تقضي حياتك اليومية متجاهلًا فكرة مشروعك الخاص وأنت تحاول التعايش مع الروتين الذي لا تطيقه في عمل تكرهه، أو وظيفة مملّة تجعلك مقيّدًا طوال حياتك براتب محدود. تعلم بداخلك أن بإمكانك فعل ما هو أفضل، لديك فكرة مميّزة حول مشروع جديد تتوقّع أنك ستبدع فيه، فكرة تراها ثورية وعملية قابلة للنجاح، لكنك لا تعرف كيف تبدأ مشروعك، ما يجعلك في تردد دائم.
نحتاج كبشر أن نخاف من حين لآخر لنراجع قراراتنا وندرس الأمور بدقة قبل التهور، لكن بعض المخاوف مبالغ فيها وغير مبرّرة، تعمل بقوّة على إبقائنا في نقطة الصفر ومنعنا من التقدم. لهذا، قبل أن تبدأ مشروعك عليك أن تتغلب على عدّة مخاوف أولًا حتى تستطيع البدء:
1. لا تعرف من أين ستبدأ مشروعك
يُقال أن الرسام «ليوناردو دافينشي» بدأ أول أيامه يُعيد رسم لوحات رسامين آخرين، لذلك أفضل وسيلة للبدء أن تقلد من سبقك ونجح في ذات المجال، بالتأكيد يَجِبُ ألاّ تنسى تفرّد فكرتك واتخاذ طريقك الخاص. ولكن، الاطلاع على تجارب هؤلاء من شأنه أن يعطيك فكرة عما يجب توقعه وما عليك فعله أو تجنبه.
ابحث عن أشخاص تشابه مشاريعهم ما تنوي بدء مشروعك به واقرأ عن تجاربهم، إن أمكنك حاول الوصول إليهم. اعثر على شخصٍ نجح قبلك في نفس المجال أو له خبرة، واسأله أن يرشدك ويعلمك أساسيات العمل وكن مستعدًا أن تدفع له، ليس من أجل بضعة كلمات التي ستسمعها منه بل من أجل كل الوقت الذي استغرقه هو كي يتمكن من تقديم تلك النصائح لك، وكل الوقت الذي سيوفره لك، وقبل كلّ ذلك عليك أن تكون متأكدًا من جدوى فكرتك وحاجة السوق إليها.
هناك خطأ يقع به الكثيرون عند الاستشارة بخصوص مشروعهم، فهو يبدأ بمراسلة الخبير دون أن يدري ما طباعه أو عاداته، أحيانًا يجد تدوينة له فيُعلق بسؤال ليس له علاقة بالموضوع. أحيانًا أخرى يرد عليه في تغريدة ببعض الكلمات التي لا معنى لها مثل: «أريد بناء شركة كشركتك» وأشياء من هذا القبيل التي من الممكن ألّا يتقبلها من تسأل النصيحة منه.
معظم هؤلاء الخبراء في مجالهم وقتهم محدود، لذا فقد تجدهم قد خصصوا أوقاتًا معينة لاستقبال رسائل طلب النصح أو الاستشارات، البعض الآخر قد يترك الباب مفتوحًا لمراسلته في أي وقت، لكنه سيرد عليك حين يتاح له الأمر. المهم أن في معظم الحالات يَجِبُ ألاّ تأخذ الأمر بمحمل شخصي، فأنت لك الحق بمراسلته وطلب العون وهو له الحق أن يرد عليك في أي وقت يناسبه.
بالإضافة أنه بإمكانك سؤال مجموعة كبيرة من الناس في مواقع الأسئلة والأجوبة والنقاشات على الويب عن كيف تبدأ مشروعك، أشهرها عربيًا مجتمع حسوب I/O، فمجتمع ريادة الأعمال وحده يحتوي على أكثر من 80 ألف متابع، ومجتمع العمل الحر يحتوي على أكثر من 90 ألف متابع. أضف إلى ذلك موقع أكاديمية حسوب الذي يوفر قسمًا خاصًا بالأسئلة، الذي يمكّنك من طرح ما تريد من أسئلة في تصنيف أسئلة ريادة الأعمال وستجد من يقدم لك يد العون.
