لا يرتبط الأمان المادي لرواد الأعمال بالسؤال عن مقدار المال أو عدد الملايين التي يمكن أن يمتلكها رائد الأعمال ليحقق الأمان المادي، ولكن بسؤال آخر أكثر أهمية عن مدى استقرار موارده المالية، وعدم تعثُّره ماديًا إن توقف عن مزاولة أي نشاط لفترة ما. والأمان المادي لرواد الأعمال هو أحد النتائج المترتبة على تحقيق النجاح المالي.
ويُقصد بالأمان المادي لرواد الأعمال حجم المال الذي يأتي من الأصول، والذي يجب أن يكون أكثر من النفقات والمصاريف. ويرجع ارتباط الأمان المادي بمجال ريادة الأعمال إلى دور رواد الأعمال كصناع لأعمال استثمارية تنطلق من أفكار مبتكرة قائمة على تحمُّل المخاطرة، ولها قابلية للنجاح على أرض الواقع. وتتطلّب تلك الأعمال جهدًا من رائد الأعمال لتأسيس العمل وتقوية ركائزه، لتوفر بعد ذلك دخلًا ثابتًا باستمرار دون الحاجة إلى راتب الوظيفة أو العمل، ويكون هذا الدخل كافيًا لتغطية جميع نفقات رواد الأعمال.
وبمعنى آخر فإن، رائد الأعمال يُكوِّن قائمة من الاستثمارات (الأصول) على شكل قنوات، تتدفق كلها بالمال في اتجاه محفظته المالية، دون أن يقوم بتخصيص الوقت والجهد لكسبها، وتعطيه خيارات عديدة وأريحية كبيرة في تعامله مع المال.
أهمية الأمان المادي لرواد الأعمال
تظهر أهمية الأمان المادي لرواد الأعمال في كونه يمنح اختيارات عديدة في التعامل مع المال، ويحرّر الإنسان من الضغط الذي تولده الفواتير الضخمة وضروريات الحياة، ويجعل تفكير رائد الأعمال عقلانيًا ومنطقيًا في التعامل مع المال، لأنه يكون مبنيًا على الحرية في اتخاذ قرارات تحركها الرغبة في الحفاظ على هذا الأمان. ويتضمّن ذلك أيضًا استكشاف مجالات جديدة تقدم فرص نجاح أكبر، والاستثمار فيها.
كما يمنح الأمان المادي لرواد الأعمال حياة مليئة بالاختيارات، ووقتًا أطول في الاستمتاع بالحياة مع العائلة والأصدقاء، ويقوّي وضعية وأحوال رائد الأعمال المالية في حالة حدوث أي طارئ. ويساهم أيضًا في تحرير الإنسان من قوائم الموظفين الذين يقايضون وقتهم وجهدهم مقابل أجور زهيدة، وتحويلهم إلى مجال ريادة الأعمال، ليستغلوا الوقت في خدمة الأهداف المالية، وتحقيق النجاح المالي.
كيف يصل رواد الأعمال إلى الأمان المادي؟
يتحقق الأمان المادي لرواد الأعمال بالتخطيط المُحكم الذي يبدأ بتحديد هدف يساعد على تحقيق هذا الأمان، وينطلق من تساؤل حول الأسباب الكامنة وراء الرغبة في بلوغ الأمان المادي. ومن تلك التساؤلات:
- هل تلك الرغبة نابعة من أجل تحقيق الحرية المالية وتوسيع دائرة الإنفاق والاستهلاك؟
- هل هي نابعة من رغبتك في ترك عملك الحالي والهروب من بؤس الوظيفة؟
- هل الدافع هو شغفك لتقديم فكرة جديدة لخدمة المجتمع؟
- هل تبحث عن الربح السريع؟ أم تتطلَّع لأرباح على المدى البعيد؟
إن تحديد تلك الأهداف ووضوحها سيمنحك القوة اللازمة للعمل على فكرتك لتحقيق الأمان المادي، لأنه سيجعل عملك أكثر تنظيمًا، ويسير وفق برنامج محكم، الأمر الذي يجعل كل خطوة تقوم بها في مجال الأعمال تتسم بالواقعية، وتكون محسوبة العواقب والنتائج. وهذه الأهداف هي التي تحمل فكرتك لترجمتها على أرض الواقع انطلاقًا من عدة نقاط:
أولًا: خلق ميزة تنافسية لمشروعك
يجب أن يكون المنتج أو الخدمة التي يتم إخراجها إلى السوق ذات جودة عالية، وميزة تنافسية كبيرة، لترسيخ اسم شركتك في السوق، وتوسيع قاعدة العملاء بشكل يومي. واعلم أن جودة المنتج الذي تطرحه في السوق هو أكبر دعاية تقدمها لشركتك ولنمو أعمالك. لذا، يجب أن تكون على دارية بكيفية اختيار الميزة التنافسية لمشروعك.
