق بالذكاء الاصطناعي. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، لعبة الذكاء الاصطناعي “ألفاجو” من إنتاج شركة جوجل التي تحاكي اللعبة الصينية القديمة “جو” المعروفة بأنها تفوق صعوبة لعبة الشطرنج، إذ تمكّن برنامج “ألفاجو” من هزيمة اللاعب الأول على مستوى العالم “لي سيدول” في لعبة “جو” الصينية.
وبالنظر إلى خوارزميات “ألفاجو”، فإنها مزيج ما بين خوازميات شبكة عصبية وتقنيات التعلم الآلي، تحت دعم الهندسة البرمجية الاحترافية. وبرنامج “ألفاجو” يكتسب القدرة على التعلم والتطور بتعريضه للعديد من المباريات التي دارت بين لاعبين محترفين مسبقًا، ومن ثم خضوعه للعب ملايين المباريات الافتراضية ضد نفسه، الأمر الذي يكسبه الخبرة، ويحسّن من أدائه في اللعب.
3. وسائل التواصل الاجتماعي
تستخدم كل وسائل التواصل الاجتماعي -بلا استثناء- تقنيات الذكاء الاصطناعي، مثل تقنيات تحليل وإدارة البيانات الضخمة وتوجيهها لأغراض مخصصة.
4 الرعاية الصحية
ارتبطت كثير من مجالات الرعاية الصحية اليوم بالذكاء الاصطناعي، مثل: تطبيقات الكثير من الأجهزة الذكية التي تساعد المرضى على التّكيف، وتساعد الأطباء على التشخيص السريع والدقيق، ومراقبة حالة المريض.
5. أمن المعلومات
تنمو الهجمات الإلكترونية بشكل متسارع في العالم الرقمي، ولا بد من وجود وسائل حماية، وفي هذا المجال هناك تقنيات مثل: AI2 Platform وAEG bot لصد الهجمات، وكشف الثغرات البرمجية.
6. التسويق والتجارة الإلكترونية
هناك العديد من أدوات التسويق الإلكتروني التي تعمل بتقنيات ذكاء اصطناعي، لتتبع اهتمامات وميول العملاء، وتحليل البيانات الإحصائية، واقتراح المنتجات ذات الصلة بالنوع، والحجم، واللون، والعلامة التجارية الموصى بها.
7. الزراعة
للذكاء الاصطناعي تقنيات تُطبّق بشكل كبير اليوم في مجال الزراعة، من خلال الروبوتات الزراعية، وأتمتة العمليات الزراعية مثل: الري، والعناية بالنباتات، ومراقبة النتائج وتحليلها أوتوماتيكيًا.
8. السياحة والسفر
أصبح إجراء ترتيبات السفر بكافة خطواتها أسهل من أي وقت مضى، فالذكاء الاصطناعي مكّن الروبوتات من محادثة ومساعدة العملاء، لتقديم اقتراحات الفنادق، والأماكن، وحجز الرحلات الجوية.
9. علم الفضاء والفلك
من أكثر المجالات التي ترتبط بالذكاء الاصطناعي هي علوم الفضاء والفلك، إذ تستخدم تقريبًا في كل الأجهزة وعلى رأسها صواريخ الفضاء، وروبوتات الاستكشاف المرسلة.
10. المساعد الافتراضي
للذكاء الاصطناعي تطبيقات تعمل كمساعد افتراضي يتفاعل مع الإنسان، ويفهم غرضه المطلوب، ويساعده في إنجاز المهام مثل: تقنية المساعد الافتراضي Siri المقدمة من جوجل، وTeslaBot المقدمة من شركة تسلا.
11. الهواتف والحواسيب المحمولة
بالتأكيد لا تخلو الهواتف الذكية والحواسيب المحمولة من تقنيات متقدمة مثل: التعرف على البصمة والوجه، والتفاعل، وتحديد المواقع وغيرها.
12. التعليم
للذكاء الاصطناعي تطبيقات لا يمكن تجاهلها في التعليم، فهي تساعد الطلاب والمعلمين بشكل كبير خاصةً في أوقات الطوارئ، مثل: برمجيات التعلم عن بعد، والتفاعل الرقمي.