2. لست محترفًا
من الغريب أن الغالبية يفكرون أن عليهم أن يكونوا محترفين لبدأ فكرة ما، وهذا شيء غير ممكن عمليًا. صحيح أن امتلاك المعلومة والإلمام بتفاصيل مجال عملك مهم جدًا، وكذلك الاحتكاك بالخبراء والاستفادة من تجاربهم قد يساهم في تسريع طريقك نحو الاحترافية. لكن، لا شيء أهم من الخبرة التي لن تكتسبها إلا من الممارسة وتجاوز عقدة البداية.
لا تقلق، أي خطأ تفعله الآن فهو بمثابة دخل رائع لك جاك ما، مؤسس ورئيس شركة علي بابا
3. سيعتبرني الناس مجنونًا
كثيرون سيفعلون في الأغلب، لكن من يهتم؟ أنت مجنون أجل.. لأنك تترك فرصة الحصول على عمل ثابت مضمون وتختار أن تخاطر ببدء مشروعك الخاص، هذا ما يراه أغلب الناس. لكن، عالمنا اليوم بناه المجانين، كل شخص مجنون في نظر الناس إلى أن تنجح فكرته، عندها سيقولون أنهم لطالما علموا بجدوى الفكرة من بدايتها.
في الغالب هم لا يلقون بالًا لِما يقولون، مجرد كلمات استخفافية غير موضوعية، فهل تعرَّف أحدهم إلى تفاصيل مشروعك وآلية تنفيذه أو أهدافه قبل أن يشرع في ممارسة التهكم؟ يلقون كلمات بلا معنى ويذهبون لمواصلة حياتهم، في حين أنك إذا تأثرت بهم ستكون مهتمًا بشيء بلا معنى مهملًا فكرتك التي قد يكون لها معنى كبير، فمن كان ليصدق فكرة اختراع الهاتف؟
كما أن منافسيك غير النزهاء قد يفعلون أي شيء للتقليل من قيمة مشروعك وجعلك تتراجع عنه، ليتخطى الأمر السخرية إلى استبعادك من الساحة تمامًا، مثلما حصل مع العبقري «إدوين أرمسترونج» عندما اخترع موجات الراديو FM، فتمت عرقلة مشروعه من قِبل مؤسسة الإذاعة الأمريكية خوفًا من أن يؤثر ابتكاره على موجات الراديو AM، وتحت تأثير الإحباط وعدم تقبّل فكرته ألقى بنفسه من الطابق الثالث عشر، فهل كان يفعل ذلك لو عرف ما سيحققه اختراعه؟ الأفكار العظيمة من الصعب جدًا أن يتقبّلها عامة الناس، لذلك عليك ألا تعير الكثير لِما يقولون عن فكرتك عندما تبدأ مشروعك.
4. لا أملك أي تمويل
هنا المشكلة الأكبر، لو كان بإمكان صاحب كل فكرة الدخول إلى بنك والخروج بقرض ضخم لتمويلها فسيغرق السوق بمشاريع جديدة لا أحد يحتاجها.
لذلك كي تنجح لا بد أن تتأكد أنك تستحق ذلك، قرض بنكي هو أحيانًا فكرة جيدة إن تمكنت من الحصول عليه لكنه أيضًا مخاطرة كبيرة في مشروع وليد، أما إن لم تتمكن فلا بأس من جمع المال ببطء، العديد من مصممي الأزياء الكبار ذوي الأسماء العالمية اليوم بدؤوا في متجر صغير جدًا لبيع الألبسة وخياطتها، بعضهم باع أول ما صنع في الشارع. شركة بضخامة مايكروسوفت نشأت في مرأب خلفي، إن كان لك تصور حول فكرة عمل ضخم، فأنت في الأغلب لن تستطيع تحقيق الفكرة كاملة بين ليلة وضحاها، لن تبدأ مشروعك بسلسلة مطاعم عالمية مثلًا، يمكنك البدء بكشك لبيع الطعام يليه مطعم صغير يليه واحد أكبر يليه فرع في مكان آخر.
