التخطيط الاستراتيجيّ عنصر مهمّ من عناصر الإدارة الاستراتيجيّة، وقد ازدادت أهميّته؛ بسبب العديد من المُتغيِّرات، والتحدّيات المحلّية، والإقليميّة، والعالَميّة، وهنا لا بُدّ لنا من توضيح أنّ الاستراتيجيّة تركِّز على العلاقة القائمة بين المشروع، ومحيطه الخارجيّ، كالعوامل التقنية، والظروف الاقتصاديّة، وغيرها، علماً بأنّه من الصعب تغيير القرارات الخاصّة بتنفيذ الخطّة الاستراتيجيّة، أو حتى العدول عنها. ومن الجدير بالذكر أنّ التخطيط الاستراتيجيّ يهتمّ بالتعامل مع التأثير المستقبليّ للقرارات الآنيّة، حيث يهتمّ بالأسباب، والنتائج التي ستظهر عند تطبيق قرار مُعيَّن قد يتمّ اتّخاذه، كما أنّ هناك سلسلة من الخطط التي قد تتغيَّر بتغيُّر الظروف، إضافة إلى أنّ أسلوب التفكير في علميّة التخطيط يتغيّر باستمرار؛ حيث يتطلّب ذلك تأمُّلاً مستمرّاً للمستقبل، وبأسلوب منهجيّ.[١]
وبالتطرُّق إلى التخطيط الاستراتيجيّ، لا بُدّ لنا من تعريف التخطيط بشكلٍ عام، حيث ورد تعريفه لغة على أنّه مصدرٌ للفعل (خطَّطَ)، نقول: خطَّطَ، يُخطِّطُ، فهو مُخطِّط، والمفعول مُخطَّط، فيُقال: خَطَّطَ طَرِيقاً؛ أي وَضَعَ لَهَ خُطُوطاً، وَحُدُودًا، وخطَّط لمستقبله؛ أي أعدَّ خُطَّة لأعماله، ومشاريعه في المستقبل.[٢] أمّا في ما يتعلَّق بمفهوم التخطيط الاستراتيجيّ اصطلاحاً، فقد عرَّفه د. علي السلمي على أنّه: “أسلوب منهجيّ في تحديد النتائج، والأهداف المرجوّ تحقيقها خلال فترة زمنيّة قادمة، باستثمار الموارد المُتاحة وِفق أولويّات، وتنسيق يضمن التوزيع الأمثل لتلك الموارد، ويحقِّق أعلى عائد ممكن منها، وذلك في ضوء الإدراك الصحيح لأوضاع المُنظَّمة، وإمكانيّاتها الذاتيّة من ناحية، والظروف والعوامل الخارجيّة في المناخ المحيط من ناحية أخرى”،[٣] وبشكل عامّ، فإنّه يمكن لنا تعريفه على أنّه: عمليّة شاملة تهتمّ بالمستقبل، وتدرك المُتغيِّرات التي ترتبط بالبيئتين: الخارجيّة، والداخليّة للمُنظَّمة؛ بهدف تحديد الاختيار الاستراتيجيّ المناسب، بما يضمن تحديد أهداف المُؤسَّسة، ورؤيتها، والانتقال بها من وضعها الآنيّ، إلى الوضع الذي تأمل في الوصول إليه بما يُحقِّق متطلَّبات الجودة الشاملة.[٤]
خصائص التخطيط الاستراتيجيّ
للتخطيط الاستراتيجيّ مجموعة من الخصائص التي يتميّز بها، ومن أهمّ هذه الخصائص ما يأتي:[٣]
- التكامليّة: حيث يهدف التخطيط الاستراتيجيّ إلى تحقيق التكامليّة بين عناصر المُنظَّمة كلّها.
- التنبُّؤ للمستقبل: حيث يهدف إلى التنبُّؤ بما يمكن حدوثه في المستقبل، والاهتمام به.
- الديناميكيّة: حيث يمكنه تغيير الخطط، وتوجُّهاتها؛ وِفقاً لمُتغيِّرات البيئة المحيطة بالمُؤسَّسة.
- الاستمراريّة: حيث يرتكز التخطيط الاستراتيجيّ إلى المداومة، والاهتمام بالتغذية الراجعة.
- الشموليّة: فالتخطيط الاستراتيجيّ يهتمّ بعناصر البيئتين: الداخليّة، والخارجيّة جميعها، كما أنّه يهتمّ بها في مستوياتها الإداريّة المختلفة.
- الإجماع: حيث إنّه يُعتبَر عمليّة صعبة تحتاج إلى تضافر الجهود، واتّفاقها، ووجود الإمكانيّات المناسبة.