ثانيًا: السوق المستهدف
يتم تحديد مجموعة من المؤشرات كالفئة المستهدفة من العملاء: طبقة غنية، متوسطة، فقيرة أو جميع شرائح المجتمع. ثم السن، والجنس، واتجاهات الاستهلاك عند الأفراد. كما يجب أن تكون فكرة المشروع تلبي حاجات الجمهور المستهدف، وحاجة السوق لمثل هذا الاستثمار. ولا تغفل دراسة المنافسين، وطرق عملهم في استهداف العملاء، ونقاط قوتهم وضعفهم.
ثالثًا: الكفاءات المُوظّفة
الكفاءات الموظّفة هي الوقود الذي يحرك عربة النجاح المالي والأمان المادي الذي تنشده، فهي الأساس في منظومة العمل. لذا، يجب توظيف الأشخاص ذوي المهارات والقدرات التي تتماشى مع خصوصية الخدمات أو المنتجات التي تقدمها، بالاعتماد في التوظيف على أصحاب المهارات عوضًا عن الاعتماد على ذوي الشهادات فحسب. كما يجب فتح الآفاق للاستعانة بالمستقلين وأصحاب العمل الحر، وفي هذا الصدد يمكن الاعتماد على موقع خمسات، أكبر سوق عربي لبيع وشراء الخدمات المصغرة، لتوظيف مستقلين ذوي مهارات تخدم أعمالك.
رابعًا: استراتيجية كسب العملاء
توجد العديد من الطرق لكسب العملاء المحتملين وتحويلهم إلى عملاء فعليين بمختلف أشكال التسويق، كالتسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو التسويق عبر الجوال، أو التسويق البريد الإلكتروني. والأهم هنا هو القدرة على تحليل احتياجات المستهلكين، وتقوية الارتباط بهم، لتحويلهم إلى عملاء دائمين للشركة.
هذه النقاط هي السبيل لتحقيق الأمان المادي لرواد الأعمال، إذ يمكن من خلالها بناء استثمارات على أسس متينة، تدعم موقفك المالي في عالم ريادة الأعمال وفي الحياة عمومًا. وهي نقاط مهمة في بناء عمل أساسي لك كرائد أعمال، لكنها غير كافية للجزم بتحقيق الأمان المادي، لأن أهم دلالة من دلالات تحقيق الأمان المادي لرواد الأعمال هي تنويع مصادر الدخل، أي تدفق المال من عدة أصول.
ولتتمكن من تنويع مصادر الدخل، يمكنك توظيف المال بطرق مختلفة من خلال الاستثمار في مجالات عديدة، كالذهب أو العملات الرقمية. كما أن الاستثمار في العقارات كأصل ثابت ينطوي على ربح وفير، ويحظى بسمعة منقطعة النظير، ويُستثمَر فيه بشراهة كأحد أهم المجالات التي عرفها المستثمرون منذ القدم. ولا يتلخص الاستثمار في العقارات في شراء وحدة سكنية، وإنما يتخذ أشكالًا عديدة تحقق للمستثمر أرباحًا هائلة. ويمكن الاعتماد على طريقتين للاستثمار في سوق العقارات:
1. الشراء أو البيع أو الإيجار
ويندرج فيها شراء العقارات وتأجيرها أو بيعها، كشراء عقار معين بغرض البيع، أو شراء الأراضي الصالحة للبناء، أو الأراضي ذات الاستخدام التجاري أو الصناعي، أو تأهيل العقارات وإعادة بيعها. وقد تكون تلك العقارات شقق، أو منازل، أو مباني للمكاتب، أو عقار للعطلات، أو أراضي، أو عمارات.
