السؤال الأكثر شيوعًا الذي أتلقاه من جميع المستقلين الطموحين على اختلاف تخصصاتهم، هو كم يجب أن أتقاضى؟

ويُطرح السؤال لأسبابٍ عديدة، سواء أكان المستقل مبتدئًا ويخطو أول خطواته في مجال العمل الحر، أو متمرسًا ويريد إعادة التفاوض بشأن سعر خدماته مع العميل، إذ يبدو أن تحديد الميزانيّة والتفاوض عليها واحدةٌ من أكثر الجزئيات تعقيدًا وإخافةً في العمل الحر، ولا يجب أن تكون كذلك، لذا سأقدم اليوم نظرةً عامةً ومتعمقةً حول كيفية تحديد الأسعار والتفاوض عليها مع العملاء الحاليين والمُحتملين، فمن خلال خبرتي كوني كاتبًا مستقلًا، فإنني توصلّت إلى نصائحَ هامةٍ؛ تنطبقُ معظمها على أي تخصصٍ يُقدم الخدمات الحرّة.

أدنى تسعيرة مقبولة

أول شيءٍ يجب عليك فعله كونك مستقلًا هو معرفة أدنى الأتعاب التي تقبل أن تتقاضاها مقابل العمل مدة ساعة، أو ما يسمى بالسعر الأدنى المقبول، وإذا كنت تعمل فعليًا كمستقلٍ بدوامٍ كامل أو تخطّط لأن تصبح كذلك، فيجب أن تحتسب الحد الأدنى لسعر خدماتك كما يلي:

((النفقات الشخصّية + نفقات العمل) / ساعات العمل) + الضرائب

لنأخذ مثالًا عمليًا ونُطبّق عليه، ولنفترض أن نفقاتك الشخصيّة الأساسيّة مثل المسكن والمأكل تبلغ 30.000 دولارًا، وأن تكلفة أداء العمل هي 5000 دولارًا سنويًا، وأنت تخطط للعمل 6 ساعاتٍ يوميًا لمدة 48 أسبوعًا في السنة؛ الإجمالي 1440 ساعة، فمن خلال هذه المعطيات، إليك طريقة حساب سعرك الأدنى للخدمات في الساعة (لا يتضمّن قيمة الضريبة):

(30000 دولار + 5000 دولار) / 1440

يبلغ السعر الأدنى المقبول 24.31 دولارًا / الساعة (أو ما يعادله بالعملة المحلية)، ثم أضف 20٪ للضرائب، فيصبح أدنى سعرٍ للخدمة هو 29.17 دولارًا / الساعة.

إذا بدا الحساب أعلاه تقريبيًا بعض الشيء، فهذا لأنه كذلك، لذا لا ترهق نفسك في محاولة تحديد أدنى سعرٍ بدقّة، لأن هناك الكثير من المتغيرات تحول دون إتقان التضريبات الحسابيّة. على أي حال، تؤدي المعادلة أعلاه المهمة بما يكفي، طالما أن نسبة الخطأ فيها تطال بعض الجوانب المتحفّظ عليها فقط.

هناك طريقةٌ أخرى لحساب الحد الأدنى للسعر، وهي بأن تأخذ قيمة راتبك السابق أو الحالي وتقسمه على عدد الساعات التي تخطّط للعمل خلالها، حيث أن من الممكن تغطية النفقات العامة الأخرى باستخدام ما وفره لك التخفيض الضريبيّ الذي سوف تحصل عليه بالعمل حرًا، ولكن قد ترغب في التأكد من ذلك بنفسك.

أنا لست من المعجبين بهذا النهج، إذ من المحتمل أن تقلّل من قيمة نفسك كثيرًا، ولذلك لا بدّ أن يكسب المستقلون أكثر بكثير من الموظفين العاديين عند الموازنة بين الفريقين. على كلٍ قد تكون هذه نقطة انطلاقٍ جيّدة لك، لكن بالنسبة لي، كانت المعادلات الحسابية السابقة عنصرًا حاسمًا في اتخاذ قراري بشأن الاستقالة من وظيفتي.

