فنَّ التجارة الإلكترونية لا يتعلّق فقط بمعرفة أساسيات التسويق أو طرق ومبادئ البيع عبر الإنترنت. إنما لذلك المجال الواسع جانب يتعلّق بفهم واستيعاب الطبيعة السيكولوجية والنفسية للعميل، التي تدفعه إلى شراء منتجات معيّنة دون سواها أو تفضيل متجر إلكتروني محدد دون آخر. فما هي أسرار علم النفس التسويقي للمتسوقين عبر الإنترنت وما أهم الاستراتيجيات النفسية التي تؤثّر في آرائهم وتقييمهم للمنتجات والمتاجر الإلكترونية أثناء تسوّقهم؟

 

علم النفس التسويقي

يختص علم النفس التسويقي (Consumer psychology) بدراسة واستطلاع الأسباب النفسية والدوافع الذاتية وراء رغبة العملاء في شراء منتج معين، وسبب ميلهم إلى شراء ذلك المنتج. أو بمعنى آخر هو العوامل التي تحدد الاختلاف بين عميلٍ أكمل استمارة طلب المنتج الخاص بك وبين آخر لم يكملها أو لم يبدأ بها حتى.

من هنا نرى أهمية علم النفس للمسوقين عبر الإنترنت ودوره الجوهري في تحرّي أسباب النجاح في عالم التسويق الرقمي. فقد تبدأ بمتجرك الإلكتروني وتضع فيه كمًّا كبيرًا ومتنوّعًا من المنتجات المميزة التي تأمل أن تعجب عملائك وتدفعهم لشرائها، ولكن تفاجئ بأن استجابة العملاء لم تكن كما توقعّت.

يغفل الكثيرون عن مفتاح النجاح الأساسي لبيع أي خدمة أو منتج عبر الإنترنت وهو أن يلفت المنتج انتباه العميل. بمعنى أن عليك أن تفكّر كما قد يفكّر العميل الذي يبحث عن منتجك، وتسأل نفسك ما المميّز في هذا المنتج؟ الإجابة عن هذا السؤال تتضمّن أوجهًا وجوانب نفسية عدّة تلعب دورًا في جذب المتسوقين إلى المنتج وتدفعهم إلى شرائه.

التصميم و تأثيره النفسي

في الواقع إن أول ما يتعرض له العميل قبل مشاهدة المنتج هو واجهة المتجر أو الموقع الإلكتروني الخاص بك. الذي يُكوّن الانطباع الأولي الذي سيُحدث معه رضًا مستمرًّا أو نفورًا متزايدًا أثناء تصفّح العميل للمتجر. لذلك فإن الاعتناء بتصميم المتجر والتفاصيل الخاصة به عامل جوهري لجذب انتباه العميل واستحسانه. وسنتطرّق في هذا الجانب إلى ثلاثة نقاط أساسية تلعب دورًا نفسيًّا كبيرًا لدى الزوار والعملاء.

تصميم واجهة المتجر

سواءَ أكنت تملك متجر إلكتروني أم كنت تستعرض منتجاتك عبر إحدى واجهات منصّات البيع عبر الإنترنت العالمية فإن التصميم الخارجي يُعد معيارًا نفسيًا أساسيًا للعميل. فوفقًا لاستطلاع تضمّنه مشروع خاص بشبكة جامعة ستانفورد تبيّن أن 46.1% من العملاء المشاركين في الاستطلاع قيّموا مصداقية المتاجر الإلكترونية تِبعًا للتصميم الخارجي لها. ولكي تحظى بمصداقية وثقة العملاء وتترك انطباعًا نفسيًا أوليًّا جيدًا:

  • حاول أن تتفادى الأخطاء الإملائية وأخطاء التصميم الظاهرة وكذلك الصور غير الواضحة. فهذا العوامل ستوّلد حكمًا وقرارًا نفسيًّا مباشرًا لدى العملاء بعدم احترافيّة المتجر أو عدم كفائته.
  • لا ضير من اختيار نسقٍ مميّز للعناوين أو التفاصيل الكتابية لصفحة المتجر أو توصيف المُنتجات، ولكن عليك أن تحرص دائمًا على أن تكون الكتابة مفهومة ومُلفتةً في الوقت نفسه.
  • لا تجعل موقعك يضجُّ بالتفاصيل والصور والعناوين الكثيرة، بل حاول أن تركّز على المواضيع الضرورية والمنتجات الأساسيّة فقط، سيّما في الصفحة الرئيسية لمتجرك الإلكتروني. بالإضافة إلى أن ترك مُتّسع فارغ أو خالٍ من المحتوى في الصفحة سيلفت أنظار المتسوّقين مباشرةً إلى المنتجات أو النقاط الظاهرة التي تضعها.
  • حافظ على تصميم موحد وجذاب لمتجرك. إذ أن التنوّع في التصاميم بين أجزاء وصفحات المتجر قد تجعل العميل يفكّر أنّه انتقل إلى متجر آخر. لذا عليك تفادي هذا الأمر وتوحيد التصاميم أو على الاٌقل جعلها قريبة وذات نسقٍ مشترك بين مختلف أجزاء المتجر.

الصور والألوان الحيوية

يتفاعل العقل البشري بشكل سريع وقوي مع الصور والألوان التي تراها العين مما يترك انطباعًا نفسيًّا لا شعوريًّا مباشرًا، هذا غير أن وجود الصور والألوان المفعمة بالحياة في تصميم المتجر الإلكتروني يترك أثرًا إيجابيًّا على عميل. وقد أظهرت العديد من الأبحاث الأثر النفسي الإيجابي للصور والألوان الحيوية التي تحتوي على وجوهٍ سعيدة وتأثيرها بشكل مباشر مع النهايات العصبية في أدمغتنا لتعطي انطباعًا جيّدًا وراحة نفسيّة، وهذين العنصرين أساسيين لكسب ثقة العميل.

