العمل الحر هو وسيلة عظيمة لجني الأموال عن طريق الإنترنت؛ لأن موانع الدخول إلى هذا المجال قليلة، والمؤهلات ليست ضروريةً، ويستطيع أي شخص بمهاراته المتواضعة، ورغبته الطموحة أن يجني عائدًا ماليًا متوسطًا في فترة زمنية قصيرة. وعندما يفكر المرء في المدى الذي وصل إليه بعض الأشخاص من خلال سعيهم لإنشاء تدفقات سلبية للدخل، فإن العمل الحر هو خيار الأحلام.
هناك حدود للعمل الحر، وقد يكون الحد الأكثر وضوحًا هو الوقت مقابل المال؛ لأنك لن تجني مالًا من العمل الحر إلا في ساعات العمل. لذلك يلاحظ المستقلون في أحد مراحل عملهم، أنهم لا يستطيعون توسعة أعمالهم بدون حل مشكلة الوقت مقابل المال. وحل هذه المشكلة هو موضوع هذا المقال.
التعرف على حدود العمل الحر
قدرتك القصوى على جني المال بوصفك مستقلًا محددة بأمرين:
- الوقت المتاح
- الأجر مقابل ساعة عمل
بأخذ هذين الأمرين في الحسبان، لِنناقش هذا المثال التخيلي لحدود العمل الحر: عدد الساعات الأقصى المتاح في اليوم الواحد، هو أربع وعشرون ساعةً، ولكن هذا العدد ليس حقيقيًا؛ إذ تحتاج بعض الساعات لقضاء أمور الحياة وللنوم ولتنفيذ أمور أخرى؛ لذا لنفترض أنك تعمل لمدة ثماني ساعات يوميًا. ستصل مع مرور الوقت إلى الحد الأعلى للأجر مقابل الساعة، وبناءً على مجموع أرباحك الصافي مقسومًا على عدد الساعات التي عملتها للحصول على هذا الربح، وبمتوسط عشرة دولارات في الساعة، وهو رقم واقعي بالنسبة لمجال عملك. وبافتراض أنك تتوقف عن العمل لمدة أربعة أسابيع في السنة لأخذ استراحة؛ نستطيع حساب ربحك السنوي إذًا بالمعادلة التالية:
الوقت الكلي × الأجر = الربح (5×8×48) × 10 = 19,200 دولار
وهو رقم جيد بالنسبة لحياة الأشخاص المتوسطين، ولكنه رقم محدود. فإن وصلت إلى الحد الأعلى من الأجر الممكن، ولا تستطيع العمل لساعات أكثر من ذلك، فستصبح أرباحك مستقرةً ومحدودةً، ولا يريد أي شخص أن يقف عند حد معين.
الموظفون مقابل المتعاقدين
أوضح طريق في هذه المرحلة هو توظيف مجموعة من الموظفين وزيادة حجم عملك. ستتحول تقنيًا من مستقل إلى شركة، ولكننا لا نهتم بالأمور التقنية بهذا المقال. وهذا خيار لا بأس به، ولكنه محفوف بالتعقيدات المحتملة؛ إذ إنك ستنجز عملًا إضافيًا لتوفير هؤلاء الموظفين، وستحصل على أجر أقل؛ وهو عائد العمل مخصومًا منه راتب الموظف. ويجب تولي بعض المسؤوليات الإضافية في حالة توظيف موظفين، مما يسبب لك الصداع.
لا يتطابق هذا الطريق مع أساسيات ما يريد المقال مناقشته؛ لذا بما أنك ستحتاج غالبًا للمساعدة الخارجية، يُنصح بالعمل مع متعاقدين بدلًا من الموظفين؛ إذ يعطيك هذا الأمر مرونةً كبيرةً، ويسمح لك أيضًا بتقسيم العمل على مجموعة من المتخصصين، بدلًا من إعطاء العمل كاملًا لموظف واحد. سيحميك هذا من أسوأ مشاكل التوظيف، وهي أن يتركك موظفوك، ولا تجدُ أحدًا لاستبدالهم، أي أنك بهذه الطريقة لن تكون وحيدًا، ولن تواجه مشكلةً صعبةً إذا ترك أحد المتعاقدين عمله؛ لأنك وزعت العمل على مجموعة من المتعاقدين.
يفضل بعض الأشخاص أن يكون الجميع في مكان واحد، ولكن العمل عن بعد مع مجموعة من المتعاقدين هو خيار جذاب، وأفضل من العمل مع مجموعة من الموظفين في مكتب واحد. وإذا كنت تعتقد أن هذا ليس واقعيًا ومرنًا، يمكنك أن تأخذ حسوب مثالًا على ذلك، إذ يتكون فريقهم من عشرات الموظفين الذين يسكنون في مناطق زمنية مختلفة حول العالم.