إذا كنت قد بدأت للتو في العمل كمستقلٍ بدوامٍ جزئي، فإن سعرك الأدنى يعكس إلى أي مدىً تُقدِّر وقتك الخاص، ومع ذلك أنت بحاجةٍ إلى العمل مقابل مبلغٍ من المال يضعك في حالةٍ عقليةٍ سليمة لتقديم خدمةٍ مثاليّة، وإذا قدمت خدمةً بمقابلٍ أقل، فقد تكون سيئًا في التنفيذ وينتهي بك الأمر إلى الإضرار بسمعتك.

عندما تتطور ككاتبٍ مستقل، سوف تزيد متوسط سعرك بناءً على المبلغ الذي تطمح لكسبه، بدلًا من تقييم سعرك بناءً على المبلغ الذي يغطي احتياجاتك.

صيغة التسعير

عندما يتعلق الأمر بتحديد كيفية تسعير خدماتك، ابدأ بهذا الفهم الأساسي، يُعَد التسعير مقابل الساعة أحد أسوأ الأخطاء التي يُمكن أن يرتكبها المستقل، فهناك سببان رئيسيان لذلك:

1. يحد من إمكانات الكسب

إذا كنت تتقاضى أتعابًا بالساعة، فسيكون من الطبيعي أن تعمل بكفاءةٍ أقل مما لو كنت قد حددت التسعير على أساس المشروع أو الخدمة ككل، وبالنظر إلى أن لديك عددًا معينًا من الساعات المتاحة في اليوم، فأنت تضع حدًا أقصى للأرباح المحتملة أساسًا، غير أنه يمكنك بالطبع رفع أتعابك للساعة، لكن لا يزال لديك نفس العدد المحدود من الساعات للعمل خلالها بالمعنى الحرفيّ والمجازيّ.

من ناحيةٍ أخرى، إذا كنت تُسَعِّر على أساس كل وظيفةٍ أو مشروعٍ تستلمه، فأنت مقيدٌ فقط بسرعة إكمال عملك، وسوف تتعلم أيضًا العمل بإنتاجيةٍ أكثر، وبالتالي ستكسب أجرًا مكافئًا أعلى مقابل كل ساعة، وتثير إعجاب العملاء بأسلوبك الفعّال وتطوّرك السريع.

2. يؤثر سلبا على قرار عملائك

سعر الساعة هو عَقبةٌ نفسيةٌ كبيرة للعديد من العملاء المحتملين، حيث أن نفس الوظيفة التي تُسَعَّر بطريقتين مختلفتين سوف تُثير ردود فعلٍ مختلفةٍ تمامًا.

لنفترض أنه أتيحت لك الفرصة لكتابة مقالةٍ من 1500 كلمة، حول موضوعٍ معقدٍ وتقني يُصادف أنك على درايةٍ جيدةٍ به؛ ونظرًا لطبيعة المحتوى، يُسعَد العميل بدفع 150 دولارًا مقابل المقالة الواحدة، فلنفترض أن الأمر سيستغرق منك 3 ساعات، وتفترض 50 دولارًا سعرًا معقولًا للساعة، لكنّك لا تعرف ذلك عند تقديم عرضك. ما عليك فعله هنا، هو أن تنتبه لهذين النهجين المختلفين للتسعير:

  1. تُوضّح في عرضك أن كتابة المقالة ستكلف 150 دولارًا.
  2. تُقر في عرضك أن المقال سيستغرق حوالي ساعةً لكتابته، وسيُكلفك 150 دولارًا.