من الضروري أيضًا معرفة أن الألوان تمتلك تأثيرات نفسية مختلفة. لذلك يجب تنسيق واختيار لون التصميم العام للمتجر بصورةٍ تناسب طبيعة المنتجات التي أنت بصدد عرضها في متجرك، وفيما يلي أكثر الألوان انتشارًا ودلالاتها النفسية:

  • الأحمر: القوّة والطاقة والمودّة
  • الأصفر: السعادة والإلهام
  • الأخضر: الطبيعة والصحة
  • الأزرق: الهدوء والسلام والراحة
  • الأبيض: البساطة والوضوح

أما فيما يتعلّق بالصور الحيوية فإن وجود صورٍ لأشخاص يُظهرون تعابير سعيدة بتجربة منتجك سيكون لها أثرٌ كبير في إضفاء نوعٍ من الراحة النفسية للعميل. وسيزيد أيضًا من رضاه النفسي في حال ابتاع ذلك المنتج من متجرك.

العامل النفسي والنمط اللاواعي للتصفّح

إحدى أهم الطرق النفسية في استقراء تصرّفات العملاء أثناء تصفّحهم تكمن في معرفة وتوقّع نمط وأسلوب تصفّحهم لمتجرك الإلكتروني. بمعنى آخر معرفة النقاط الأساسية التي تلفت انتباه المتصفّحين، ثم استغلال هذه النقاط لوضع أبرز تفاصيل منتجاتك أو عروضك وجعلها تتركز حول تِلك المواضيع. وهذا يساعد العملاء على الوصول إلى ما يبحثون عنه من المنتجات بسرعة.

أظهرت العديد من الاستطلاعات أن هناك نمطًا شائعًا للتصفّح لدى الكثير من المستخدمين يطلق عليه النمط F، حيث يبدأ العملاء أولًا بتصفّح الزاوية العلوية اليمنى للمتجر متجهين إلى يسار الصفحة (عكس شكل حرف F) ثم يتجهون إلى استقراء المحتويات بشكل عمودي حتى ينتهوا إلى الزاوية السفلية اليسرى للصفحة. كما أن معظم العملاء يبحثون عن نقاط محدّدة بشكل دائم في أي متجر يتسوقون به، من هذه النقاط مثلًا:

  • تخصص محتوى المتجر بشكل عام مع صورة أو عنوان يوضّح ذلك.
  • شعار الشركة أو العلامة التجارية الخاصّة بمنتجاتك ويجب أن يظهر بوضوح على الصفحة ويعيد العميل إلى الصفحة الرئيسية.
  • رابط ينقل المتصفح إلى قسم الاستعلام وقسم الشرح وقسم المساعدة والدعم الفني الخاص بالشركة.
  • التبويب الخاص بالبحث في مكان واضح.
  • تبويبات تصفّح المنتجات ويجب أن تكون منظّمة ومرتّبة بشكل أنيق وغير معقّد.

لغة الكتابة وعلم النفس

يجب أن لا تغفل عند إنشائ أي مشروع تجاري عبر الإنترنت أن هناك حاجزًا فيزيائيًّا بينك وبين عملائك. ومفتاح التواصل الوحيد بينك وبين العملاء هي تِلك الكلمات التي تكتبها في تفاصيل موقعك أو في وصف المنتجات. لذلك من الضروري أن تفهم الأسس النفسية التي تتعلّق بمبادئ لغة الكتابة ومنطق الحوار والإقناع. وكذلك مفهوم الانطباع الإيجابي المُسبق. ويندرج ذلك تحت خطّين عريضين هما:

الجمل التحريضية

أظهرت العديد من الدراسات أن الجمل التسويقية والتحريضية الملفتة (مثل عبارات: الكميّة محدودة –إصدار محدود- أسرع قبل نفاذ الكمية..إلخ) تولّد نوعًا من الرغبة في عدم تفويت الفرصة لدى العميل، فالعميل الذي يشعر بأن منتجًا معيّنًا يبدو صفقة رابحة غالبًا لا يفوّته على نفسه ويبتاعه مباشرةً.

بإمكانك أيضًا توظيف هذا الدافع النفسي لدى العميل من خلال تضمين خصومات أو عروض معيّنة ولفترة محدّدة. بحيث يلعب عنصر الوقت هنا دور المحفّز النفسي للعميل لاستغلال تِلك العروض بسرعة. لذلك فإن إضافة تلك الجمل التحفيزية ستساعدك على بيع منتجاتك بسهولة كما ستولّد نوعًا من الرضا النفسي للعميل عند شرائها.

القصص والتجارب الإيجابية

يميل الإنسان بشكلٍ نفسي فطري إلى قراءة أو سماع القصص والتجارب الإيجابية للأخرين. إذ تدفعه هذه التجارب إلى تقييم جودة المنتج بشكل تلقائي بناءً على التجربة الجيّدة التي قرأها أو شاهدها. بالإضافة إلى ذلك فإن إدراج فيديوهات أو صور تعرض انطباعًا أوأثرًا إيجابيًّا لتجربة منتجك أو حتى إفراد حقلٍ أو صفحةٍ خاصة بتجارب العملاء الإيجابية للمنتج، سيرسّخ الربط اللاواعي بين علامتك التجارية والرضا النفسي لدى المتصفحين.

اترك تعليقاً