من البديهي أن المال مقابل للمال؛ لذلك تجد أن المتعاقدين يتقاضون غالبًا أجورًا أعلى من الموظفين، ولكنهم مرنون ومشاكلهم أقل.
4 نماذج لنمو العمل
يكمن جمال الإنترنت في نطاقه؛ إذ يشبه الإنترنت صندوق رمل غير محدود الحجم، حيث يمكنك تجريب أفكارك التجارية دون المخاطرة بالكثير. قد ينجح تطورك بوصفك مستقلًا بالاستفادة من تجربة صغيرة الحجم، وتؤدي إلى مجال تنفيذ كبير؛ مما يؤدي إلى نتائج مثمرة لأفكارك. سنناقش هنا أربعة نماذج يُنظر إليها بوصفها ملهمات؛ لمساعدتك على تطوير عملك بوصفك مستقلًا بأخذ نطاق الإنترنت في الحسبان.
1. التفرع
سنتحدث على أساس أنك وصلت للحد الأعلى للأجور الذي يمكن الحصول عليه بمعدل ساعة عمل واحدة، لقد أُنشئ هذا الحد بالاستفادة من نظرية الاقتصاد القديم، وهي العرض مقابل الطلب. ونصيحتي: اسعَ لتطوير المخرجات الملموسة لخدمتك لتجاوز هذه العقبة، فقد تجد طريقةً لإنجاز أعمال متشابهة لعملاء مختلفين، على نحوٍ يرتفع أجر ساعة العمل الواحدة؛ إذ إن المتحكم في الأمر في نهاية المطاف هو فائدة العميل، والأثر الإيجابي لعملك على مشروع العميل.
لنفترض -على سبيل المثال- أنك تعمل مطورًا للمواقع في الإنترنت، ووُكلت من قبل عميلين لزيادة معدل الاشتراك في البريد الإلكتروني. فإذا رفعت معدل الاشتراك لموقع العميل الأول بنسبة 5%، وكان يزور موقعه مئة ألف شخص في الشهر، ورفعت معدل الاشتراك لموقع العميل الثاني كذلك بنسبة 5%، وكان يزور موقعه مليون شخص في الشهر؛ فمن هو المستفيد الأكبر من خدمتك؟ العميل الثاني بالتأكيد هو المستفيد الأكبر، لذا سيرغب غالبًا أن يعطيك أجرًا أعلى من العميل الأول.
يجب التركيز على بعض الأمور المهمة إلى جانب اهتمامك بالعملاء الذين تتعامل معهم؛ إذ يجب التركيز أيضًا على أنواع الحلول التي تقدمها. وبصفتي كاتبًا مستقلًا، رأيت زملائي يبتعدون عن الكتابة لمواقع شائعات المشاهير وما شابه ذلك؛ لأنها تعتمد على قدر هائل من المحتوى، وعدد ضخم من الزيارات، مقابل عائداتِ إعلانات متواضعة للغاية (لكل زائر). وعلى العكس، إذا كنت تعمل لعميل يبيع أنظمةً صوتيةً عالية الدقة؛ ستستفيد من جميع قدراتك، لإعطاء العميل أفضل المخرجات؛ وبالتالي سترتفع نسبة عائداتك.
لذلك إذا استطعت تغيير شكل الحلول، وأعطيت العميل حلولًا بعوائد أفضل، فسيدفع لك أجرًا أعلى. وعندما تفهم هذا المبدأ وتطبّقه، فسيساعدك ذلك على تطوير خدمتك، للوصول إلى أهداف أسمى.
2. الاستعانة بمصادر خارجية لإنجاز الأعمال البسيطة
إذا حولت عملك إلى استثمار حقيقي، عن طريق توظيف بعض المتعاقدين، لن يصبح حجم العمل من ضمن مشاكلك؛ إذ تستطيع نظريًا توسيع نطاق عملك بلا حدود، وأن تكبر بقدر ما تريد، خاصةً عند توفر الطلب، لكن توسيع خدمتك أمر معقد أكثر مما يبدو عليه. فقد تكون بنيت عملك بوصفك مستقلًا بناءً على مهاراتك الشخصية، ومن الصعب إيجاد متعاقد موثوق وذي مهارة مشابهة لمهاراتك لإنجاز الأعمال. إن هذا الأمر معقد أكثر في الأعمال التي تتطلب الإبداع، مثل الكتابة والتصميم، إذًا الخطوة الأولى والأقل ضررًا لتوسيع نطاق عملك، هي الاستعانة بمصدر خارجي لإنجاز الأعمال السهلة، وهناك فائدتان لهذا الأمر:
- سهولة التنفيذ.
- لا تحتاج لتوظيف أشخاص ماهرين.
