يعتقدُ البعض بأن أول ظهور لآليات تعزيز ولاء العملاء بدأت في أواخر القرن الثامن عشر حينها كان الطريقة الشائعة لمكافئة العملاء هي بإعطائهم قطعًا نحاسية يمكن استبدالها لاحقًا بمنتجات من المتجر وسرعان ما تطورت هذه الطرق لتحل محلها الطوابع البريدية والبطاقات الإلكترونية. كان الهدف الرئيسي لهذه الآليات آنذاك هو حث المستهلكين على زيادة إنفاقهم ومكافأتهم كلما زاد إنفاقهم، إلا أنه في يومنا الحالي يكافئ العملاء على مجموعة متنوعة من النشاطات مثل مشاركة صورهم مع بعض منتجات الشركة على حساباتهم على وسائل التواصل الإجتماعية، أو لمشاركتهم في استبيان معين، أو عند تقديمهم لبعض المعلومات الشخصية. وبعد انتقال آليات تعزيز ولاء العملاء من مرحلة البدايات والتجريب إلى مرحلة النمو والازدهار تطور معها ولاء العملاء وأصبح هذا الولاء أمرًا مثيرًا للاهتمام لبعض العلماء فعكفوا على دراسة هذه الظاهرة وتصنيفها إلى درجات ومراتب.
النظريات الأولى لفهم سلوك العملاء
سيُظهر العملاء المختلفين أنواعًا مختلفة من الولاء بناء على عاداتهم الشرائية الشخصية؛ وسواء كنا نلعب دور البائع أو المستهلك فإنه من الأفضل أن نفهم المبدأ الرئيسي للولاء الّذي سيُساعدنا في فهم عادات الشراء لدى الأفراد ولكي نصبح مسوقين أفضل ومندوبي مبيعات أذكى ونقترب أكثر من المستهلك.
بدأ اهتمام الباحثين في التسويق بولاء العميل منذ بدايات العشرينات وبدأوا في تفسير سلوك ولاء العملاء المعقد ومعرفة العوامل المؤثرة عليه فظهر العديد من المقاربات النظرية المختلفة مثل المقاربة السلوكية والموقفية والعديد من المقاربات الأخرى. سنلقي نظرة على خصائص الولاء المختلفة مع تكرار الشراء المرتفع والمنخفض وسنُناقش الأنواع الأربعة المختلفة من ولاء العملاء الّتي استُنتجَت من هذه المقاربات، كما سنتعمقُ بالطريقة الحديثة في فهم ولاء العملاء.
1. الولاء السلوكي
ينطلق الولاء السلوكي من سلوك المستهلك من تكراره لسلوك معين وبحسب المقاربة السلوكية يعد العميل مواليًا للعلامة التجارية إذا كرر عملية الشراء لثلاث مرات متتالية تجاه نفس المنتج أو العلامة التجارية، ومن أهم الانتقادات الموجهة لهذه المقاربة من الولاء هو عدم معرفة الشركة السبب الفعلي للولاء، وبالتالي من الصعب على الشركة أن تؤثر على تكرار الشراء ولن نستطيع التمييز بين الولاء الحقيقي أو الولاء بحكم العادة لأنه يمكن أن يشتري المستهلك العلامة التجارية بسبب توافرها أو رخص سعرها أو قربها من مكان سكنه …إلخ. في الحقيقة إن محدودية الولاء السلوكي كانت المحرك الأساسي الّذي شجع الباحثين على البحث عن رؤية جديدة لولاء العميل.
2. الولاء الموقفي
يفترض هذا النوع من الولاء أن العميل يشتري من علامة تجارية ما بسبب وجود اتجاهات واستعدادات ومواقف إيجابية مسبقة للمستهلك نحو هذه العلامة التجارية، وتكون المؤشرات الّتي يمكن قياسها في هذا النوع من الولاء هي تفضيلات العميل والتزامه نحو منتج ما ونيته في تكرار هذا السلوك الشرائي. ولكن حتى مع المقاربة الموقفية لا يزال لدينا الكثير من الأسئلة الّتي تحتاج لإجابات وهنا ظهرت الحاجة للتركيب بين الولاء السلوكي والولاء الموقفي.
3. الولاء المركب
اتفق المفكرون على أن الجمع بين الولاء الموقفي والولاء السلوكي هو الّذي سيعطينا النظرة الحقيقية حول مفهوم ولاء العميل، واعتمدوا على بناء مصفوفة ولاء العملاء المقترحة. تنقسم معايير التصنيف المقترحة إلى مستويين مرتفع ومنخفض وعند تقاطع هذين المستويين نميز أربعة أنواع رئيسية من الولاء: حقيقي وكامن وزائف وغير موالي. يعدّ النهج الّذي اقترحه المؤلفون ذا أهمية كبيرة لأنه يدمج ما بين الموقف السلوكي والموقفي ويعطي صورة أشمل للولاء.