2. الاستثمار في أسواق الأوراق المالية
يتم الاستثمار في أسواق الأوراق المالية من خلال إحدى الطرق التالية:
أسهم الشركات العقارية
تُقسَّم العقارات إلى أسهم صغيرة، وعلى حسب عدد الأسهم التي يشتريها المستثمر، التي تُحدد حصته في شركة ما. ويمكنك التنويع في الشراء من عدة شركات، وامتلاك أجزاء مختلفة ومتنوعة من أسهم الشركات العقارية.
صناديق الاستثمار العقاري (REITs)
صناديق الاستثمار العقاري هي صناديق استثمارية تدير محافظ عقارية مختلفة، وشراء أسهم فيها يساعد على تحقيق عوائد مالية مهمة، لأن معظم عملياتها تتم إما بالبيع، أو الشراء، أو التأجير، أو الرهن العقاري. وتشمل عقارات متنوعة مثل: الفنادق، والمجمعات السكنية، ومراكز التسوق، والمستودعات، والشقق.
الصناديق المتداولة في البورصة (ETFs)
تقوم الصناديق المتداولة في البورصة على جمع الأموال من المستثمرين بغرض استثمارها في صندوق واحد، إذ يتم دمج مجموعة من الأصول التي تتيح للمتداولين التداول في أسواق عدة وأصول متنوعة من الأسهم، والسندات، والسلع، والعملات وغيرها. وبمجرد شراء سهم واحد يملك المستثمر به حصة من سلة الاستثمارات التي توجد في الصندوق. لذا، فهي وسيلة مهمة في توزيع المخاطر، من أجل تمهيد الطريق لتحقيق الأمان المادي لرواد الأعمال.
والاستثمار في الصناديق المتداولة في البورصة على عكس العقارات المادية لا يتطلب صيانة، أو دفع الضرائب عالية، أو التأمين، أو عمولة الوسيط العقاري، وإنما دفع سعرها في السوق فقط وانتظار جني الأرباح. كما أن سهولة التخلص منها في ثوانٍ يغري بالاستثمار فيها، عكس العقارات التي تحتاج وقتًا أكبر، وقد تُباع بسعر أقل من المأمول منها.
9 أفكار للحصول على الأمان المادي لرواد الأعمال
يظهر الأمان المادي لرواد الأعمال وكأنه غاية لا تدرك وتحتاج لمثابرة وجهد كبير، في حين أن العمل بهذه الأفكار يُسهل على رواد الأعمال بلوغ الهدف المنشود، وتحقيق النجاح المالي، فخلف الأهداف العظيمة تقف أفكار وحيثيات صغيرة. وإليك بعض الأفكار لتحقيق الأمان المادي لرواد الأعمال:
1. نوَّع مصادر دخلك
تتعدد أنواع الدخل، وأشهرها الدخل الذي يكسبه الفرد من ممارسة عمل أو وظيفة ما، والدخل الناتج عن استثمار معين، أي الفرق بين شراء وبيع خدمة أو منتج ما مثل شراء الأسهم. وهناك ما يعرف بمصطلح الدخل السلبي passive income الذي يكسب الفرد من خلاله المال دون بذل الجهد والوقت في تحصيله مثل تأجير منزل.