جزئية عدم وجود مصادر للتمويل رغم كونها عائق كبير إلا أنك تستطيع الاستفادة منها لمصلحتك، فقبل أن تبدأ تنفيذ فكرتك يمكنك العمل لفترة كمستقل لتحقيق الميزانية المطلوبة أو أن تعمل بالتوازي مع بداية مشروعك، والمميز في هذه الجزئية أن تعمل في مجال فكرتك التي تود إطلاقها لتكون قد اكتسبت خبرة تُجنّبك الوقوع في الكثير من الأخطاء مستقبلًا. منصة مستقل توفر لك فرصًا للعمل في مختلف المجالات، لتستفيد أيضًا من خبرات أصحاب المشاريع، كيف ينفذون مشاريعهم، وكيف يتعاملون مع المستقلّين، لتكون أنت صاحب المشروع مستقبلًا.
لا يهم كثيرًا مدى ضخامة ما ستبدأ به، بقدر ما يهم تركيزك على المشروع وذكاؤك في إعداد خطة جيدة لتحقيق النتائج المرجوة. والأهم من ذلك كله: أن تستمتع!
اعتقد بأنك تبدأ مشروعك ليس من أجل أن تسيطر على هذا المجال أو شيئًا من هذا القبيل، فقط أنت تبدأ لفعل شيء بسيط كالحصول على المرح وعمل أشياء مسلية. – ماركزوكربيرغ (المؤسس والمدير التنفيذي لفيسبوك)
5. لا أحد يؤمن بقدراتي
ولا أحد سيفعل إن لم تفعل أنت ذلك أولًا. حتى لو اعتقدت أنك ستواجه نوعًا من الاستخفاف بسبب عرقك أو جنسك أو صغر سنك فهذا لا يهم، توجه للعمل واعطهم خدمة مميزة لن يجدوا ما يعيبون فيها.
قد يميل الناس للحكم بالمظاهر وإبداء شكوكهم، لكن في النهاية لن يستطيعوا إلا الاعتراف بك إن أظهرت لهم أنك قادر على تقديم ما وعدت به على أكمل وجه، فحتى أكثر الأشخاص استباقًا للحكم لا يمكنه إلّا أن يحني رأسه احترامًا أمام عمل متقن.
6. ماذا إن لم يستقطب مشروعي الزبائن؟
ذاك هو الكابوس الأكبر في عالم الأعمال، عندما تبدأ مشروعك ولا تتلقى أي تجاوب من الزبائن. لذلك، مهم جدًا أن تقيم دراسة جيدة للسوق وللشريحة التي تنوي استهدافها قبل البدء بالمشروع. لن ترغب في قضاء الكثير من الوقت والجهد والمال في التخطيط لشركة حِلاقة مثلًا، يتصل الناس ويطلبون حَلاقًا ليقصد بيتهم لتقديم الخدمة، لتُصدم في النهاية أن لا اتصالات، أين المشكلة؟ أنت تناسيت المجتمع الشرقي في غالبيته، دائمًا لديه مشاكل مع دخول رجل غريب إلى البيت هذا أولًا، ونسيت أن أغلب الأشخاص يفضلون حلّاقهم الخاص الذي اعتادوا عليه لسنين حتى لو عنى ذلك ساعات من الانتظار في طابور الحلاقة.
ماذا يمكنك أن تفعل؟ يمكنك أن تغير الفكرة إلى حلاقة للأطفال مثلًا؛ فاصطحاب أغلب الأطفال إلى صالون الحلاقة عذاب حقيقي، وأشك أن يكون لطفلٍ ما حلاق مفضّل لن يغيره، هذا أولًا. أما ثانيًا فيمكنك توظيف امرأة لتتولى الحلاقة مثلًا للتخلص من مشكلة رجل غريب في البيت خصوصًا أن الطفل في البيت سيُفضل أن تبقى معه أمه وهو يحلق. وبهذا يمكنك تحويل مشروع فاشل إلى مشروع قابل للنجاح دون تغيير الكثير فيه.