الأنواع القديمة لولاء العملاء
كانت تلك التقسيمات الأربعة لولاء العملاء التي ذكرناها آنفًا هي التقسيم المعتمد في القرن العشرين وكان يعد المرجع الأساسي لكثير من الشركات آنذاك، وكانت المستويات على الشكل التالي:
1. انعدام الولاء No Loyalty
هذا النوع من العملاء غير الموالين لأي علامة تجارية كما أي أنهم لا يطوروا أي ولاء سواء لمنتجات أو لخدمات معينة. فمثلًا هنالك الكثير من الأشخاص يذهبون إلى محلات مختلفة للحصول على قصة شعر مناسبة طالما أن ذلك سعر المحل الجديد منخفض ولا يضطرون للانتظار في صالون الحلاقة بل إن هكذا نوع من الناس نادرًا ما يذهب إلى نفس صالون الحلاقة مرتين متتاليتين. بالنسبة لهؤلاء الأشخاص الحلاقة ما هي إلا قصة شعر بغض النظر عن المكان الّذي يحصلون عليه. هذه الحالة تدل على غياب الولاء. وعمومًا من الأفضل للشركات والعلامات التجارية تجنب استهداف المشترين هذا النوع من العملاء غير الموالين لأنهم لن يكونوا عملاء مخلصين؛ وإن استقطبتهم الشركة فلن يضيفون سوى القليل من العائدات المالية للشركة، بينما التحدي الحقيقي يكمن في استهداف أكبر عدد ممكن من العملاء الّذين يمكن تطوير ولائهم وجعلهم عملاء دائمين للعلامة التجارية.
2. الولاء الكامن Latent Loyalty
يشير هذا النوع من الولاء إلى الموقف الإيجابي للعميل من العلامة التجارية ولكن مع انخفاض عمليات الشراء المتكررة من نفس العلامة. إذا كان لدى العميل ولاء كامن، فإن التأثيرات السلوكية تحدد الشراء المتكرر. فمثلًا يمكن أن يكون الزوج من أشد المعجبين بالطعام الصيني وفعلًا لديه مطعم صيني بجوار بيته. إلا أن زوجته لا تفضل كثيرًا الطعام الصيني. وبالرغم من ولاء الزوج إلا أنه لا يذهب كثيرًا إلى المطعم الصيني سوى في المناسبات وبدلًا من ذلك يذهب إلى المطاعم الّتي يستمتع بالأكل فيها هو وزوجته. في الواقع إن فهم العوامل الظرفية الّتي تحول بين تنفيذ برامج تستهدف العملاء الذين لديهم ولاءً كامنًا سيؤدي إلى تنشيط نسبة كبيرة من العملاء الّذين يكنون الحب للعلامة التجارية. لذلك يفضل أن تضع العلامات التجارية استراتيجيات مناسبة لمثل هكذا حالات. فمثلًا يمكن أن يجلب المطعم الصيني طباخ عربي أو غربي ويقدم تشكيلة أوسع من الوجبات وبالتالي كسب ولاء الزوجين وعدم المخاطرة بجعلهم يذهبون إلى مطعم آخر ورؤية خدمة يمكن أن تكون أفضل من خدمة مطعمه.
3. الولاء الزائف Spurious Loyalty
يرتبط هذا النوع من الولاء بمستوى منخفض من التعلق بالعلامة التجارية ولكن مع ارتفاع عمليات الشراء المتكرر ولذلك يعد ولاءً زائفًا. في الحقيقة في هذا النوع من الولاء يشتري العميل المنتج بدافع العادة أو بسبب أننا استخدمناه دائمًا في حياتنا اليومية أو لأنه مناسب فقط. وبعبارة أخرى، فإن العوامل الظرفية غير السلوكية هي السبب الرئيسي لشراء لهذا النوع من العملاء. يشعر هذا المشتري بدرجة معينة من الرضا عن الشركة، أو على الأقل لا يشعر بالسخط عنهم. هذا الولاء هو الأكثر شيوعًا للمنتجات الّتي تُشترى بصورة متكررة. فمثلًا يمكن أن يشتري العميل سائل التنظيف من متجر المنظفات المجاور لمنزله بدون حتى التفكير في الذهاب إلى المتجر الكبير في وسط المدينة. إن هذا النوع من العملاء جاهز للحصول على منتج منافس ولكن لا بد من أسباب قوية تبرر سبب تحوله عن المنتج الحالي. من الممكن تحويل الولاء الزائف إلى شكل آخر من الولاء من خلال جذب العميل بنشاط وزيادة التمايز الإيجابي الّذي يراه حول منتجك أو خدمتك بالموازنة مع المنافسين. فمثلًا يمكن أن يقدم متجر المنظفات الموجود في وسط المدينة خدمة التوصيل إلى المنازل أو أنه يعمل لساعات طويلة الأمر الّذي يمكن أن يبرر عملية التحول للعملاء الخاصين بالمتجر الصغير لأنهم على دراية بطريقة التمييز بين المتجرين ويقدرون الخدمات الإضافية وجودة الخدمة.