سيقبل العميل الخيار 1 برضى، ومن المؤكّد أنه سيرفض الخيار 2 -وذلك لأسبابٍ نفسيةٍ ببساطة- ومبدأ إدراك القيمة؛ في هذا السياق، تطرق كريس جيلبو إلى هذا في مقالته المئة دولارًا الأولى The $100 Startup، حيث دفع 50 دولارًا إلى صانع الأقفال مقابل تصليحٍ سريعٍ جدًا وطارئ، لكن الكاتب شعر بالضيق بسبب المدفوع النقدي، ولهذا علّق كريس على طريقة تفكيره غير المنطقي قائلًا:

“أدركت أنني بيني وبين نفسي تمنيت أن يستغرق وقتًا أطول للوصول إلى موقعي، على الرغم من أن ذلك كان سيعطلني أكثر، كما أردته أن يعاني في فتح قفل سيارتي ويبذل جهدًا كبيرًا، على الرغم من أن ذلك لا معنىً له على الإطلاق، إذ لبّى صانع الأقفال حاجتي وقدّم حلًا سريعًا وشاملًا لمشكلتي، وبذلك لم أكن سعيدًا بدفع أتعابه التي حددها مسبقًا وبدون سببٍ وجيه”.

سيشعر عميلنا الافتراضي بعدم الرضى غير المنطقي أيضًا، لو كان التسعير مطروحًا في العرض باستخدام الخيار 2، وهذا بنفس الطريقة التي شعر بها كريس بخصوص تجربة تصليح قفل سيارته المعطّل بسرعة، لكن للأسف فإن معظم الناس ليس لديهم حضور كريس العقلي لفهم وتحليل تفكيرهم غير المنطقي.

يمكن أن يكون لكفاءتك والسرعة التي تُؤدّي بها عملك تأثيرٌ كبيرٌ على أرباحك النهائيّة، لكن لا تعرض خدماتك مقابل سعرٍ منخفضٍ للساعة فقط لأنك جيدٌ في ما تفعله وسريعٌ في التنفيذ.

قيمة الخدمة

من المهم دائمًا النظر إلى عملك من خلال عيون العميل ومن منظورٍ تجاري، ضع في حسبانك: كيف سيفيد عملك العميل؟ وكيف سيؤثر إيجابًا على أرباحهم النهائية؟ تحدد الإجابة على هذا السؤال جزئيًا المبلغ الذي يمكنك طلبه من صاحب المشروع.

على سبيل المثال، إن كتابة مقالةٍ لمدونة شركةٍ صغيرةٍ سيكون تأثيرها محدودًا نسبيًا، أما إذا كنت تكتب نصوصًا إعلانيةً لشركةٍ ضخمةٍ متعدّدة الجنسيات، فقد تكون فائدة خدماتك هائلةً لهم، ويجب أن ترفع السعر وفقًا لذلك.

ضع هذا في الحسبان، بينما تطوّر عملك في القطاع الحر، عندما يكون ذلك ممكنًا، ضع خدماتك في خانةٍ أحب أن أسميها “منطقة العملاء الكبار”، بدلًا من كتابة منشوراتٍ في مدونةٍ لعملاءٍ صغار، ثم وجّه خدماتك إلى تحرير المدونات المتطوّرة، بدلًا من تصميم الشعارات للشركات المحليّة الصغيرة، واعمل كمستشار تصميمٍ للشركات الضخمة.

قد تبدو مثل هذه الأفكار غريبةً في هذه المرحلة من مشوارك المهني، ولكن من المدهش أن ترى إلى أين سوف يأخذك الجهد الإضافي والتخطيط لهذا الأمر.