أن تفهم المجتمع الذي أنت فيه والشريحة التي تستهدفها وتُطوّر الفكرة على ذاك الأساس هي خطوة مهمّة جدًا، ربما أكثر من أهمية إيجاد فكرة أولية نفسها.
7. ربما لا أستطيع التعامل مع النجاح
لكل شيء في الحياة ثمنه، وللنجاح ثمن أيضًا، أحيانًا يكون حياتك الخاصة وأحيانًا هاتف لا يتوقف عن الرنين أو مسؤوليات لا تنتهي. النجاح لا يعني أن التعب انتهى، أنجح مخبزة في البلدة لا يبتعد صاحبها عن الفرن لكثرة زبائنه، لكن هل هذا يعني أنه يفضّل أن يترك عمله على حساب نجاحه؟ ربما إن لم يحبّه سيفعل، لكنك أنت من بدأ مشروعك، أنت اخترته وأحببته، لذلك إن كانت فكرة انشغالك بمشروعك تجعلك تشعر بالملل فقد اخترت المشروع الخاطئ.
8. سأخيّب ظن عائلتي
أبي أرادني أن أكون طبيبًا، كل أبناء عمي أكملوا دراستهم الجامعية، والد الفتاة التي أريدها يرغب في شخص بعمل ثابت كي يزوجه ابنته، مصاريف أبنائي الدراسية ضخمة وأحتاج لتغطيتها، هكذا تصنع العائلة مشاكل حقيقية.
لا يمكن للإنسان أن يعيش وحيدًا، ووجودك مع مجموعة أفراد يعني أن أيّ قرار ستتخذه يؤثر عليهم جميعًا. تحدّث مع عائلتك بخصوص قرار أن تبدأ مشروعك، اشرح لهم المخاطر وخطتك المستقبلية، اجعلهم يتفهمون أنك ستكون بحاجة إلى وقت أطول لإنجاح مشروعك، يمكنك أن تعدهم بتعويض كل ذلك بالطريقة المناسبة، أن تنال دعم عائلتك دفعة معنوية كبيرة.
9. ماذا إن لم أكسب ما يكفي لأعوض ما استثمرته؟
لا تشغل نفسك بالمال وتستعجل الربح، فكّر في جودة ما تقدمه وما ستضيفه للمستخدم وستأتي الأرباح فيما بعد.
في السنين الثلاثة الأولى تحصّلنا على صفر إيرادات! – جاك ما
10. ماذا إن فشل مشروعك؟
ماذا لو فعلت كل شيء بشكلٍ صحيح وفي الأخير لم ينجح المشروع؟ فكرة جيدة ودراسة جيّدة للسوق، تسويق جيد وعمل متقن، في الغالب ستؤدّي في النهاية إلى النجاح. لكنك إن فشلت فاعُدّ الأمر درسًا مهمًا، حاول الاستفادة منه بقدر ما تستطيع، وفي حال قررت بدأ مشروع آخر ستكون احتمالية نجاحك أكبر.
لا يوجد شيء في الحياة بلا مخاطر، في كل مرة تترك فيها بيتك أنت تخاطر بأن تقع في مشكلة ما، في كل مرة تشرب الماء أنت تخاطر أن تختنق، في كل مرة تأكل فيها أنت تخاطر أن يكون الطعام ملوثًا. لكننا مع ذلك نخرج ونأكل ونشرب يوميًا، لأننا إن لم نفعل فسوف نموت. إن رفضنا المخاطرة بشرب الماء فنحن أمام خطر الموت المؤكد بالجفاف، كذلك هو كل شيء في الحياة، إن عشت حياتك بلا أي مخاطر فأنت تخاطر بخسارة ما هو أكبر، خسارة فرص لم ترها قط ولم تعرف يومًا بوجودها، والأخطر من أن تخسر مشروعك أن تخسر شغفك.