لابدّ أنك ستصل خلال مسيرتك المهنية في عالم العمل الحر إلى مرحلة ترغب فيها برفع أسعارك، فالعديد من الشركات والمستقلين يقدمون خدماتهم في البداية نظير أقل من المتوسط لاستقطاب العملاء، ومن ثم يرفعون أسعارهم بالتدريج مع تطور خبراتهم وارتفاع قيمة خدماتهم في نظر العملاء.
لقد أُلفت كتب بأكملها حول أفضل السبل لرفع الأسعار، والنقاش في هذا الموضوع يطول ولا يمكن استيعابه في مقال واحد. ربما تجد في نفسك ميلًا إلى استقطاب عملاء جدد بأسعار مرتفعة مع التخلص من العملاء القدماء تدريجيًا، لكن مع ذلك يُفضل ألا تخسر أولئك العملاء، وخصوصًا أنك قد بنيت علاقةً وطيدةً معهم.
ولكن ماذا تفعل إن أخبرت العميل أنك بصدد زيادة أسعارك ورفض القبول بها؟ في البداية، يجب أن تضع نفسك مكان عميل، وأن تطرح على نفسك بضعة أسئلة لتعرف ما إن كان السعر الذي تطلبه منصفًا حقًا.
كم معدل الزيادة؟
إذا قررت بين ليلة وضحاها زيادة أسعارك بنسبة 100%، فإن ذلك سوف يشكل صدمةً لدى عملائك، ولا عجب في أن يرفضوا القبول بذلك. إن معدل زيادة أسعارك هو قرار شخصي بالتأكيد، ولكن يجب عليك في العموم ألا تزيد أسعارك بمعدل أكثر من 20% في كل مرة.
ما وتيرة زيادة أسعارك؟
إذا كنت تزيد أسعارك كل شهر، فسوف تخسر عملاءك بلا شك، فلا أحد على استعداد للدفع مقابل خدمة تزيد أسعارها باستمرار. ولكن إذا قبلت عملًا بسعر منخفض وترغب بزيادة هذا السعر في المستقبل القريب، فاتفق مع العميل على فترة زمنية محددة من أجل التوصل إلى سعر جديد. عدا عن ذلك، فإنه من الطبيعي أن تزيد أسعارك كل فترة (بين بضعة شهور إلى سنة بحسب سرعة نمو أعمالك).
هل ارتفعت قيمة خدماتك بالنسبة إلى العملاء؟
ربما تشعر بأنك تستحق زيادةً لأنك عملت مع العميل لمدة من الزمن، ولكن إذا كان العميل يحصل منك على ذات الخدمة التي كان يحصل عليها عندما بدأت بالعمل معه لأول مرة، فلماذا تطلب الزيادة؟
إذا كنت قد بدأت العمل مع العميل بأسعار أقل كثيرًا من سعر السوق، فقد يكون لديك سبب وجيه لطلب الزيادة مع مرور الوقت، ولكن لا تتفاجأ إذا طلب منك العميل دليلًا على القيمة الإضافية التي تقدمها له، وهنا يأتي دور العرض. اكتب عرضًا مميزًا تشرح فيه أسباب طلبك للزيادة، وتوضح فيه القيمة الإضافية في خدماتك.
قد تأخذ هذه القيمة أشكالًا متعددة، مثل ارتفاع جودة الخدمات، أو زيادة المبيعات، أو سرعة الإنجاز. وضح كيف ساعدت خدماتك العميل على تحسين أعماله خلال فترة عملك معه، ولو أمكن عزز عرضك ببيانات دقيقة ونتائج قابلة للقياس.
كيف يُوازن سعرك الجديد بغيرك من المستقلين؟ إنك بحاجة إلى بذل جهد كبير ولمدة طويلة من الزمن قبل أن تتمكن من رفع أسعارك فوق بقية السوق. وحتى ذلك الحين، سوف يدرك عملاؤك أنهم يستطيعون الحصول على ذات الخدمة من أماكن أخرى وبسعر أقل. وحتى لو وصلت إلى تلك المرحلة، فثمة أيضًا أساليب أخرى لتحقيق النمو، مثل الاستعانة بمصادر خارجية أو تطوير المنتجات التي تقدّمها.
ولكن إذا أدركت أن سعرك ربما قد يكون غير منصف لعملائك، فعد إلى العمل من جديد واحرص على تحسين خدماتك، ثم حاول رفع أسعارك مجددًا بعد بضعة شهور. يمكنك أيضًا أن تعرض سعرًا معقولًا، ولكنه ليس مرتفعًا كما كانت تطلب في البداية. في المقابل، إذا كنت تعتقد أن السعر الذي تطلبه منصف في مقابل جودة وقيمة الخدمات التي تقدمها، فالخطوة التالية هي وضع خطة عمل مفصلة لزيادة أسعارك.