المنافسة

يعتمد سعر خدمتك إلى حدٍ كبير على مقدار التسعيرة التي يقدمها منافسوك في مقابل نفس الخدمة، ولكن ما العمل الذي يتقاضون أجرًا منه؟ هل تستطيع استكشاف ذلك؟ ينشر العديد من المستقلين أسعار خدماتهم على مواقعهم الإلكترونيّة بوضوح، وقد تفكر في سؤالهم مباشرةً حول هذا، ولكن أسوأ ما يمكنهم فعله هو الاعتذار لك وعدم اطلاعك. أيضًا ما مدى جودة الجهات التي يقدمون خدماتهم لها؟ كيف توازن خبرتهم مع خبرتك في المجال؟

السؤال الحاسم هنا هو: ما هو مكانك في سوق المنافسة؟ على مقياس الكفاءة، هل أنت أقرب إلى الأسفل أم أنّك على القمة؟ تُحدّد الإجابة على هذه الأسئلة قوة اندفاعك التي يجب أن تتحلى بها وأنت تُحدّد أسعارك.

العرض والطلب

لقد تفاوضت مؤخرًا على رفع سعر خدمةٍ مع عميلةٍ أتعامل معها؛ ومع ذلك، لم يكن السعر النهائي مرتفعًا كما أردته، لكنني لم أستطع مناقشة وجهة نظرها، حيث قالت:

“يجب أن أكون صادقةً معك، من السهل جدًا الحصول على الكتّاب مقابل بضعة دولارات؛ نظرًا لأني كاتبةٌ أيضًا، وهذا أمرٌ مخيف، حيث لديّ أصدقاءٌ من صحفيي الفاينانشيال تايمز منزعجون جدًا من هذه الأمور! أعني هذا رائع للشركات وأصحاب الأعمال، ولكن ليس للساعين إلى الجودة”

أنا لا أتفق مع التلميح الواضح للعميلة بأنه لا يمكنك كسب المال من الكتابة؛ ومع ذلك، لا أشك للحظة في أنها تجد وفرةً من الكُتّاب الرخيصين لنوع المحتوى الذي تنتجه مدونتها.

وجهة نظري هي أن وفرة أو ندرة المستقلين أمثالك، لها تأثيٌر كبير على التسعير الذي يمكنك تعيينه، وهذا هو العامل الأساسي، فكلما انخفضت جودة العمل الذي تقدمه، كثُرت عروض المستقلين المماثلة، لذا كن على درايةٍ بكمية العرض، وفكّر في كيفية تأثيرها على تسعيرك للخدمة، ولكن الأهم من ذلك، اعمل بجدٍ لتتطوّر؛ متخطيًا الدرجات القليلة الأولى من سلم النجاح وبأسرع ما يمكن، وإلا سيتعّين عليك التعامل دائمًا مع مفاوضاتٍ مثل المذكورة أعلاه.

علاوةً على ذلك، ضع في حسبانك أن الطلب عليك أنت، فهل يتواصل معك عملاءٌ جدد عن طريق الإحالة أو التوصية؟ هل يبحثون عنك على وجه التحديد لأنهم أحبوا عملك؟ من المرجّح أن يقدِّرَ مثل هؤلاء العملاء عملك بدرجةٍ أكبر بكثير من أولئك الذين تبحث أنت عنهم.

الفوائد غير المباشرة

عند تحديد السعر أو التفاوض عليه أو التفكير في الحد الأدنى للتسعير، من المهم ألا تفكر فقط في التعويض المالي عن خدماتك، خذ العميلة المذكورة أعلاه كمثال، إذ ما زلتُ أنفذ لها مشاريع كتابة، على الرغم من أنها تدفع أجرًا بالساعة يعادل نصف ما يدفعه أي عميلٍ آخر لدي، ولكن لماذا؟ بسبب الفوائد غير المباشرة وهي ما يلي:

  • تمتلك العميلة مدونةً موثوقة، وهي جيدةٌ لسمعتي.
  • يؤدّي الرابط الموجود أسفل كل مقالٍ من مقالاتي إلى زيادة حركة المرور إلى مدونتي الخاصة.
  • العمل آمن ومستمر معًا، كما إنني أثق بالعميلة.

