وتتم دراسات الجدوى المبدئية من خلال خطوات تتخذ في النهاية صور مستد أو نموذج Form يختلف باختلاف الجهة التي أعدت تلك الدراسات، ومدى خبرتها وكفاءتها. فقد يتخذ هذا النموذج شكل “خطاب نوايا” يبرر توفر نية مبدئية للاستثمار وقبول فكر الاستثمار ووضعها موضع المزيد من الدراسات، وقد يكون على هيئة “كراسة” تتضمن بيانات أولية ذات نمط واحد.
وعادة، فإن دراسات الجدوى المبدئية لا تتضمن العمق الوارد في الدراسات التفصيلية، وعادة يعتمد إجراؤها على البيانات الثانوية المنشورة ولا يمتد إلى إجراء البحوث الميدانية إلا نادراً. ولاشك أن درسات الجدوى التفصيلية تستنفد جهداً ووقتاً كبير مما يؤثر على ارتفاع تكاليف القيام بها، وبالتالي فمن المرغوب فيه إجراء دراسات مبدئية للجدوى حتى يتم تصفية واستبعاد عدد من الأفكار الاستثمارية غير المجدية مبدئياً.
ونظر لأن النتائج التي تسفر عنها دراسات الجدوى المبدئية يتوقف عليها اتخاذ قرار بقبول أو رفض أو تعديل مشروع الاستثمار، أو اختيار واحد أو أكثر من مشاريع الاستثمار المقترحة، فإنه يتحتم أن تكون تلك الدراسات موضوعية ودقيقة وهذا يتطلب مهارت وقدرات خاصة علمية وعملية في متخذ القرار لتحديد أبعاد الفرصة الاستثمارية، ذلك أن العديد من الأفكار يتم استبعادها بسبب إجراء دراسات مبدئية للجدوى تفتقر إلى عوامل الدقة و/أو الموضوعية رغم أنها قد تكون أفكار صالحة والعكس صحيح.
وإذا كان ممكناً الاستغناء عن إعداد دراسات الجدوى المبدئية والقيام مباشرة بإعداد دراسات الجدوى التفصيلية في بعض الأحوال (كما في حالة تنفيذ مشروع لإنتاج سلعة أساسية)، فإن دراسات الجدوى المبدئية تعد ضرورية ولا يمكن التخلي عنها في معظم الأحوال، ذلك أن من بين فوائدها الأساسية تجنب ضياع مبالغ طائلة تمثل تكاليف القيام مباشرة بدراسات جدوى تفصيلية تنتهي إلى قرار برفض تنفيذ مشروع الاستثمار (وتعرف هذه النوعية من التكاليف بالتكاليف الغارقة حيث يصعب استردادها أو تعديلها أو تحويلها إلى استثمار آخر دون تحمل خسائر فادحة)، هذا بالإضافة إلى تفادي أية خسائر قد يحققها المشروع إذا ما تم تنفيذه مع عدم وجود دليل على جدواه المبدئية.
ورغم أن عدم إجراء دراسات الجدوى المبدئية قد يترتب عليه تجنب إنفاق مبالغ طائلة أحيانا – وهي في المعتاد أقل من تكاليف إجراء دراسات الجدوى التفصيلية -إلا أنه من الأفضل من الناحية الاقتصادية لمشروع الاستثمار أن يتم إنفاق تلك المبالغ على أن ينفذ بصورة يتم معها إغفال كل أو بعض جوانب الدراسة المبدئية التي لو روعيت لتحقق للمشروع إيرادات تفوق كثيراً تكاليف إجراء تلك الدراسات.
وواضح مما تقدم أن ثمة أهمية كبيرة لإجراء دراسات الجدوى المبدئية لمشروع الاستثمار، بيد أنه قد يصعب وضع حد فاصل بين دراسات الجدوى المبدئية من جانب ودراسات الجدوى التفصيلية من جانب آخر، ولعل المستثمر الكفء هو الذي يمكنه ذلك.
دراسات الجدوى المبدئية وكيفية القيام بها:
يوجد هناك مدخلين أساسيين للتعرف على فرص الاستثمار أولهما مدخل البحث عن حاجة، وثانيهما مدخل التوصل إلى فكر منتج جديد.