ورغم تعدد أنواع الدخل، فإن كل نوع يتيح عدة مصادر لربح المال، لكن يبقى الدخل السلبي أحد الأسباب الرئيسية في تحقيق الأمان المادي لرواد الأعمال، فالمال يدخل إلى محفظة المستثمر دون بذل مجهود يذكر. ويزداد تدفق المال كلما عرف رواد الأعمال الطريق المختصر لتحقيق مشاريع ريادية لا تتطلب سوى مجهود بسيط لإنشائها فيما تعود بالربح الوفير بعد ذلك، ودون الحاجة إلى التواجد الدائم والعمل بشكل مستمر، كما هو حال الموظف الذي يبيع جهده ووقته ومعرفته مقابل دخل ثابت.
جدير بالذِّكر، أن أفضل بداية في عالم ريادة الأعمال يمكن أن تكون من نصيب الشخص الذي يملك مصدر دخل مستمر يمكن الاعتماد عليه إلى أن تنجح فكرة المشروع الذي يراهن عليه، ثم العمل على تحقيق فكرة أخرى.
ومع هذا النجاح، سيصبح التخلص من قيود الوظيفة أمرًا في غاية السهولة، لأن رائد الأعمال لم يعد يعمل من أجل المال، بل المال هو الذي أصبح يعمل من أجله. لذا، فتنويع مصادر الدخل هو أكبر ضمان يقي من تقلبات السوق وتغيرات الحياة، مما يساعد على تحقيق الأمان المادي لرواد الأعمال.
2. استثمر بذكاء
تحقيق استثمار ذو فاعلية وجودة عالية، يتطلب استغلال المعرفة والمهارة والخبرة التي من المفترض أن يتمتع بها رائد الأعمال في الميدان الذي يتقنه، فليس من المنطق في شيء أن يستثمر الإنسان أمواله في مجالات لا يملك أدنى فكرة أو تجربة فيها، أو أن يستثمر بغاية تحقيق الربح السريع، فلا وجود في منطق الأعمال لخرافة الربح السريع والسهل.
ويتطلب نجاح المشاريع الريادية الاستثمار بذكاء، بالدخول مع أصحاب الخبرة الذين حققوا إنجازات كبيرة، والاستثمار معهم، والتعلم منهم ومن طرق استهدافهم للعملاء، ليكون هامش المخاطرة محدود العواقب. واحرص على ألا تكون سببًا في وأد مشروعك باستثمار أموالك في المجهول، إذ يجب دائمًا إدراك حجم المخاطرة التي ستُقدِم عليها. ببساطة؛ لا تضع كل البيض في سلة واحدة، فمثلًا لو اخترت الاستثمار في البورصة يمكنك الاعتماد على:
استراتيجية إدارة المخاطر Risk Managment
حيث تقوم إدارة المخاطر على التنويع في الاستثمارات وعدم الرهان على استثمار واحد، فيكون الربح فائضًا تم اكتسابه من أحد الاستثمارات التي وضعتَ فيها أموالك، حتى وإن لم تُدِر المشاريع الأخرى أي عائدات. وفي حالة الخسارة، سيُعوِّض بعضها البعض الآخر. وفي أسوء الأوضاع، ستحتفظ برأس المال في حالة الهزات والتقلبات الشديدة للسوق.
3. حافظ على نقاط قوتك وعالج مكامن الضعف
لتقوية وضعية أي مشروع في مجال ريادة الأعمال، يجب التركيز على نقاط القوة في المشروع والتي يمكن أن تتجلى في: الموارد البشرية، واستراتيجية التسويق، واستهداف العملاء، وأساليب العمل، والموقع، ودرجة التنافسية.
وينطلق إدراك أوجه القوة في المشروع من طرح سؤال في غاية الأهمية: ما الذي يجعل مشروعك مختلفًا عن المنافسين؟ فانطلاقًا من هذا السؤال، ستضع يدك على نقاط القوة لديك، للعمل على تقويتها لتطوير مشاريعك، والاستفادة من الفرص المتاحة لتعزيز حضور علامتك التجارية في السوق.
قد تكون قيمة المنتج أو الخدمة التي تقدمها، أو كفاءة العاملين هي إحدى نقاط القوة لديك، لكن في المقابل يمكن أن تكون استراتيجية التسويق خاصتك ضعيفة، وهنا لابد من تحليل شامل لمكامن الضعف ومعالجتها قبل أن تتطور وتتحول إلى عائق يهدم المشروع من الداخل، وتُهدم معه أحلامك بتحقيق الأمان المادي.