- الارتكاز إلى المعلومات: فالتخطيط الاستراتيجيّ يهتمّ بالمعلومات، والبيانات اللازمة بصورة تكامليّة.
أهمية التخطيط الاستراتيجيّ
تتمثّل أهميّة التخطيط الاستراتيجيّ للمُنظَّمة في عدّة نقاط، من أبرزها:[٣]
- التعامل مع المستقبل باسلوب مرن، ومُنظَّم.
- الاهتمام بالمرونة، والتكامليّة، والاتّساق، في الأنظمة الداخليّة للمُؤسَّّسة.
- الحرص على ربط المُؤسَّسة بالبيئة المحيطة.
- الاهتمام بالقيم التنظيميّة، وتحسينها، إضافة إلى تقييم الأداء، والاهتمام بتحسين الرقابة، وعمليّة اتّخاذ القرارات.
- الكفاءة في استخدام الموارد المُتاحة جميعها، والحرص على تحسين قدرات الموارد البشريّة للمُنظَّمة.
- الاهتمام بتوثيق الصلة بين الاهداف والوسائل والتركيز عليهما معاً، بما يضمن التكامليّة بينهما، وعدم التركيز على الوسائل في تحقيق الأهداف فقط.
- الحرص على الاهتمام بالمُبادرة، والاستباقيّة، والتخلُّص من العشوائيّة، أو الحلول المؤقَّتة.
مُتطلَّبات التخطيط الاستراتيجيّ
يتميَّز التخطيط الاستراتيجيّ بتركيزه على عمليّة تشكيل القرارات التي تتعلَّق بالمستقبل، وصياغة الاستراتيجيّات، والأهداف، وتحديد الزمن المناسب لذلك، ومن هنا، تبرز بعض المُتطلَّبات الضروريّة لضمان تحقيق هذه العمليّة بشكل فعّال، ومن هذه المُتطلّبات:[١]
- تحديد الهدف الأساسي الذي تسعى المُنظَّمة إلى تحقيقه بدقّة، علماً بأنّ هذا الهدف قد تندرج تحته العديد من الأهداف الفرعيّة.
- أهميّة توفُّر المعلومات اللازمة في ما يتعلَّق بالهدف المُراد تحقيقه، وما يحيط به من ظروف؛ وذلك بهدف الإحاطة بها، والتهيُّؤ لمواجهتها.
- وجود علاقة تفاعليّة بين من يُخطِّط للاستراتيجيّة، ومن ينفِّذها، ممّا يسهّل تحويل التخطيط الاستراتيجيّ من الواقع النظريّ إلى العمليّ.
- الاهتمام بصياغة خطّة زمنيّة؛ لضمان تحقيق الأهداف بنوعيها: الرئيسيّة، والفرعيّة.
- الإحاطة بكلّ التهديدات، والفرص، التي قد تظهر في المستقبل، وهذا يتطلَّب تأمُّلاً منهجيّاً مستمرّاً للمستقبل.
- الإحاطة بالإمكانيّات البشريّة، والمادّية اللازمة لتحقيق أهداف المُنظَّمة جميعها، حيث تُعتبَر الأداة الرئيسيّة، والفعّالة في عمليّة التخطيط الاستراتيجيّ.
- الحرص على تحديد الموازنات التي تتعلّق بالاستراتيجيّة بدقّة، كنفقات التشغيل، والإنفاق، والتمويل العام، وغيرها.
- وجود معايير مُحدَّدة لقياس مدى تحقُّق الإنجازات، ومدى توافقها مع الأهداف المرجوّة.
- الاهتمام بتطوير رسالة المُنظَّمة، وأهدافها، وسياساتها للمراحل المقبلة، كما لا بُدّ من الاهتمام بتحديد مصالحها في المحيط الخارجيّ.
مراحل التخطيط الاستراتيجيّ
يتكوّن التخطيط الاستراتيجيّ من عدّة مراحل، وفي ما يأتي بيانٌ لها:
- مرحلة التهيئة: وفي هذه المرحلة يبرز الاهتمام بالخطوات الآتية:[٣]
- التشخيص الأوّلي، وتحديد المُبرِّرات، والمُتطلَّبات، والأهمّية للمُنظَّمة.
- وضع الخطّة الاستراتيجيّة، والاتّفاق عليها، وإقرارها، وذلك بعد اقتناع قيادة المُنظَّمة بضرورة اعتمادها.
- اختيار الفريق المناسب للعمل، والإعلان عن بدء التخطيط.