هناك العديد من الفوائد غير المباشرة التي يمكن أن تؤثر على السعر الذي يُسعدك قبوله، مثل الفرص المتوقّعة من وراء العمل، كأن يُؤدّي إلى مشاريع أكبر مع العميل، أو الحصول على الإحالات بسببه وعملاء من مناطق جديدة، كما أن الكتابة لبعض المواقع المشهورة وإن كانت أحيانًا بمقابل مادي قليل نسبيًا، إلا أنها ستحقق الشهرة والموثوقية للكاتب المستقل، بحيث تجلب لك المزيد من العملاء، خصوصًا عندما تشير لمقالاتك في تلك المواقع ضمن معرض أعمالك. وإن كانت مقالات بالمستوى المطلوب، فإن تلك المواقع ستستمر بطلب خدماتك ما يعني وجود دخلٍ دائم بالتعامل مع تلك المواقع.

التفاوض

التفاوض أمرٌ طبيعيٌ بالنسبة لي، فقد عملت في إدارة وتطوير العقارات فيما مضى، ولم يكن غريبًا علي إجراء مفاوضاتٍ تتضمن مبالغ طائلةٍ بسبع أصفار، وقد يكون هذا هو السبب في أنني لا أجد صعوبةً في التفاوض مع العملاء في المجال الحر حول أتعاب هذه الصفقات المصغّرة بالموازنة مع سابقتها.

لكن هذا لا ينتقص من إيماني الراسخ بأن التفاوض لا يجب أن يكون حدثًا مرعبًا، إذ أن التصوّر الشائع هو أن كل العملاء يبحثون عن صفقاتٍ رخيصة، والأمر ليس كذلك دائمًا، أو على الأقل ليس فيما يتعلق بمجال التدوين الذي أعمل فيه، فبالتالي إذا وجدت نفسك مع عملاءٍ يمتصون جهدك لآخر سنت، ففكّر في تركيز جهودك على مكان آخر. والآن دعنا نتعمّق في عالم التفاوض للمستقلين.

نطاق الأعمال

تأكّد دومًا من حدود الوظيفة التي تضع تسعيرًا لها؛ أنا لا أستطيع أن أشدّد على هذه النقطة بما يكفي، فأسوأ كابوسٍ للمستقل هو حدوث سوء فهمٍ بينه وبين العميل فيما يتعلق بمهام وحدود المشروع، إذ يمكن أن يؤدي هذا إلى علاقة عملٍ متعثّرة، وساعاتٍ إضافيّة لتنفيذ خدماتٍ لم تكن ميزانيتها في الحسبان.

تأكّد من التوصّل إلى اتافقٍ بشأن الطبيعة الدقيقة للخدمة ومهامها، لذلك إذا كان المشروع يحتاج إلى عملٍ مستمر ويستغرق وقتًا، فتوصّل إلى اتفاقٍ مؤقتٍ مع العميل، على أساس التوصّل لاتفاق بعقدٍ ثابتٍ طويل المدى في تاريخ مستقبلي. وفي كل الحالات، تأكّد من التوصل إلى اتفاقٍ طويل الأجل لا لبس فيه فيما يتعلق بطبيعة العمل، إذ يمكن أن يوَثق الاتفاق عبر المراسلات أو بالبريد الإلكتروني أو بعقدٍ رسمي، إذًا فالنقطة المهمة هي أن تكون قادرًا على إثبات أنك قدمت بالضبط ما طلبه منك العميل.

تحديد ميزانية المشروع

مفتاح تسعير المشاريع هو بتقسيمها إلى الأجزاء التي تتكون منها، لذا بمجرّد تحديد مكونات العمل، خصّص إطارًا زمنيًا مناسبًا لتنفيذ كلٍ منها، ولا تنسَ احتمالية حدوث ظرفٍ طارئ، ثم أضف كل العناصر السابقة بما فيها الجهد اللازم لتجاوز الحالات الطارئة.