وهنا نكون مُلزَمين بطرح سؤال آخر عن: ماهيّة الأشياء التي تؤثر على تطور أعمالك؟ فمثلًا قد تكون بداية شركة رائدة صعبة إن لم تُحسن تسويق علامتك التجارية، لأنك لن تستطع إيصال فكرة منتجاتك إلى فئة عريضة من المستهلكين. ولتجاوز تلك العقبة، فإن الاعتماد على التسويق الرقمي والمزايا العظيمة التي يوفرها سيساعدك على استهداف قاعدة عريضة من المستهلكين والعملاء.
هكذا، تساهم معالجة نقاط الضعف وتقوية نقاط القوة في تحقيق الأمان المادي لرواد الأعمال، وتحسين التدفق المالي للشركات، بزيادة الأرباح واستثمارها في أصول ومصادر دخل أخرى تقوِّي من فرص الوصول إلى الأمان المادي.
4. ادَّخِر أكثر مما تُنفِق
إن انتشار المتاجر الإلكترونية، والأسواق التجارية الكبرى، وسيادة ثقافة الاستهلاك، وهوس التسوق، والإقبال على الكماليات، وتضخيم أسلوب العيش أكثر مما يتحمله الراتب، جعل الناس في حِلّ من الادخار وتقليص نفقاتهم قدر المستطاع، رغم أن الادخار هو أحد أهم أسباب صناعة الثروة والنجاح المالي. ويُهدف الادخار هنا إلى الكياسة في تدبير المدخول المالي وفق متطلبات الحياة، لتوفير المال للقيام بمشروع، أو الاستعانة به على الظروف الطارئة.
وفي دراسة أُجريت حول العالم وشملت 120 دولة عن الأشخاص العصاميين الذين بنوا ثرواتهم من الصفر بالاعتماد على أنفسهم، وجد الباحثون ثلاث صفات مشتركة بين كل هؤلاء الأشخاص، وأهمها أنهم أصحاب ادخار دائم في كل الظروف، وهي الصفة التي يخبرنا “جورج كلاسون” بأنها السبب وراء ظهور أغنى رجل في بابل، فقد بنى ثروة هائلة من خلال الاحتفاظ بجزء من إيراداته، رغم أن هذا الجزء لم يتجاوز عُشر ما كان يكسبه. وكان في الوقت نفسه يستمتع بحياته ولا يرهق نفسه بالادخار أكثر من اللازم.
يقول “جورج كلاسون” في كتابه عن أغنى رجل في بابل:
لقد وجدت الطريق إلى الثراء عندما قررت أن أحتفظ بجزء من إيراداتي. وأنت أيضًا يجب أن تقوم بذلك
5. ركِّز على زيادة الأصول
يحتدم صراع خفي بين الأصول والخصوم، وهذا الصراع هو المحدد لِمَا إذا كان رائد الأعمال أو أي إنسان عادي سيحقق الثراء، أم سيبقى طوال حياته كفأر يدور في عجلة لن تتوقف حتى يتوقف هو عن الحركة، لترمي به مجرّدًا بدون حماية في مواجهة مشكلات الحياة. فوجود مصدر أساسي للمال يفرض بالضرورة الوجهة التي يتدفق صوبها، سواء في اتجاه الأصول أو الخصوم، مما يعطي مؤشرًا عن إمكانية تحقيق الأمان المادي لرواد الأعمال من عدمه. وفيما يلي نوضح الفرق بين مصطلحي الأصول والخصوم:
- الأصول
هي كل مصدر دخل يزوّدك بالمال دون بذل جهد في كسبه. وكلما تم توجيه المال واستثماره في الأصول، زادت كمية التدفق المالي إلى محفظتك، لأنك ستُخضِع المال لإرادتك، وتتحكم في مصاريفك. ومن أهم هذه الأصول: العقارات، الأسهم، الذهب، السندات، الملكيات الفكرية.
