يبدو العمل المستقل من المنزل حلمًا يتحقق لهؤلاء العالقين في دوامة الدوام الكامل، إلا أنه بدوره يحمل في طياته مشاكله الخاصة، الجسدية والنفسية، والتي لا تكون واضحة في البداية، وقد يشكل التعامل معها أكبر تحدٍ يواجهك كمستقل، إلا أنه يمكن الفوز به، إذا كنت ترحب ببعض التغييرات في أسلوب حياتك.
بالنسبة لكاتب المقال وربما بالنسبة لك أيضًا، أكبر تحديات هي: العزلة، ونقص التمارين، والإجهاد العقلي، سيتحدث المقال عنها على حدى، وكيف يمكن التعامل معها.
سلبية العمل من المنزل
يخبرنا كاتب المقال عن مدى شعوره بأنه محظوظ في أول يوم بعد أن استقال من آخر عمل مكتبي له ليبدأ مسيرته كمستقل متفرغ، إذ يستيقظ المرء الساعة التاسعة صباحًا ويحضر فطورًا معدًا من القلب، ويتلذّذ بأول كوب قهوة قبل الشروع في العمل، ولا تبدأ صعوبات أسلوب الحياة الجديد هذا بالظهور إلا بعد الأسابيع الأولى القليلة.
العزلة
لا تشعر بقيمة القدرة على الانخراط الاجتماعي السهل أثناء قيامك بأي عمل عادي إلا عندما تبدأ العمل كمستقل، فحينما عمل صديقنا في مطبخ، كان زملاؤه يمازحون بعضهم البعض طوال اليوم، وعمل آخر جعله يجلس في مهجع محاطًا بكثير من الأشخاص الذين كان يعرفهم، إذ لا يمكنك تجنب الانخراط الاجتماعي إذا كانت حياتك تعتمد عليه.
عندما بدأ صاحبنا مسيرته كمستقل، كان يمكن أن تمر أيام كاملة دون أن يحادث أحدًا إلا بالرسائل النصية أو البريد الإلكتروني أو الاتصالات الهاتفية، ومن المؤكد أن العديد منكم مر بهذا، ويمكن لهذا أن يؤثر عميقًا، ويسبب لك القلق خصوصًا إذا كنت مستقلًا يعيش وحده.
يمكن لعمل كهذا أن يتسبب بجداول عمل غريبة ويوتر علاقاتنا الاجتماعية الهشة أساسًا، وقبل أن تدرك ذلك ستجد نفسك ذلك الشخص ذا اللحية الشعثاء الذي يبتاع البسكويت في منتصف الليل مرتديًا خفّين.
نقص التمرن
ينتج عن الجداول اليومية الغريبة عادة سيئة أخرى، نقص التمرن، حيث يمكن أن يكون جسدك رشيقًا طوال حياتك لكن تفسد ساعات الجلوس الطويلة أمام الحاسوب ذلك في سنة أو سنتين، فيمكن أن يسبب هذا مشاكل قلبية، فتجد نفسك تتعرّق أكثر من الإنسان العادي بعد الجلوس من مشية خفيفة لمدة خمس دقايق، فتكون قد عوّدت جسدك على عدم التمرن والحركة.
والمعلومة الصادمة هي أن هذا شائع بين المستقلين، الذي قد يعرضون أنفسهم لخطر أكبر من أمراض القلب والأوعية الدموية إذا ظلوا ملتصقين بالحاسوب، أغلبنا غير معتاد على التمرن في المنزل، بل يرونه نشاطًا غير منزلي، فيتهمون العمل المكتبي بتسبيب المشاكل الصحية بساعات عمله الطويلة، بينما يرتكبون نفس الخطأ في عملهم المستقل.
الإجهاد النفسي
هذه مشكلة أقل شيوعًا بين المستقلين إلا أن هذا ليس مؤشرًا إيجابيًا، فالسبب هو بيئة العمل الغريبة التي تسمح لك باستخدام فيس بوك أو Reddit أو أي مصدر تشتيت تختاره وتضيع وقتك به بعيدًا عن الضغط، فكأننا نستبدل مشكلة بأخرى.
لكن تجنب الإجهاد العقلي أو الإنهاك أكثر من مسألة مصادر تشتيت، فيمكن للبعض قضاء أيام على مشروع واحد دفعة واحدة باستثناء بعض الاستراحات القصيرة، والبقاء مستيقظين طيلة بعض الليالي، مؤدين بأنفسهم إلى كارثة.