سأوصيك دائمًا بالتوسع البطيء والمتدرج، لذلك يكون البدء بالأعمال البسيطة هو أفضل طريقة لتطبيق هذا. يُمَكّنُك هذا من التركيز فقط على الأجزاء التي تتطلب مهاراتك المميزة، مما يؤدي إلى زيادة عوائدك كليًا. ستلاحظ أنه يمكن تسليم الكثير من الأعمال للمتعاقدين، بعكس اعتقاداتك السابقة. وعندما تحصل على متعاقد يعمل بشكل منطقي، فقد تفكر حينها بتوسيع عملك، عن طريق تسليم أعمال أكثر للمتعاقدين.
3. توسيع نطاق خدمتك
يحتاج التوسع الحقيقي لنوع من التنظيم، كما يجب ألا تعتمد الأعمال التي لا حدود لتوسعها على مهارات شخص واحد. إذا نجحت في عملية تسليم الكثير من الأعمال البسيطة لمصدر خارجي، فقد يكون الوقت مناسبًا لتغيير شكل الحل الذي تقدمه، بغرض عرض شيء يمكن للمتعاقدين تنفيذه بسهولة. تأمل -على سبيل المثال- كاتبةَ مقالات مستقلة، تجذب العملاء بناءً على سمعتها وخبرتها، لكن هناك حد واضح في توسع الخدمة التي تقدمها الكاتبة؛ إذ يعتمد عدد مبيعات الخدمة كليًا على مهارات شخص واحد ومخرجاته. إذًا الحل هو تغيير شكل الخدمة، على نحوٍ تقدم كتابات جيدةً عمومًا، وليس كتابات جيدةً خاصةً بشكل واحد.
ستحصل بالتأكيد بعض المخاطر مع هذا التغيير، ولكن العائد المتوقع منه كبير جدًا. فإذا استطعت تنظيم مخرجات خدمتك، كأن تكون مخرجات الخدمة سهلة الفهم ومتسلسلةً، فسيكون نطاق خدمتك لا نهائيًا. وإذا التزمت بتقديم المزيد من الخدمة نفسها، فسينعكس الأمر الذي ناقشناه سابقًا، وستجد صعوبات في تجاوز حدودك الحالية.
4. حول خدمتك إلى سلعة
تعتمد النماذج الثلاثة السابقة على عدد ساعات العمل، سواءً ساعات عملك أو ساعات عمل المتعاقدين الذين وظفتهم. ويفضل بعض الأشخاص تجنب الصعوبات الإضافية المصاحبة لتوظيف شخص آخر بغرض المساعدة. إذًا، الحل في مثل هذه الظروف لتطوير عملك الحر هو تحويل الخدمة إلى سلعة؛ والمقصود فعلًا هو تحويل الخدمة إلى مشروع. وهناك عدد لا محدود من الأمثلة:
- يستطيع مصمم الجرافيك أن ينشئ دورات تعليميةً، لتعليم الأشخاص التصميم بأنفسهم.
- يمكن لكاتب مستقل أن يصمم موقعًا في الإنترنت لنشر الوظائف، على نحوٍ يدفع العملاء لنشر وظائفهم.
- يقدم مصمم مواقع الإنترنت خدمات الصيانة، وعمل نسخ احتياطية، بشكل شبه تلقائي.
السر في هذه الخدمات هو الدخل المستمر والتلقائية في العمل. وبطبيعة الحال لا يتوسع دخلك بدون ساعات عمل إضافية، مع ذلك اعمل على أن تتحرر من العلاقة المباشرة بين ساعات العمل والمال المستلم، وذلك عن طريق إنشاء مصادر تعطي عوائد ماديةً. ينطبق هذا الأمر على الدورات التدريبية وموقع الوظائف وخدمة النسخة الاحتياطية، المذكورين بالأعلى. أنشئ حلًا يمكن إعادة بيعه، أو عمل تعديلات بسيطة عليه على نحوٍ يناسب العديد من العملاء، دون الحاجة لإنشاء شيء جديد يوميًا. إذًا أنت تُقدم المخرجات نفسها مرارًا وتكرارًا، وتُعطي العميل الخدمة المطلوبة، وتحصل أنت على مبلغ إضافي، رغم تسليم الخدمة نفسها، وعدم إنجازك لعمل شاق.
ما هو التالي؟
لن أتظاهر أن أيًا من النماذج التي في الأعلى سهلة ولا تحتوي على مخاطر؛ ولكنك لن تُطور أعمالك عن طريق القرارات الآمنة؛ فإذا قررت توسيع عملك، فستوسعه عندما تعرف أنك تنجز عملًا محفوفًا بالمخاطر، ولكن العوائد المتوقعة عظيمة. وطالما تتقدم عن طريق خطوات بسيطة ومتدرجة باتجاه نمو عملك، فستكون فرصة تعرضك للمخاطر صغيرةً نسبيًا، وتكاد تكون نسبة حصول الكوارث والأزمات معدومةًُ. لكنه يؤدي إلى عدم الاقتناع بفكرة توسيع حجم العمل، والتفكير بعيدًا عن قدراتك وحدودك، إلى ركود عملك واستقراره دون نموٍ بالتأكيد.