التحدِّي الأكبر الذي يواجهه المُسوقون هو الحصول على نتائج مُرضية للعمليات التسويقية بأقل تكلفة. ويُعد التسويق العصبي أحد أشهر الأساليب التسويقية التي تُلبي هذا الغرض، إذ يهدف إلى فهم المؤثرات الناتجة عن استخدام مزيج تسويقي مُحدد على السلوكيات الشرائية للمستهلك، ما يسمح للمُسوقين باختيار ممارسات تسويقية ذكية أكثر تأثيرًا على الجمهور.
مؤخرًا، ساهم التسويق العصبي في إبراز أهمية تأثير الإعلانات على عمليات اتخاذ القرارات الشرائية، ودور الأسعار في التأثير على سلوكيات المُستهلِك، بالإضافة إلى تسليط الضوء على أهميَّة إتاحة خيارات مُتعددة للعملاء، مثل طرق الدفع المختلفة. ولذلك اتجه أغلب المسوقين إلى دراسة تأثير المزيج التسويقي على سلوكيات المُستهلك، أو اتِّباع حيثيات التسويق العصبي لتحقيق نتائج أفضل.
ما هو التسويق العصبي؟
يُعرّف التسويق العصبي بأنه طريقة للسيطرة على المستهلك، ومحاولة فهم دماغه وطريقة تفكيره، لمعرفة ما يرغب في الحصول عليه بهدف سد احتياجاته، ومن ثمّ التأثير على قراراته الشرائية. وفي هذا الصدد، أجرت شركة نوير فوكوس دراسة حول التسويق العصبي، أفادت نتائجها بأن الطرق التقليدية مثل الاستبيانات لا يمكنها فهم سلوك المستهلك، أو التنبؤ بقرارته الشرائية.
أمّا الأسلوب الحديث المُستخدم في التسويق العصبي أو التسويق المزاجي فهو لا يعتمد بشكل أساسي على الاستبيانات من أجل التنبؤ بتصرفات المستهلكين، فهذه الاستبيانات لا يمكنها تحديد ردود الأفعال اللاواعية. لذلك، يُعد التسويق العصبي بمثابة آلية لإخراج الأفكار الكامنة في عقول المستهلكين.
ويُشير كلاون كيمرير، الباحث في علوم التسويق وأستاذ الاقتصاد والأعمال بجامعة كاليفورنيا إلى أن: التسويق العصبي هو أسلوب يعتمد على تحليل العملية المُخية لفهم رغبات الزبائن واحتياجاتهم، بدلاً من سؤالهم عن ما يريدون. وهذا هو ما يفعله المسوق العصبي، حيث يعمد إلى التأثير على هذه المناطق النشطة في المخ من خلال استخدام أدواته التسويقية. على سبيل المثال، يقوم المُسوق هنا بإعادة صياغة الإعلان أو تعديل التصاميم لخلق نوع من الولاء للعلامة التجارية التي يروج لها.
الخطوات التي يتخذها المخ عند اتخاذ قرار الشراء
يستهلك المخ من الجهاز العصبي المركزي المسؤول عن عملية اتخاذ القرار ما يقرب من 2% فقط من النشاط الواعي الشعوري أثناء اتخاذه القرارات الشرائية. لذلك، فإن معظم القرارات التي يتخذها المُستهلِك بشأن الشراء تكون لا شعورية، ويمكن التأثير على المستهلك لشراء سلعة مُحددة أو طلب خدمة معينة.
يمر قرار الشراء في دماغ المستهلك بعدة مراحل هي:
- يرسل المخ إشارات بمعلومات متعلقة بالسلعة أو الخدمة التي تم تحديدها.
- يعمل الإعلان على تحريك مراكز الإثارة والحماس الموجودة في المخ، ولكن إثارة هذه المراكز ليست كافية لتحفيز القرار الشرائي لدى المستهلك.
- يختار الدماغ بعض السلع لتدخل مرحلة المداولة والمناقشة والتي تحظى باهتمام خاص عن باقي السلع الأخرى.
- يحصل المخ على قناعة تامة تجاه السلعة التي حظيت باهتمام المخ، ثم يتخذ القرار النهائي بشرائها.