كيف تقنع عملاءك بقبول الزيادة في الأسعار؟
الأشخاص الناجحون يرفضون الاستسلام من أول مرة، لذلك يجب ألا ترضى بالأمر الواقع حتى لو رفض عملاؤك القبول بأسعارك، فذلك قد يعكس عدم ثقتك بمهاراتك أو بقيمة العمل الذي تقدمه. جرب استخدام بعض الاستراتيجيات التالية لإقناع عملائك بأسعارك الجديدة، فربما ينجح بعضها في نهاية الأمر:
الحل الوسط: اقترح سعرًا أقل مما كنت تطلبه، ولكنه أعلى مما تحصل عليه الآن، كما يمكنك اقتراح رفع السعر تدريجيًا على مدار عدّة أشهر بدلًا من رفعه مرةً واحدة.
التملق: لا تستهن بالتملق أبدًا. أخبر عميلك بمدى سرورك بالعمل معه، وبرغبتك في مناقشة خيارات أخرى للحفاظ على العلاقة معه، فذلك قد يكون كفيلًا بإقناعه.
الأداء المبهر: حاول أن تقدّم أداءً مبهرًا في الأسابيع التي تسبق زيادة السعر، أو في الفترة الانتقالية بين إعلانك عن زيادة الأسعار وموعد تطبيق الأسعار الجديدة، إذ تساعد هذه الخطوة إلى إظهار مدى فائدتك للعميل إلى درجة تجعله تشعر بأنه غير قادر على الاستغناء عن خدماتك.
الاستقالة الوهمية: إذا لم تُجد أي من الاستراتيجيات السابقة نفعًا، فيمكنك دومًا اللجوء إلى حيلة التوقف عن تقديم الخدمات (مع الاعتذار للعميل عن مواصلة العمل معه) على أمل أن يبتلع العميل الطعم، ويعرض عليك زيادةً مقابل البقاء. مع ذلك، ثمة فرصة كبيرة لهذه الخدعة ألا تنجح، لذلك يُفضل ألا تستخدمها مع عملائك المهمين.
تحديد العملاء المهمين
ماذا تفعل إذا جربت كل شيء ولم يقتنع العميل بقبول الزيادة؟ في هذه الحالة، لا يوجد ما يدعو لليأس أو الإحباط. صحيح أن ثقتك بنفسك قد تهتز قليلًا وخصوصًا بعد كل الجهد الذي بذلته من أجل رفع أسعارك، ولكن تذكر أن التعرض للرفض هو جزء من طبيعة عملك مستقلًا. بعض العملاء سوف يقبلون بزيادتك بلا تردد، وآخرون سوف يرفضونها بلا تردد. وفي هذه الحالة، أنت من يقرر إن كنت تريد مواصلة العمل معهم أم لا.
مع ذلك، يجب أن تتخذ قرارك بعناية حتى لا تنتشر عنك سمعة سلبية بأنك ترفض العملاء على الدوام، وعلاوةً على ذلك، حتى لا تخسر عملاءك المهمين الذين يقدّمون لك فوائد تتخطى مجرد المال. إذًا كيف تحدد أي العملاء تُبقي وأي العملاء تترك؟
فكر بقيمة العميل بالنسبة لمسيرتك المهنية
إذا كان العمل مع شركة كبيرة أو مرموقة في مجالك يعزز ملف أعمالك ويساعدك على تسويق خدماتك، ويدعم مسيرتك المهنية بشكل أو بآخر، فربما يجدر بك الحفاظ على العلاقة معها. يجب أن تقرر ما إن كانت العلاقة مع العميل تساعد أعمالك على النمو على النحو الذي تريد، أو أنها تحول دون حصولك على فرص أكبر وأفضل.
ضع استمرارية العمل وموثوقية العميل في الحسبان. هل يعرض العميل عليك العمل باستمرار ويدفع بسرعة؟ أم أنه يغيب لأشهر ثم يطلب منك العمل خلال مدة زمنية قصيرة ويتأخر في الدفع؟ ثمة الكثير مما يقال في هذا الصدد، فقيمة العميل تعتمد في كثير من الأحيان على موثوقيته.