للمشكلة عدة تجليات، فصاحبنا مثلًا يعاني من قلة الإنتباه للتفاصيل، قد تعاني أنت من نسيان مواعيدك النهائية، أو شيء مشابه، والفظيع في الإجهاد العقلي هو استمراره لفترة دون أن يُلاحَظ إلا عندما يكون قد نال من أدائنا.
يقود هذا إلى نقطة سيتم تكرارها في أقسام المقال التالية: أفضل وسيلة للتعامل مع هذه المشاكل هي الإجراءات الوقائية منها، وسنتحدث الآن عن كيفية تطبيقها.
كيفية التعامل مع هذه المشاكل
التعامل مع العزلة
كمستقلين، فإن أبسط طريقة للتخلص من العزلة هي إيجاد محيط عمل تعاوني، من المحتمل أن هذا الاقتراح قد خطر لك إذا كنت تعمل كمستقل منذ مدة، لنناقش إذًا بعض الحلول الأخرى.
تزويد جدول عملك بالمكافآت لنفسك فكرة جيدة، يمكنك وضع موعد محدد لك لأخذ راحة وقضاء بعض الوقت مع أصدقائك بعد أن تنجز قدرًا جيدًا من مشروعك، هل أنهيت مشروعك خلال المدة المطلوبة، لم لا تتناول العشاء مع أصدقائك إذًا؟
قد يبدو نهجًا آليًا، لكن قد تكافئ نفسك بطريقة مختلفة، كالانضمام إلى دورة لليوغا أو دروس رقص، ما يقودنا إلى القسم التالي.
التعامل مع نقص التمرن
يمكنك تبني حلول في غاية الفعالية حيث تحل مشكلتين في النفس الوقت، كالانضمام إلى تمارين جماعية حيث يحل لك مشكلتين سبق لنا ذكرهما: العزلة، والنقص التمرن.
في حالة صديقنا الكاتب، فإنه يأخذ دروسًا في الرقص، لذا علاوة على مقابلته لأشخاص جدد وإعادة جسمه لرشاقته، فإنه يكسب مهارة جديدة، أليس انتصارًا ساحقًا؟
النادي الرياضي خيار وارد، لكن إذا لم تكن من محبيه فهناك العديد من التمارين اليومية التي يمكنك القيام بها في المنزل بقليل من الاستثمار للبدء، مثل P90X، أو Insanity، أو DDP Yoga.
التعامل مع الإجهاد العقلي
وها قد وصلنا إلى مشكلتنا الأخيرة، الإجهاد العقلي، والمقال سيختصرها عليك ليتجنب إجهادك ولا يتسبب بها.
أفضل وسيلة للتعامل مع هذه المشكلة هو التقليل من حدوثها قدر الإمكان، ستواجه دومًا كمستقل مواعيد نهائية مباغتة تستنزف قواك العقلية، لكن يمكن احتواء الضغط الناتج بتنظيم عبء العمل، وهذه بعض النصائح لمجابهة الإجهاد:
- حاول الالتزام بجدول حتى لو كان غير رسمي، إذ سيساعدك في تقدير مدة التي تلزم كل مشروع.
- ارفض المواعيد النهائية اللامعقولة، فلن يستفيد أحد من ضغطك على نفسك بالعمل بلا مغزى.
- نفّس عن نفسك بطريقتك المفضلة سواء كانت الطبخ، أو تناول الطعام في الخارج، أو الخروج مع الأصدقاء، أو لعب لعبة فيديو جديدة.
خاتمة
المشاكل السابق ذكرها من عزلة ونقص التمرّن والإجهاد العقلي ليس مما يجب التغاضي عنه، وإلا انحرفت بحياتك عن الطريق السوي وضرّت صحتك على المدى البعيد.
الوقاية هي النهج الأساسي لمجابهة هذه المشاكل والتخلص منها إلى الأبد، لنراجع إذًا معًا خلاصة الحلول لها:
- كرّس وقتًا لأصدقائك وقابل أناسًا جدد.
- اجعل أسلوب حياتك أكثر حيوية واختر أي تمرين تفضله، طالما أنه يبعدك عن الكرسي.
- ابقِ حياتك الوظيفية مرتبة ومارس هواياتك المفضلة.