يُعَدّ مفهوم التعهيد الخارجي أحد المفاهيم التي لابد للمستقل من الاطلاع عليها، ليصبح أقدر على إنجاز الأعمال بكفاءة عالية وفقًا لاحتياجات كل مشروع، فقد لا يحتاج المشروع إلى أكثر من مجرد جهد المستقل وحده، لكن ربما يتعاقد على مشروع كبير الحجم أو فيه أجزاء خارج مجال اختصاصه، فحينها تبرز أهمية التعهيد الخارجي وتوظيفه لمستقلين آخرين ينجزون له تلك المهام.
والتعهيد الخارجي (Outsourcing) هو اتفاق بين الشركة وأشخاص من خارجها من أجل تنفيذ بعض الخدمات أو الأعمال، وذلك خلال فترة زمنية معينة وضمن تفاصيل متفق عليها بين الجهتين. ويمكن تلخيص مزايا التعهيد الخارجي فيما يلي:
- توفير التّكاليف: يساهم التّعهيد الخارجي في تخفيض تكاليف العمل، حيث يعمل المستقلون فقط حسب الوقت الذي يتطلّبه المشروع، بمعنى أنّه ليس هنالك حاجة للدفع مبلغ مقابل الوقت الّذي سيضيع عند توظيف شخص ما سواءً كان دوامًا جزئيًا أو كاملًا. ولا شك أن المستقلّين سينجزون العمل في وقت أقل وربما بكفاءة أفضل موازنة بالموظفين التقليديين نتيجة بيئة العمل وطبيعة السوق، إذ يريد المستقل إنهاء العمل بأسرع وقت من أجل التعاقد مع عميل جديد.
- توظيف الكفاءات: يوفر التعهيد الخارجي مزية توظيف كفاءات أكثر مهارة وخبرة والوصول إليهم بغضّ النّظر عن الدّولة الّتي يتواجدون فيها، بينما حين توظّف أشخاصًا عادييّن فأنت مضطر لتوظيف أشخاص ضمن مهارة أو خبرة معيّنة تكون هي المتاحة محليًا.
والتعهيد خيار لا تستخدمه كمستقل إلا في مرحلة متقدمة في عملك الحر، حين تصبح لديك قاعدة عملاء وتأتيك مشاريع كبيرة الحجم تحتاج إلى أكثر من تخصص، فحينها قد تتواصل مع مستقل آخر لينجز لك ما تحتاج من خارج تخصصك من أجل تسليم المشروع في وقته وبأعلى جودة.
أو تحتاج إلى مهام مثل كتابة مدونات تسويقية على مدونتك ونشرها بشكل منتظم، أو تصميم صور ومنشورات مرئية لنشرها في حساباتك الاجتماعية التسويقية، ومتابعة خطة ذلك النشر، أو قد تكون بعض الأعمال البسيطة مثل إدخال البيانات أو البحث في موضوع ما لكنك لا تملك الوقت الكافي لذلك، فحينئذ يكون خيار توكيل هذه المهمة إلى مستقل آخر مناسبًا.
أما الحالة المتقدمة من التعهيد الخارجي هي أن تكون صاحب شركة ولديك مهام خارج مجال تخصصك أو لا تملك وقتًا لها، فتوظف مستقلين لينفذوها لك، وإن كان بشكل متكرر أو منتظم.
وكل تلك الحالات متقدمة بالنسبة لمستقل مبتدئ أو دخل المجال حديثًا، وليس عليك القلق بشأنها أو التفكير فيها الآن.
الفرق بين التعهيد والوساطة
ربما يجب هنا أن نفرق بين التوظيف والوساطة، إذ هذه مشكلة تحدث في عالم العمل الحر بشكل متكرر، يتعاقد فيها صاحب المشروع أو العميل مع مستقل لينفذ له عملًا ما، لكن بدلًا من تنفيذ المستقل للعمل فإنه يتعاقد بدوره مع مستقل آخر كأنه هو العميل وينقل إليه طلب العميل على أنه طلبه هو، فيكون وسيطًا لتنفيذ العمل وليس منفذًا مباشرًا له.