وعلى ضوء مفاهيم هذين المدخلين يمكن للمستثمر إعداد بيان طويل يتضمن عدد كبير من فرص الاستثمار. ومن الناحية العملية لا يمكن إجراء دراسات .جدوى تفصيلية لكل هذه الفرص، بل وفي حالات كثير قد يتعذر القيام بدراسات .جدوى مبدئية لكل تلك الفرص، وهنا يتطلب الأمر إجرء تصفية مبدئية بغية الإبقاء على تلك الفرص التي لها احتمال نجاح مرتفع وترتيب هذه الفرص أو الأفكار حسب أهميتها ما أمكن.
وتتم التصفية المشار إليها على مرحلتين:
المرحلة الأولى لتصفية المشاريع:
وفيها يتم استبعاد بعض الفرص طبقاً للأساس تذهب / لا تذهب Go/No Go، أو بمجرد الإجابة ب( نعم) على أي من الأسئلة التالية والتي تتعلق بمناخ الاستثمار:
1.هل سينجم عن قيام مشروع الاستثمار أي مخالفة للنظم والقوانين والقواعد الحكومية أو لمبادئ العلاقات العامة السليمة (كالضوضاء أو حدوث تلوث للبيئة أو تصنيع مواد غير صحية أو غير مباحة)؟.
2. هل يتعارض مشروع الاستثمار مع الأهداف والسياسات القومية أو مع القيود التي قد تفرضها الدولة (كالقيود المفروضة على الاستيراد، الاحتياجات من النقد الأجنبي، توفير فرص العمل، خطط التعبئة)؟.
3. هل هناك أية قيود أو احتكارات أو عجز يؤدي إلى عدم توافر أحد عناصر الإنتاج أو توفره ولكن بتكلفة غير مقبولة؟.
4. هل لا توجد حاجة ماسة إلى منتجات مشروع الاستثمار؟.
5. هل رأس المال المطلوب غير واقعي و مغالى فيه؟.
6. هل تنعدم الأهمية الاستراتيجية لمشروع الاستثمار؟ وهل لا يساهم في حل مشكلات الدولة؟.
7. هل لا يتوافق إنشاء المشروع مع خطط التنمية فى الوطن وأولوياتها؟.
8. هل هناك منافسة قوية من الشركات المماثلة وخاصة العملاقة؟
9. هل هناك أي عوامل تؤثر على التسويق الفعال لمنتجات المشروع مستقبلأ؟.
المرحلة الثانية لتصفية المشاريع:
وفيها يتم استخدام أسلوب الترتيب المقارن لأفكار الاستثمار، إذ بعد استبعاد الأفكار التي لها فرص نجاح محدودة أو متعثرة، يقتضي الأمر القيام بدراسات إضافية بغية التوصل إلى أساليب ملائمة لترتيب أفكار الاستثمار ترتيبا مقارنا يمكن المستثمر في نهاية الأمر من الاختيار الرشيد لمشروع الاستثمار الذي ينبغي عليه تنفيذه.
وعند القيام بعملية الاختيار المشار إليها ينبغي مراعاة مجموعة عوامل أساسية، وبمعنى آخر فإنه لكي يمكن لفكر الاستثمار أن تؤدي إلى مشروع استثماري ناجح فلابد لها من مراعاة الاعتبارات التالية:
أ. أن يكون لها سوقاً مناسباً في الوقت الحالي، وفي المستقبل.
ب. أن يتوقع لسوقها النمو المستقبلي.
ج. أن تكون تكاليف الإنتاج والتسويق مساوية أو أقل نسبياً من تكلفة المنافسين.
د . أن يتسم الطلب على المنتجات الخاصة بالمشروع حال تنفيذه وأسعارها بأقل درجة من المخاطر.
ولأغراض التصفية المبدئية، فإنه يمكن استخدام “الحكم الشخصي” في تقييم هذه العناصر كما يمكن استخدام بعض المقاييس الإحصائية في إجراء الترتيب المقارن لفرص الاستثمار.
ويلاحظ مما تقدم، أن التصفية المبدئية يتريب عليها استبعاد العديد من فرص وأفكار الاستثمار وذلك في ضوء درسة العوامل الحاكمة لمناخ الاستثمار المحيط بالمشروع. وفي ذات الوقت فإنها تترك عدة فرص وأفكار أخرى تتطلب المزيد من الدراسات.