سوف يتفاوض العميل معك على السعرغالبًا، إذ يشعر الكثيرون بالضيق أو احتمالية التعرض للاحتيال إذا لم يطلبوا تخفيضًا في السعر ولو قليلًا، وذلك بغض النظر عمّا إذا كان السعر المخفض يعكس القيمة الحقيقية للخدمة أم لا، لذا تأكّد من تسعير خدمتك وفقًا للجهد المبذول والوقت الذي تحتاجه للتنفيذ.

ما نأمل أن يكون واضحًا في هذه المرحلة هو أن جميع العوامل المذكورة أعلاه يجب أن تؤخذ في الحسبان عند تسعير المشروع، إذًا اسأل نفسك الأسئلة التالية:

  • ما هي قيمة الخدمة التي أقدمها؟
  • ما هي التسعيرة التي يتقاضاها المنافسون؟
  • ما مدى التنافسيّة في السوق الذي أعمل فيه؟
  • ما مدى قوة العرض/الطلب على هذا النوع من الأعمال؟
  • هل هناك أية مزايا غير مباشرة تتعلّق بالعمل مع هذا العميل تحديدًا؟

تذكّر أن حدّك الأدنى للسعر المقبول هو آخر سعرٍ للخدمة، حيث أن مربط الفرس الآن هو كيفية تقديم عرضٍ يُحقّق التوازن بين زيادة أرباحك المحتملة، وعدم إخافة العميل أو إبعاده، وبالتالي السيناريو الأسوأ بعد ذلك هو أن يطلّع العميل على سعرك ويبتعد، إذ إن احتمال حدوث ذلك ضئيل، إلا إذا سعرت نفسك خارج السوق فعلًا. وفي هذه الحالة، ستحتاج إلى العودة إلى الورقة والقلم وتحليل ما تراه سعرًا معقولًا بالنسبة لك.

من المُرجّح جدًا أن أي عميلٍ تتواصل معه سوف يحاول التفاوض معك لتخفيض ميزانيّة المشروع، وهنا تأتي أهمية الحماية التي يكفلها لك سعرك المدروس مسبقًا، وبالتالي فإن مدى ميلك للتفاوض فوق حدك الأدنى للسعر، يرجع أساسًا إلى مقدار رغبتك في المشروع، فهل لديك الكثير من الحجوزات لتنفيذ مشاريع أخرى؟ وهل تستطيع أن تتحمل تكلفة لعب دور المستقل صعب المنال؟ هل أنت في حاجةٍ إلى أي عملٍ وجميع الأعمال التي تقع ميزانيتها في أو فوق حدك الأدنى؟ ضع في الحسبان، وضعك وظروفك وتفاوض وفقًا لذلك.

تذكّر أنه طالما كان سعر الساعة أعلى من حدّك الأدنى، فإن أي أجرٍ إضافيٍ بمثابة إمكانيةٍ لزيادة الدخل، وذلك لأن الأمر ليس بخطورة الحياة والموت، فإذا كُنت حقًا في حاجةٍ إلى العمل، فلا تحاول أن تتذاكى في مفاوضاتك.

الحد الأدنى للميزانية

إذا حاول عميلك التفاوض تحت حدّك الأدنى للسعر، فلديك إحدى الخيارات الثلاثة التالية:

  1. قبول المشروع.
  2. التمسُك بموقفك من الميزانيّة المحدّدة.
  3. التفاوض على تقليص نطاق مهام المشروع.

لا تنظر في الخيار 1 إلا إذا شعرت أن الفوائد غير المباشرة المرتبطة بالمشروع تتفوّق على الفرق في السعر. أتعامل مع عميلةٍ هي خير مثالٍ على ذلك، إذ تدفع لي تحت ميزانيتي الدُنيا بقليل، لكني احصل على رابطٍ مجاني لمدونتي في المقابل، مما يعوّض عليّ فرق السعر، حيث أنني أنفق الكثير من الجهد في الترويج لمدونتي دون أي مقابلٍ مالي، لذا فإن الحصول على أموالٍ لتنفيذ نفس العمل لا يُمكن أن يكون شيئًا سيئًا، أليس كذلك؟