تؤثر بعض العوامل الأخرى على القوة الشرائية بخلاف المؤثرات العصبية التي يتسبب فيها الإعلان عن المنتج أو السلعة. من بين هذه العوامل على سبيل المثال: محدودية ميزانية الشراء، وتأثير الأشخاص الآخرين على قرار المستهلك، كما أنّ لأخر عمليات شراء قام بها المستهلك دور كبير في تحديد عمليات الشراء القادمة.
كيف يستغل التسويق العصبي عنصر الجذب؟
يستخدم التسويق العصبي مجموعة من التقنيات التي تقيس ردود الأفعال لدى المستهلكين، من بينها تقنية تتبع العين أو التعاقب النظري، وهذه الطريقة تعتمد على تحليل نظرة المستهلك للسلع، ومن ثمّ، بناء المزيج التسويقي بناءً على هذا الأساس. وقد لجأت كبرى الشركات إلى استخدام هذه التقنيات لتحقيق المزيد من الأرباح.
أحد أبرز هذه الشركات هي شركة أمازون، فمن خلال تحليلها لنظرة المستهلك لصفحات تجارة التجزئة عبر تقنية التعاقب النظري، أعادت أمازون تصميم بعض الواجهات اعتمادًا على نتائج هذا التحليل، وبالفعل تمكنت من خلال هذا السلوك البسيط أن تزيد من مبيعات منتجاتها وخدماتها. كذلك أثبتت بعض الدراسات أن اللون هو أول ما يلفت نظر الزبائن للمنتجات. أكثر من 90 في المائة من المستهلكين يُركّزون بشكل أساسي على المظهر الخارجي للمنتج، ويتخذون القرار الشرائي اعتمادًا على الألوان.
لا شك أن اختيار الألوان المناسبة يساهم في خلق نوع من الولاء للعلامة التجارية لدى المستهلكين، وتثبيتها في الذاكرة، ولذلك تعمد معظم الشركات الكبيرة والناجحة إلى اختيار لون مناسب للعلامة التجارية بالإضافة إلى اختيار ألوان ملائمة لمنافذ التوزيع، من أجل استحداث مزيك ترويجي يُساهم في جذب انتباه العملاء واستقطاب أكبر عدد ممكن من المستهلكين.
كيف تستخدم الألوان المناسبة لجذب انتباه عملائك؟
هل فكّرت لماذا يسود اللون الأحمر والبرتقالي في ديكورات المطاعم الشهيرة؟ أو لماذا يغلب اللون الأحمر على شعار شركة كوكاكولا مثلاً؟ لابد أن اختيار هذه الألوان لم يكن مُصادفةً! في حقيقة الأمر تستخدم هذه الشركات الألوان في التأثير على المستهلكين؛ لتتولى الألوان مهمة إيصال رسالة معينة للجمهور المستهدف.
على سبيل المثال، تستخدم شركة كوكاكولا اللون الأحمر للتعبير عن الحماس والقوة والنشاط الكبير للشركة، في حين تستخدم المطاعم اللون الأحمر والبرتقالي في ديكوراتها للإشارة إلى سرعة التنفيذ. ولاختيار اللون المناسب لنشاطك التجاري ينبغي أن تضع هذه المعايير في الحسبان:
- دلالة اللون
توصلت العديد من الدراسات في هذا المجال إلى أن البائع يتعين عليه اختيار اللون الذي يتصل بشكل مباشر مع هذه السلعة. على سبيل المثال، الشركات التي تبيع المنتجات الصديقة للبيئة تختار دائمًا اللون الأخضر في أغلفة منتجاتها وشعاراتها وفي تصاميم المواقع الإلكترونية الخاص بها. أيضًا من الجيد أن يستخدم البائع ألوانًا تُساهم في إقناع الزبائن بأهداف النشاط التجاري واتجاهاته. فمثلاً، تستخدم شركة آبل اللون الأبيض دائمًا لكي تُعبِّر عن بساطة تصاميم منتجاتها.
- الفئة العمرية
تُشير الأبحاث التسويقية إلى ضرورة اختيار الألوان المناسبة بناءً على الفئة العمرية المستهدفة، فإن كنت تستهدف فئة الأطفال، فعليك اختيار ألوان زاهية مثل الأحمر والأخضر والأصفر والأزرق، لأنها تسبب السعادة للطفل، وتجذبه نحو اختيار سلعتك. أمّا إذا كنت تستهدف شريحة المراهقين، فمن الجيد أن تستخدم ألوانًا معقدة أكثر من خلال مزج بعض الألوان مع بعضها، في حين تميل فئة الشباب إلى الانجذاب نحو ألوان الموضة، بينما يميل كبار السن للانجذاب نحو الألوان الهادئة.