وإن هذا مما يجب مراعاته كي لا تقع فيه لسببين:
- أن بعض منصات العمل الحر تضع شرط التسجيل فيها أنك تنشئ حسابًا لشخصك أنت، وليس ممثلًا لجهة أخرى، وذلك من أجل الوضوح والشفافية مع العميل، فصورة الحساب ستكون لك، والتقييمات ستكون باسمك أنت، والتعامل سيكون معك، فلا يُغرَّر بالعميل ليظن أنه يتعامل معك في حين أنه يتعامل مع شخص ثالث أو مجموعة أشخاص توكل إليهم هذه الأعمال.
- والسبب الثاني هو أمانة العقد والحفاظ على سمعتك، إذ هي رأس مالك في العمل على الإنترنت، وقد ذكر لي جميل بيلوني -كان صاحبًا لمشروع على منصة مستقل- حادثة وقعت له مع أحد المستقلين، إذ أوكل إليه مشروعًا لتنفيذه بعد الاطلاع على عينة من العمل والموافقة عليها، ثم تفاجأ أن العمل الذي سلمه المستقل جودته أقل من جودة العينة الأولى!
ولما أرسل إلى المستقل يخبره بذلك رد عليه أنه قد وقع له طارئ منعه من العمل، فأوكل العمل إلى شخص ثالث ينجزه له لئلا يخسر المشروع برمته وقد أخفى ذلك عليه، لكن هذا الفعل قد تسبب في خسارة جميل -وهو العميل هنا- لوقت ضيَّعه مع هذا المستقل، وربما مال أيضًا لولا تعاقده مع من خلال منصة عمل حر تضمن للطرفين حقهما مثل منصة مستقل. أضف إلى ذلك خسارة المستقل ذاك سمعته بهذا الفعل.
وهذا مثال للخطأ الذي نحذر منه ها هنا، فالعميل قد شعر أن المستقل خدعه بتسليم عمل على خلاف جودة العينة الأولى، وأنه تعامل معه لشخصه لشرط المنصة التي يتعاملان عليها الذي ذكرناه قبل قليل أنها تشترط إنشاء الحساب لشخص المنشئ وليس لجهة يمثلها، فتوقع أنه هو من سيسلم العمل وليس شخصًا آخر.
لكن الحالة التي تستطيع توكيل فيها آخرين والتعهيد إليهم بالمهام هي أن تكون على منصة تسمح بذلك، أو أن يأتيك العملاء من خلال قنوات أخرى مثل موقع شخصي لك أو لشركتك، أو حساب بريدي أو اجتماعي.
وحينها لك أن تكلم العميل بصيغة الجمع “نحن” أو تخبره صراحة لو كانت هويتك التجارية شخصية أنك ستوكل بعض المهام إلى بعض أفراد فريقك إن غلب عليك الظن أنه جاءك لشخصك ولا يريد اطلاع شخص ثالث على البيانات لحساسيتها له، من باب أمانة التعامل وللحفاظ على سمعتك.
ما يجب مراعاته في التعهيد
وهنا تأتي إلى النقطة التي يكبر فيها عملك لتكون في حاجة إلى بناء فريق يساعدك، أو تكون صاحب شركة تحتاج من توكل إليه مهامًا لينفذها لك، ويلزمك هنا شيء من العلم بإدارة الأعمال والمهام لتستطيع الاستفادة من تعهيد هذه المهام إلى مستقلين آخرين.
وسنذكر فيما يلي بعض الأمور التي يجب مراعاتها عند توظيف مستقلين آخرين أو التعامل معهم.
إدارة المهام
سنكتفي في هذه النقطة بالإشارة إلى ما ذكرناه في مقال الإدارة الفنية للمشروع، من أدوات لإدارة المهام وتنظيمها وغير ذلك، مثل خدمة أنا أو تريللو وخدمات التخزين السحابية وبرامج الاجتماعات، فلا حاجة لتكرار هذه النقاط، فما يصلح لإدارة مشروع مع عميل يصلح ها هنا أيضًا.
توزيع الوظائف
على خلاف النقطة السابقة، فإن علاقتك مع هؤلاء المستقلين الذين ستعمل معهم تختلف عن علاقتك مع العميل، إذ تنفذ أنت ما يطلبه العميل وتقبض أجرك، أما هنا فيكون العمل بين عدة أطراف يتعاونون على إخراج منتج واحد.