يجب اتخاذ الخيار 2 إذا كنت مرتاحًا لعدم انتهاك الحد الأدنى للميزانيّة فيما يخص الوظيفة التي تقوم بها، وهو قرارٌ بديهي إذا لم تكن هناك مزايا غير مباشرة، وبالإضافة إلى ذلك، يُمثّل الخيار 3 حلًا وسطًا في تقديم الخدمة، وأنا لا أميل نحوه كثيرًا، فقد يؤدي في كثير من الأحيان إلى استياء العميل وعلاقات عملٍ غير متينة.

بالنسبة لي سوف ألتزم بالخيار 1، فإذا لم يكن العميل على استعدادٍ لدفع ما يسدّ احتياجاتي الأساسيّة، فلماذا أقدم له خدمة؟

أخيرًا، إذا فاوضك أحد العملاء على السعر بحدّة وبدأت تقول لنفسك: “قد أُنفذ المشروع بميزانيةٍ أقل”، فقد حان الوقت لإعادة تقييم حدّك الأدنى لسعر الخدمة.

العربون

في رأيي، لا يجب عليك أبدًا طلب عربون ما لم تكن الوظيفة كبيرةً وتتطلب الكثير من الاستثمار مقدمًا قبل البدء بعملية التنفيذ، فلا شيء يصرخ: “أنا لا أثق بك” أكثر من طلب العربون من الزبون، غير أنها ليست طريقةً جيدةً لبدء ما نأمل أن تكون علاقة عملٍ مربحةٍ طويلة الأمد.

بدلًا من ذلك دقّق في عملائك، فإن لم تكن مرتاحًا لشروط الدفع التي يقدمونها لك، فاقترح الدفع على فتراتٍ أقصر خلال مدّة الاختبار، تليها اتفاقيةٌ دائمةٌ طويلة الأجل، بالطبع إذا كان ذلك يُلائم مهام المشروع.

في الأخير، افهم أن العميل الذي يتهرّب من دفع أتعابك أحيانًا هو أحد الأمور العرضيّة التي قد تحدث في مجال العمل الحر، وكلما تقبّلت هذه الحقيقة كان ذلك أفضل.

الميزانية ليست دائمة

غالبًا ما يُصاب المستقلون الناشئون بالشلل عندما يتعلق الأمر بتحديد أسعار الخدمات، لكن تذكّر أن كل عميلٍ يمثل شخصه فقط، وأن الأسعار ليست ثابتةً أبدًا، ولذلك عند التفاوض على السعر مع العميل، فإن أسوأ نتيجةٍ هي أن تفقد هذا العميل، ولكنها ليست نهاية العالم.

لقد قلت ما يلي لعملاءٍ جددٍ في أكثر من مناسبة:

“لنبدأ بهذه المقالة ونُجري تقييمًا بعد بضع مقالات لنرى كيف تتوافق التوقّعات مع الواقع من حيث نطاق مهام العمل”.

لم يتفاعل أي عميلٍ تعاملت معه سلبًا مع هذا الأسلوب، وكان الجواب دائمًا شيئًا مثل “هذا يبدو عادلًا”، لأنه كان إقرارًا منصفًا لكلا الطرفين.

إذا كنت تتصرف تجاه عميلك بطريقةٍ تُظهر الثقة، فمن المُرجّح أنه يرغب في العمل معك أكثر من أنه يحاول التحايل عليك، وإذا كنت تتحلى بالشفافيّة تمامًا في طريقة تنفيذك للمشاريع، فسوف يرغبون في العمل معك على المدى الطويل.

في الختام، يمكن القول أن مفتاح تحديد الميزانيّة للمشروع والتفاوض عليها بنجاح، هو ببساطة أن تتدرّب على ذلك، فكلما زاد عدد العملاء الذين تتفاوض معهم، زادت خبرتك وقدراتك بكل بساطة.

اترك تعليقاً