- نوع الشريحة
ومن الجيد أن تراعي الشريحة المستهدفة، هل هي من الذكور أم الإناث، فلكل منهما طيف لوني يُناسبه. أيضًا يجب مراعاة ثقافة السوق المستهدف، فبعض الثقافات تُشير الألوان فيها إلى دلالات مختلفة، على سبيل المثال، يُشير اللون الأحمر في الصين إلى الحظ، ويُشير الأصفر في آسيا إلى المرض، بينما يُشير اللون الأبيض في إفريقيا إلى الموت.
تُشير البحوث التسويقية إلى أن استخدام أسماء الألوان غير المعتادة يزيد بنسبة كبيرة من معدلات الشراء. على سبيل المثال، إذا أنتجت شركة هُلامًا بلون الرازماتاز، فإنه يكون مختارًا أكثر من جانب المستهلكين عن هلام أحمر أو أصفر. كما أن اختيار أسماء إبداعية للألوان يؤثر بشكل كبير في قرارات المستهلك، مثل تسمية اللون الأزرق الفاتح باللون السماوي، وهذا التأثير ينطبق على مختلف أنواع السلع بما فيها الملابس أيضًا.
- فهم الثقافات والطبقة الاجتماعية
سيُساعدك فهم الثقافات على استهداف الجمهور الصحيح. كذلك يتعين على المُسوق أن يُراعي الطبقة الاجتماعية المستهدفة عند اختيار ألوان المزيج التسويقي. فالطبقة المتوسطة تتميز بالبساطة، وتميل إلى الانجذاب نحو الألوان الأساسية، بينما تُفضل الطبقة الأرستقراطية الألوان المركبة وذلك رغبة منها في التميُّز عن الآخرين.
بما أنك ستتبنى أسلوب التسويق العصبي، فلا شك أنك بحاجة لخبراء عند اختيار الألوان المناسبة في المزيج التسويقي في نشاطك التجاري الجديد. لحسن الحظ، يساعدك مستقل على الوصول لمصممين محترفين، حيث طيف واسع من المبدعين على امتداد الوطن العربي؛ سيساعدونك في اختيار اللون الملائم لشعار الشركة، وأغلفة منتجاتك والألوان المستخدمة في تصميم موقعك الإلكتروني.
كيف تحقق زيادة في المبيعات باستخدام التسويق العصبي
لخصّنا لك ما ينصح به خبراء التسويق والمتخصصون في استخدام أسلوب التسويق العصبي، من أجل زيادة المبيعات في هذه النقاط وهي:
- استخدم التأثير البصري: ركِّز في إعلاناتك المصورة أو في مقاطع الفيديو الإعلانية الخاصة بك على استخدام محتوى إعلاني يُركِّز بشكل أساسي على المنتج أو السلعة التي تُقدمها، ويعمل على جذب انتباه العميل نحو مميزات هذه السلعة أو الخدمة.
- استخدم أغلفة جذابة: أثبتت الدراسات أن تعبئة المنتجات وتغليفها لها مردود سلبي أو إيجابي أو محايد لدى الزبائن، لذلك يتعين عليك اختيار ألوان الأغلفة واختيار النصوص التي تُكتَب عليها بكل عناية.
- اختر الألوان المناسبة: لا يقتصر اختيار اللون المناسب على لون السلعة فقط، بل للمزيج التسويقي ككل. تعرَّف على الألوان ذات التأثير الأكبر على دماغ الشريحة المُستهدفة من عملائك، واستخدمها في تنفيذ تصاميم العبوات والمنشورات الدعائية.
في النهاية، نود أن نُخبرك أن كثير من الشركات الناجحة التي تتصدر المشهد التجاري هذه الأيام تعتمد بشكل أساسي على إجراء دراسات التسويق العصبي لفهم احتياجات عملائها، وتحديد الأساليب الأكثر تأثيرًا على طريقة تفكيرهم، من أجل دفعهم نحو اتخاذ القرارات الشرائية تجاه منتجات وخدمات هذه الشركات.