فالواجب هنا تحديد مدير لكل مشروع، وسيكون في الغالب هو الموظِّف و”العميل” في نظر باقي المستقلين، وذلك في المشاريع البسيطة التي تحتاج فيها إلى بضعة مهام خارجية مثل كتابة محتوى وتصميم ملصق دعائي، فحينها يرسل كل من الكاتب والمصمم تقريرهما إليك عند انتهائهما.
أما عند العمل على مشاريع أعقد من ذلك وفيها عدة أشخاص ينفذون مهامًا ترتبط ببعضها، فمن الأفضل حينها إذا كنت أنت من وظفهم أن تضع هيكلًا تنظيميًا لهم بحيث يرفع العاملون في كل قسم تقريرًا إلى واحد فيهم تختاره أنت ليكون المسؤول عن هذا القسم، وتتعامل بعدها مع هؤلاء المسؤولين، بدلًا من التعامل مع جميع الذين توظفهم واحدًا واحدًا.
مفهوم المساعد الافتراضي
يشير مصطلح المساعد الافتراضي -من لفظه- إلى الشّخص الّذي يساعد غيره في تنفيذ مهامه لكن عن بعد فلا يكون حاضرًا في نفس محل عمل الشخص الأول، ولا يتولى المساعد الافتراضي عادةً مشاريع كبيرة بل تكون مشاريع صغيرة لمهام روتينية بسيطة.
وهذه المهام قد تكون بسيطة في ذاتها أو تحتاج إلى مهارات خاصة، لكن بشكل عام فهي مهام مساعدة وثانوية بالنسبة لصلب مجال عملك كمستقل، والأمثلة التالية تبين أنواع تلك المهام التي يمكنك توكيل مساعد افتراضي لها:
- إدخال بيانات
- تدوين الملاحظات
- إعداد تقارير
- الأبحاث
لكن لا نظنك ستلجأ إلى توظيف مساعد افتراضي في أول عملك الحر ولا حتى بعد مرور سنوات، ولا نستطيع إخبارك متى بالتحديد ستحتاجها، بل شأنها كشأن رفع أجر خدمتك تمامًا، أنت الذي ستعرف الوقت المناسب لذلك وفقًا لنمط عملك.
ذلك أنها جديدة على السوق العربي من ناحية، وأن السوق العربي للعمل الحر نفسه جديد نوعًا ما فلم يتطور ويتبلور إلى المستوى الذي تنتشر فيه خدمة كالمساعدة الافتراضية، لكننا ذكرناها من باب العلم بها وأنها موجودة في السوق الغربي والأجنبي بشكل أكبر.
العقود مع العملاء
هذه أيضًا من النقاط التي لم نشأ الإسهاب فيها لأنها غير ذات فائدة كبيرة للعاملين في الوطن العربي في الوقت الحالي، ذلك أن السوق بعد جديد كما ذكرنا، فلم تُسن بعد القوانين الحاكمة للتعامل بين أشخاص طبيعيين “أفراد” من دول مختلفة بشكل حر، ولصعوبة مقاضاة عميل من دولة أخرى بسبب 50 دولار مثلًا، فتكاليف المقاضاة ستكون أكثر من ذلك بكثير!
لكن اعلم أنك في حاجة إلى ما يحفظ لك حقك مع العميل لتضمن حصولك على أجرك كاملًا، والحل الأسهل هو التعامل من خلال منصة عمل حر مثل مستقل أو خمسات، لكن لو أتاك العميل من قناة أخرى لك فحينها تكون أمام أحد خيارين: إما أن تطلب منه الانتقال إلى منصة عمل حر لتنجزا المشروع عليها. أو تطلب منه نصف أجرك مقدمًا كما سبق بياننا في ذلك في مقال الإدارة الفنية للمشروع، كضمان لجديته في طلبه، ثم النصف التالي بعد إتمام العمل، فحينها إن خدعك العميل ولم يعطك بقية مالك بعد تمام المشروع تكون قد خرجت بأقل الضررين.