4. الولاء الحقيقي True Loyalty
وهو أكثر الأنواع الأربعة قابلية للاستفادة منه، وهو عندما يكون للمستهلك مستوى عال من التعلق وتكرار عمليات الشراء من علامة تجارية ما. وهذا النوع من الولاء هو حلم أي علامة تجارية لأن العملاء في هذا النوع يحبون العلامة التجارية جدًا كما أنهم يفخرون باكتشاف منتجات العلامة التجارية ويستخدمونها في حياتهم اليومية ويسعدون بمشاركة معرفتهم مع أقرانهم وعائلاتهم. يصبح هؤلاء العملاء مدافعين صريحين عن المنتج أو الخدمة ويشجعون الآخرين للشراء من هذه العلامة التجارية. هل لاحظت مرة بأن حاملي أجهزة أيفون يدافعون عن علامتهم دفاعًا قويًا بل في بعض الأحيان تحسبهم وكأنهم أحد موظفي المبيعات لدى شركة آبل! أولئك من هذا النوع.
الأنواع الحديثة لولاء العملاء
إن التطور المستمر في التقنيات، والأجهزة، والذكاء الاصطناعي، وتطبيقاتها في وسائل التواصل الإجتماعي فرض علينا توسيع طريقتنا في تحديد أنواع ولاء العملاء وتطويرها بطريقة دقيقة بالاعتماد على الولاء السلوكي والموقفي. سيُساعد توسيع أصناف ولاء المستهلكين على إحداث المزيد من الخطط الإستراتيجية لبناء ولاء العملاء وتحسين علاقة الشركة مع المستهلكين. بالعودة إلى الأنواع القديمة للولاء كان عيبها الأساسي هو تقسيم الولاء إلى مستويين فقط مما أدى لعدم وجود انتقال سلس بين أنواع الولاء فمثلًا العميل الّذي انخفضت مؤشرات ولائه قليلًا عن القيمة المتوسطة للولاء الكامن سيُعدّ مباشر عميل غير موالي، وبالمقابل أيضًا المستهلك الّذي زادت مؤشرات ولائه قليلًا عن القيمة المتوسطة للولاء الكامن سيُصبح ولاؤه مطلقًا. هذا الأمر سيجعل من الصعب تحديد الحدود الصحيحة بين أنواع الولاء ولتجنب هذه العيوب يقترح الباحثون تقسيم مؤشرات السلوك والولاء السلوكي إلى ثلاثة مستويات مرتفع ومتوسط ومنخفض وتشكيلهم في مصفوفة بالاعتماد على الولاء الموقفي والسلوكي. أي أنه يضيف خمس أنواع جديدة للولاء تقع في المنطقة الوسطى في الجدول كما في الشكل التالي:
يمكنك ملاحظة أن الأنواع الجديدة من الولاء مغمورة باللون الأبيض والأنواع القديمة باللون الرمادي. لنستعرض هذه الأنواع بمزيد من التفصيل.
غير موالي No Loyalty
وهو المستوى الأدنى من الاحتفاظ بالعميل. يجب على الشركة إما رفض الاحتفاظ بهذا النوع من المستهلكين (وهو أمر مفيد جدًا لها لتوفير النفقات)، أو اتخاذ تدابير خاصة لزيادة الولاء الموقفي قبل كلّ شيء لأن الاقناع بالعلامة التجارية ينطلق من الصورة المسبقة الموجودة في ذهن العميل. نلاحظ أنه في الشكل السابق كيف تُظهر الأسهم الاحتمالات الممكنة لتنمية ولاء العملاء في هذه الحالة بناءً على تطوير الولاء السلوكي أو الموقفي.
الولاء الأولي Ultimate Loyalty
إن ظهور هذا النوع من ولاء العملاء غير مرغوب فيه تمامًا للشركة لأن تطور الولاء في هذا الاتجاه سيُؤدي إلى ظهور ولاء زائف. الأمر الّذي يؤدي إلى استهلاك خدمات الشركة بدون أن تكون دوافع المشتري حقيقية. في حالات معينة يمكن أن يهتم هذا النوع من العملاء في الخصومات أو المكافآت الّتي تقدمها الشركة، دون أن يشعروا بالارتباط العاطفي وإنما يظل العميل غير مبالي ولا شيء يمنعه من الذهاب إلى المنافسين بمجرد أن يقدموا ظروفًا أكثر ملاءمة للتفاعل. في هذه الحالة يعد تطوير ولاء العميل أمرًا ضروريًا.