لا تغفل عن اهتماماتك
جميعنا يقبل بأعمال لا يحبها بالضرورة، ولكننا بحاجة إلى المال في النهاية. مع ذلك، قد يكون لديك عميل تحب العمل معه لأنه يوفر لك أعمالًا ممتعةً وملهمةً بالنسبة إليك حتى لو لم يكن يستطيع دفع أسعار مرتفعة، وبالتالي قد تختار الاحتفاظ بعلاقتك معه. تذكّر أن المال ليس كل شيء وأن أحد مزايا عملك المستقل هو قدرتك على اختيار العمل الممتع بالنسبة إليك.
لا تترك عمل الخير
قد نعمل في بعض الأحيان بسعر منخفض وحتى مجانًا، لصالح قضية عادلة أو مؤسسة خيرية لا تستطيع دفع أسعار مرتفعة. إن هذا النوع من العمل لا يمثل غالبية أعمالك، كما أنه قد يكون مفيدًا لك في تسويق خدماتك وتحسين مدى رضاك عن نفسك. مع ذلك، يجب أن تفرّق بين قضية عادلة فعليًا، وشخص يحاول استغلالك. على سبيل المثال، من المقبول تمامًا أن تعرض العمل بسعر مخفض لصالح مؤسسة خيرية، ولكن فكر مرتين قبل القبول بعمل منخفض السعر من صديق يرغب بتوفير بضعة دولارات.
الملجأ الأخير
إن العملاء الذين يرفضون القبول بأي زيادة في سعرك حتى لو كانت منصفة، ليسوا بالعملاء الذين يستحقون أن تواصل العمل معهم على أي حال. امضِ إلى الأمام ولا تلتفت إليهم. ولكن إذا كان لديك عميل مهم ترغب بمواصلة العمل معه، فما زال بحوزتك وسيلتين لرفع السعر.
يُنصح مزودو الخدمات دائمًا بالعمل على أساس المشروع لا على أساس الساعة، فهو يجعلك معتمدًا كليًا على قبول العميل بالزيادة التي تطلبها. وإذا كنت تتمتع ببعد النظر واخترت العمل على أساس المشروع، فثمة دومًا طريقتان لرفع سعرك في الساعة، وهو ما يمنحك زيادة فعلية دون الحاجة إلى موافقة العميل، أو حتى معرفته.
1. اعمل بوتيرة أسرع وأكثر كفاءة
أيًا كان العمل الذي تمارسه، يمكنك زيادة سرعة ووتيرة إنجازك لعملك، وبالتالي رفع سعرك في الساعة تلقائيًا. أحيانًا تكون هذه السرعة نتيجة الممارسة، مع ذلك يمكنك استخدام بعض البرامج والأدوات التي تجعلك أكثر كفاءة وإنتاجية.
على سبيل المثال، إذا كنت كاتبًا فيمكنك تحميل برنامج للتعرف على الصوت، وذلك للتخلص من الحاجة إلى الطباعة؛ أمّا إذا كنت مبرمجًا، فيمكنك استخدام تطبيقات البرمجة التي تقدّم نصائحًا تسرّع من عملية كتابة النص البرمجي، وتقدّم مزايا أخرى لتوفير الوقت. اسأل الآخرين من حولك عن الأدوات التي يستخدمونها، ثم جرب تأثيرها على قدرتك الإنتاجية.
2. وسع أعمالك واستعن بمصادر خارجية
يمكنك أيضًا لمضاعفة إنتاجيتك أن تعهّد ببعض المهام إلى الآخرين بسعر أقل مما تحصل عليه من العميل، ولكن يجب أن تكون حذرًا هنا، فإذا كنت مصممًا مثلًا، فسوف يكون من الخطير للغاية أن تعهّد بالعمل إلى مصممين آخرين، خصوصًا إذا لم تبلغ العميل أولًا.
مع ذلك، إذا فكرت قليلًا خارج الصندوق، فسوف تعثر على العديد من المهام التي تستطيع توكيلها لآخرين دون أن يؤثر ذلك على جودة عملك. يمكنك مثلًا توظيف مساعد افتراضي لإدارة بريدك الإلكتروني، أو توظيف شخص لتدقيق مقالاتك وتنسيقها.
الاستنتاج
تتطلب زيادة الأسعار قدرًا كبيرًا من الثقة، وخصوصًا مع صعوبة الثبات على موقفك في حال رفض عملاؤك القبول بتلك الزيادة، ولكن أهم ما في الأمر أن تثق بنفسك، وإلا كيف تتوقع من العملاء أن يثقوا بك؟
هل لديك تجارب مسبقة في رفع الأسعار؟ إذا كانت لديك أي نصائح إضافية، فيسرنا أن تخبرنا بها في التعليقات.