- مرحلة تحليل الوضع الاستراتيجيّ الراهن للبيئة المحيطة بالمُنظَّمة: حيث تتمّ في هذه المرحلة الخطوات الآتية:[٣][٤]
- مراجعة تاريخ المُنظّمة، والغاية من إنشائها، وقِيَم أصحاب المصالح فيها.
- تحليل البيئتين: الداخليّة، والخارجيّة، والتعرُّف على نقاط القوة، والضعف فيها، إضافة إلى التهديدات التي تواجه المُنظَّمة، والفرص المُتاحة لها، وتحديد العلاقة القائمة بينها، وبين محيطها، كما أنّ التحليل يشمل الهيكل التنظيميّ، والثقافة التنظيميّة، والتشريعات الداخليّة، والتقنية، والعوامل السياسيّة، والتكنولوجيّة، والاجتماعيّة، والاقتصاديّة، والموارد البشريّة، والمادّية، وغيرها من الأمور.
- مرحلة صياغة أهداف المُنظَّمة، ورسالتها، ورؤيتها: حيث إنّ صياغة رسالة المُنظَّمة، ورؤيتها، عمليّة تهدف إلى توضيح هويّتها، واتّجاهات النموّ الخاصّة بها، ولتحقيق ذلك، يتمّ اتّباع عدّة خطوات على النحو الآتي:[٣][٤]
- صياغة الرؤية، والرسالة.
- وضع الأهداف، وتحديد القِيَم.
- تعميم الاستراتيجيّة، والتعريف بها.
- مرحلة وضع الخيار الاستراتيجيّ، وتحديده: حيث يشمل هذا الأمر وضع خطّة تفصيليّة تنفيذيّة، وتشغيليّة، وهي تشمل العديد من الخطوات التي من أهمّها:[٣][٤]
- الاهتمام بالأهداف الفرعيّة، ووضعها، وتحديد مؤشِّرات قياسها.
- تحديد المهامّ، والمشاريع.
- تحديد المدّة الزمنيّة اللازمة لكلّ مهمّة.
- تحديد كلّ من له علاقة بتنفيذ العمليّة.
- وضع آليّة للرقابة، والتقييم، والمتابعة.
- تحديد الموارد الضروريّة لكلّ مهمّة.
- وضع الخطّة الاستراتيجيّة، وصياغة الوثيقة النهائيّة التي تتعلَّق بها.
- مرحلة تنفيذ الاستراتيجيّة: حيث يتمّ فيها صياغة الخطط التشغيليّة، وتحديد الميزانيّة المعتمَدة للسنة الأولى، كما يتمّ تدريب الموظَّفين، وتوفير الإمكانيّات اللازمة، والبدء بالتنفيذ الفعليّ للاستراتيجيّة.[٣]
- مرحلة تقييم الاستراتيجيّة: وفي هذه المرحلة يتمّ التأكُّد من تحقُّق الأهداف الاستراتيجيّة، ومدى تقدُّم عمليّة التخطيط ككلّ، ومعرفة المُستجِدّات بشكل مستمرّ، ومتابعة المُتغيِّرات، ومعالجة جوانب الضعف، والانحرافات، وتصحيحها، وتعديل الخطّة بما يتوافق مع المُتغيِّرات، والمُستجِدّات.[٣]
العوامل المؤثرة على التخطيط الاستراتيجيّ
من الجدير بالذكر أنّ هناك بعض العوامل التي تؤثِّر في التخطيط الاستراتيجيّ، ومنها:[١]
- السياسة العامّة للمُنظَّمة؛ حيث تلتزم الخطّة الاستراتيجيّة بالنظام الأساسيّ لإدارة المُنظَّمة، والمحافظة على سياساتها العامّة في الاتّجاهات جميعها.
- الوضع الجغرافيّ؛ حيث تختلف الوسائل التكنولوجيّة المُستخدَمة بين مُؤسَّسة، وأخرى؛ تبعاً لظروف البيئة المحيطة بها، كالبيئة السهليّة، أو الجبليّة، أو غيرها، كما أنّ للكثافة السكّانية تأثيراً فيه أيضاً.
- العوامل الاقتصاديّة؛ حيث لا بُدّ للمُؤسَّسة من وضع الإمكانيّات المادّية المُتوفّرة ضمن الميزانيّة الخاصّة بها؛ للتمكُّن من تحقيق الأهداف المطلوبة.
- العوامل الاجتماعيّة؛ حيث لا بُدّ من الاهتمام بالبيئة الاجتماعيّة المحيطة بالمُؤسَّسة، وعاداتها، وقيمها، وما إلى ذلك.
- ميول السكّان، واتّجاهاتهم؛ حيث لا بُدّ من مراعاة، وإدراك الفروق بين الأجناس المختلفة في المجتمع، وخصائصها.