الولاء الزائف Spurious Loyalty
يحدث عندما يتطور الولاء السلوكي للمرحلة المتقدمة دون أن يتطور الولاء الموقفي. هذا الموقف خطير لأن العملاء ليسوا مرتبطين عاطفيًا بالشركة. ومن المؤكد أن تكون مشترياتهم بسبب عروض محدودة وخصومات موسمية أو تراكمية وعادات ونقص الوعي بالقيمة التنافسية الّتي تقدمها العلامة التجارية، لذلك بمجرد أن يجد العملاء شركة ترضيهم أكثر (مثل تقديم أحد المنافسين خصومات أكثر) سوف يرفضون منتجات علامتك التجارية. من أجل الاحتفاظ بهؤلاء العملاء يجب تعزيز الولاء الموقفي.
الولاء الأساسي Basic Loyalty
يظهر هذا النوع من الولاء عندما لا يتغير فيه مستوى استهلاك الخدمات أو المنتجات ويظل منخفضًا، ولكن هناك ميل لتحسين تصور العميل عن الشركة أو العلامة التجارية. في مثل هذه الحالة تحتاج العلامة التجارية لمعرفة أسباب الولاء السلوكي المنخفض وتنفيذ البرامج تهدف لتحسينه. إلى جانب ذلك يُنصح بإنشاء حملات تسويقية لتعزيز الصورة الإيجابية وتقوية الولاء الموقفي للعلامة التجارية في أعين العملاء.
الولاء المحايد Neutral Loyalty
يظهر هذا النوع من الولاء عندما تكون مستويات الولاء السلوكي والموقفي متوسطة في كلّ شيء سواء التوجه السلوكي أو الموقفي، أي أن المستهلك مهتم بالتفاعل مع العلامة التجارية ولكن ليس بالقدر الّذي يجعله يقوم بأي خطوة نحو العلامة التجارية. يجب اكتشاف هذا النوع من العملاء ومحاولة جذب اهتمامهم بالإضافة إلى ذلك يجب تحسين جودة الخدمات أو المنتجات وأن تقدم الشركة بعض العروض الخاصة لهذا العميل.
الولاء المتوقع Projected Loyalty
يظهر هذا الولاء من خلال ارتفاع مستوى استهلاك الخدمات من قبل المستهلك للعلامة التجارية وينمو ارتباطه بها، ويعد المستهلك في هذه الحالة فرصة كبيرة لجذبه أكثر للعلامة التجارية لأنه عندما نحسن صورة العلامة التجارية سيؤدي لتحسن الولاء الموقفي وسيُصبح ولاؤه مطلقًا.
الولاء الكامن Latent Loyalty
ويسمى أيضًا الولاء الخفي يعني أن مستوى عالٍ من الولاء لا يدعمه سلوك العملاء. أي أن العملاء يميزوا وجود العلامة التجارية بين المنافسين، ولكنهم يشترون منتجاتها أو خدماتها بصورة أقل تكرارًا أو بكميات قليلة. تشمل أسباب ذلك، العوامل الخارجية مثل عدم كفاية الدخل، وارتفاع أسعار المنتجات، والحواجز القانونية (مثل العقود الطويلة الأجل المبرمة مع أحد المنافسين). في مثل هذه الحالة تحتاج الشركة إلى تعزيز مكانتها من خلال تنمية الولاء السلوكي.
الولاء النشط Active Loyalty
وهي مرحلة عندما يكون العملاء مرتبطين ارتباطًا عاطفيًا بالعلامة التجارية، ويميزونها بين عدد كبير من المنافسين ولديهم مستوى متوسط من استهلاك لهذه العلامة التجارية. في هذه الحالة تحتاج العلامة التجارية إلى تقوية الموقف الّذي وصل إليه العميل والحفاظ عليه، وزيادة الولاء السلوكي من خلال الأنشطة المختلفة.
الولاء الحقيقي True Loyalty
ويسمى الولاء المطلق أيضًا وهو الوضع الّذي يتوافق فيه مستوى عالٍ من الولاء السلوكي مع مستوى عالٍ من الولاء الموقفي للعملاء وهو الأكثر ملاءمة للعلامة التجارية. هذا هو الجزء الأكثر استقرارًا من العملاء، وهو الأقل حساسية لتصرفات المنافسين سواء في خفض الأسعار أو إدخال وسائل راحة إضافية للعملاء مثل التوصيل المجاني وما إلى ذلك.
إن تطوير هذا النهج الجديد في تحديد أنواع ولاء سيُساعد المسوقين على تقسيم عملائهم بطريقة فعالة بناءً على نوع الولاء الّذي يظهرونه لتحسين طريقة فهم العلامة التجارية للعملاء وتحسين كفاءة العمليات واتخاذ القرارات لدعم القدرة التنافسية للعلامة التجارية.