- الخصوم
هي كل ما يُخرِج المال من جيبك، وترتبط بكل أنواع النفقات والمصاريف التي تستنزف المال، ولا تترك المجال لتنميته. وأغلب من تسيطر الخصوم على نمط حياتهم، يعانون من أزمات مالية متكررة ومستمرة تتولد عنها: الديون، أو الإفلاس، أو الفقر، أو العيش دائمًا تحت ضغط القروض. ومن أهم هذه الخصوم: الضرائب، والمشتريات، وقروض السيارات، والترفيه، والقروض العقارية، والقروض الاستهلاكية.
إن رائد الأعمال المُحنَّك هو الذي يعمل على تحقيق الأمان المادي عبر تنويع مصادر محفظته الاستثمارية، والتركيز على زيادة الأصول، ويترك اتجاه التدفق المالي يخبره بوضعه إن كان في طريق صناعة الثروة والأمان المادي، أم أنه يسير ضد التيار؟
في هذا السياق؛ يقول “روبرت كيوساكي” في كتابه الأب الغني والأب الفقير:
يبتاع الثَّري أصولًا، أما الفقير فذو نفقات وحسب، بينما يبتاع أفراد الطبقة الوسطى الخصوم ويظنونها أصولًا
6. تعرّف على سر الألواح البابلية
من أهم أسباب ضياع الأمان المادي غياب الذكاء المالي في التعامل مع مصادر الدخل، والرغبة في تسلُّق السُّلم الاجتماعي ولو من باب المظاهر الخادعة، خاصةً مع غياب أصول مالية تدعم نفقات الفرد، الأمر الذي يجعلك فريسة سهلة في يد الديون. ولا يمكن بأي حال تحقيق الأمان المادي لرواد الأعمال أو لغيرهم ممن يحاولون الدخول في مجال ريادة الأعمال، وشبح الديون يطاردهم من كل جانب.
من الواضح أن أغلب الناس يعملون ليل نهار لتسديد الديون التي أثقلت كاهلهم لكن بدون جدوى، رغم وجود حل بسيط وفعّال ينبعث من رماد حضارة تزيد عن خمسة آلاف سنة، ذلك الحل المُدوّن على ألواح بابل الصلصالية القديمة، التي تقدم وصفة سحرية من ثلاث نصائح لكل المُثقَلين بالديون على الأرض:
- ادَّخر عُشر الإيرادات.
- أنفِق سبعة أعشار الإيرادات على مستلزماتك ومتطلباتك المعيشية، حتى لا تفتقر الحياة إلى السعادة والاستمتاع.
- قسِّم عُشري الإيرادات الباقيين بالتساوي على الدائنين، للإيفاء بكل الديون.
بهذا تتخذ معادلة الراتب الشكل التالي:
إنها خطة مالية محكمة تَنُمّ عن خبرة وثقافة مالية كبيرة، وتُسهِّل استخلاص الديون بمبالغ صغيرة، وتترك مجالًا واسعًا للإنفاق اليومي والعيش بكرامة. والأهم من ذلك، ادخار أموال للمستقبل تمكّنك من الدخول في مشاريع ريادية تكون سببًا في تحقيق الأمان المادي.
7. تمسَّك بشغفك لمقاومة الفشل
الفشل في إنشاء وإدارة المشاريع الريادية أمر شائع ووارد، فحوالي 90% من الشركات الناشئة تفشل في بداياتها، بمعنى أن 10% فقط من الشركات هي التي تستطيع النجاح. فمجال ريادة الأعمال عبارة عن مجموعة من العقبات التي ما إن تتجاوز إحداها حتى تظهر الأخرى. رغم أن هذا مؤشر جيد، حيث يدل أن المشروع يسير في الطريق الصحيح، فكل عقبة يتم تجاوزها هي بمثابة لبنة تقوّي وضعك في السوق.
لكن في بعض الأوقات كثرة العقبات توهن العزائم، ولا يحفّز رائد الأعمال على مواصلة العمل إلا الشغف بما يقوم به، فالشغف بفكرة ما يؤدي حتمًا إلى تكريس الجهد والوقت في سبيل تحقيقها.
والشغف هو الذي يجعل رائد الأعمال يستيقظ مبكرًا لمطاردة حلمه، لتحويل الفشل إلى نجاح، ومواجهة أي مخاطرة تحاول إفشال خططه. والنجاح في أخذ مخاطرة ما، بكل ما تحمله من صعوبات وعقبات، تبني فرصًا أكبر في تنمية أي مشروع وتعطيه دفعة قوية ونقلة نوعية في السوق. وعن أهمية المخاطرة يقول نيتشه:
لكي تجني من الوجود أجمل ما فيه؛ عِش في خطر
8. أبقِ على تدفق المال إلى محفظة نقودك
يتضاعف المال لكل من يجد طريقة لإنمائه، وتتضاعف معه فرص تحقيق الحرية والنجاح المالي. وهذا التضاعف هو الذي يضمن الأمان المادي لرواد الأعمال. ويمكن تحقيق هذا الهدف من خلال نقطتين:
- اكسب أكثر
بتنويع مجالات أعمالك ومصادر دخلك، وتطوير المهارات والخبرات التي تعينك على الربح أكثر، والاستثمار في التعلُّم، لمسايرة التغيرات التي يعرفها مجال ريادة الأعمال والاقتصاد. فعند زيادة قدراتك المعرفية وخبراتك الميدانية، سيصبح من السهل عليك اقتناص الفرص التي تحقق الأهداف المالية التي تسعى إليها.
- أَنفِق أقل
وذلك بترشيد الإنفاق بواسطة التركيز على متطلبات العيش الضرورية، والانتقال من الشراء اليومي إلى الشراء الأسبوعي، والابتعاد عن بطاقات الائتمان، فهي مشجعة على الاستهلاك، وترشيد نفقات الاشتراكات والفواتير، مع مراقبة حجم الإنفاق من الدخل لمعرفة أين تتدفق نقودك.
ستقودك مراقبة نفقاتك إلى ترشيد الاستهلاك، والعمل على الكسب والربح، مما يساعدك على إبقاء التدفق المالي مستمرًا في اتجاه محفظة نقودك.
9. ادفع لنفسك وطوِّر قدراتك على الكسب
يتميز رواد الأعمال بلمسة يغلب عليها الابتكار والإبداع، ما جعل ريادة الأعمال تحظى بزَخَم وشهرة كبيرة تتطلب من رواد الأعمال تطوير قدراتهم ومهاراتهم بشكل مستمر، لمسايرة التطورات التي يعرفها قطاع الأعمال، والإلمام بمتغيرات الساحة السياسية والاقتصادية وانعكاساتها على الأسواق، كتقلبات أسعار النفط، والحروب التجارية، والصراعات الجيوسياسية، والتعريفات الجمركية، والفوائد، وأسعار المواد الأولية.
وتطوير القدرات مرتبط بنقطة مهمة لا يلقي لها أغلب رواد الأعمال بالًا، وهي أن تتمكن من الدفع لنفسك، فإذا كنت تدفع للجميع في العمل وفي المنزل وصولًا إلى البنك، فلماذا تنسى أن تدفع لنفسك؟ رغم أنك محور هذا العمل وأساسه. وهذا الأمر ليس من باب الترف، لكن لتأخذ جرعة مقوية لمواصلة الطريق، وللاستمتاع بما تكسبه من مال، ولتحفيزك أكثر على العمل وعلى تطوير قدراتك لتحقيق الأهداف المالية، التي ترصدها في أفق تحقيق الأمان المادي.
هذه التوليفة من الأفكار كفيلة بتحقيق الأمان المادي لرواد الأعمال، ولكل مستثمر مهما كان مجال اشتغاله وحجم مشروعه، أو أي فرد ينشد النجاح المالي في حياته، والإفلات من شَرَك الديون، وتوفير الحماية من طوارئ الحياة.